عبد الستار السيد
أعتذر لكم، فالمقال طويل بعض الشيئ ، وهو موجَّه أساساً للمُهتمين
.
بدايةً نقول :
هل تعلم بأنَّ الله عزَّ و جل كان قد تعهَّد لنا و بحفظ كتابهِ
العزيز ، وذلك حين قال تعالى :{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ
لَحَافِظُونَ } سورة : الحجر : 9
و أنَّهُ سبحانهُ قد قال :{ مَا يُبَدَّلُ ٱلۡقَوۡلُ لَدَيَّ
وَمَآ أَنَا۠ بِظَلَّٰمٖ لِّلعَبِيدِ }سورة : ق : 29
وبناءً عليهِ ، فقضيَّةُ النَّاسخ و المنسوخ هي بالأساس مسألةٌ
خلافيَّة كبرى ، وقد تمَّ إلقاؤها جهلاً و زوراً و بُهتاناً على كتاب الله تعالى
.. و سببُها الأوَّل كان : فرض الأهواء البشريّة على دلالات النُصوص في كتاب الله
تعالى !
و للعلم ، فالفقهاء و علماء الحديث ، لم يتَّفقوا أصلاً و على عدد
ما يُسمى بالآيات المنسوخة !!
و هو ممَّا يؤكد لنا ، بأنَّ هذا النَّظرية ليست و بالأساس أمراً
إلهياً مُنزلاً ، بل هو شيئ من فيض من أهواء القوم ، و قد جاءت :
تطبيقٌاً لمُتطلَّبات السُّلطة و إرضاخاً لإرادة الشُّعوب !!
طبعاً و بعد البحث و التَّدقيق و التَّمحيص العميق في هذهِ المسألة
، فإنَّك سوف تجد :
أنّها و بالفعل أكبر جريمة أُلصقت زُوراً و بهتاناً بكتاب الله
عزَّ و جل !!
و للعلم أيضاً :
فالذين زعموا بالنَّسخ لم يتفقوا حتَّى على عددٍ مُحدد أو حصرٍ
دقيق للآيات المُدَّعى عليها بالنَّسخ ، و الَّتي قد يتراوح عددها و ما بين 5 آيات
عند البعض و إلى أكثر من 293 آية عند آخرين ، و بعضهم كان قد تطرَّف جداً و أوصل
العدد و إلى حوالي ال500 آية !!
وذلك و من أصل ال6236 و التي هي تعداد كامل آيات الكتاب المُصحف
الشَّريف !! ، وهذا ممَّا يُؤكد لنا أيضاً بأنَّ الأمر كان عندهم ( فضفاض جداً
وقابل للزيادة و للأخذ و الرَّد ) ، و السؤال المشروع هو :
كيف للمُسلم بأن يعرف تلك المنسوخات و هو يقرأ في كتاب ربِّهِ
الكريم ؟!!
و كيف سيعلم ما يعمل بهِ من أمور واجبة في دينهِ ، و ما يجب أن
يترك العمل بهِ من نُصوص في كتابهِ المُقدَّس ؟!!
و هل نحن حقاً نحتاج إلى دليل أو مُجلدات تفسير كثيرة و علماء
شريعة و وذلك لكي يدلُّونا عليها ؟!
أم يتوجَّب على الجميع منَّا دراسة و حفظ :
( علم النَّاسخ و المنسوخ ) وذلك كي نهتدي بالقرآن ؟!!
أم يجب طباعة دليل خاص بالآيات المنسوخة و الَّتي هي ( غير مُتَّفق
أصلاً عليها أو على عددها ) !! و على أن يتم توزيعهِ إلزامياً و مع كُل نُسخةٍ
مطبوعة من نُسخ المُصحف الشريف ، أم هل يُمكن بأن تُضاف تفصيلاتها الشَّائكة و بعد
فهرس السُّور ؟!!
أم هل من المُمكن بأن نقوم بتعليم الآيات المنسوخة في المُصحف و
بلونٍ خاص :
( 🚩
۩
📛 ) كالأحمر مثلاً ،
وذلك حتَّى نتلوها فقط و لمُجرَّد التَّبرك و التراتيل ، و نُهمل العمل بمضمونها
وذلك وكما يُريدون منَّا ؟!!!
و السُّؤال المشروع لنا أيضاً :
هل هُناك حقاً من دليلٍ قطعيٍ و صريح في الكتاب أو في الأحاديث
المنسوبة للنَّبي الكريم يدلُّ و يؤكِّد على وقوع النَّسخ في كتاب الله ؟
و الجواب هو لا :
فبعد الدِّاراسة العميقة و التَّدقيق والتَّمحيص في المسألة لم نجد
أي دليلٍ قطعيٍّ واحد ، لا في الكتاب ولا حتَّى في المرويات المنسوبة للنَّبي
الكريم ، يدعم أو يُؤكد على شيئ من تلك النَّظرية !!
فالقضية ليست أبداً من مُسلَّمات الدِّين و كما يدَّعون ، و ذلك
حتَّى تُمرَّرَ على عبادِ الله و بهذه السُّهولة ، فليس فيها من نصٍّ قاطعٍ واحد
ولا إجماع مُتيقّن !
و للإنصاف فالذي يتأمَّل وفيما جاءَ عن السلف و بخصوص سمُّاه
المتأخرين :
( نسخاً ) سيجد بأنَّ كثيراً منه لا يأتِ أصلاً و بمعنى النَّسخ
المعروف عند المُتأخرين ، و بينما الآفةُ كانت تأتي دائماً و بسبب إطلاق
المُصطلحات الحديثة موضع المُصطلحات الشَّرعية القديمة ، و ذلك و بالرُّغم
تغايرهما و تباينهما بالشكل و المضمون ، فقد كان المُتقدِّمون من العلماء يُريدون
بمصطلح النَّسخ ما قد يُسميه المتأخِّرون :
( تخصيصاً للعام أو تقييداً للمُطلق ، أو تفسيراً للمُجمل ) ، ولا
يعنونَ به ِ إطلاقاً :
( رفع حكم شرعي و بدليلٍ شرعيِّ آخر مُتأخر عنه ) !!
وهذا ما نبَّه عليهِ بعض المُحققون ومن أمثال : الإمام إبن القيم
الحنبلي ، والإمام الشاطبي المالكي ، وهذا كان يقطنُ في المغرب ، وذاك في المشرق .
و في تأكيد ذلك :
يقول الإمام أبو إسحاق الشاطبي :
" والذي يظهر لنا من كلام المُتقدِّمين، هو أنَّ النَّسخ
عندهم كان في الإطلاق أعمُّ منهُ في كلام الأصوليين، فهم قد كانوا يُطلقون على
تقييد المُطلق نسخاً، وعلى تخصيص العُموم بدليل متُّصل أو مُنفصل نسخاً، وعلى بيان
المُبهم والمُجمل نسخاً، ولأن جميع ذلك مشتركٌ و في معنى واحد "
و للعلم :
فمن الذين عارضوا نظريةً النَّسخ من السلف و الذي يأتي بمعنى
الإلغاء و الطمس، الإمام الضَّحاك و عطاء و ابن أبي حاتم و أبي مسلم الأصفهاني و
غيرهم الكثير ..
و لكن ، بالمقابل فنحن و إذا عُدنا إلى مدلول كلمة ( آية ) في
كتاب الله الكريم فإنَّنا سوف نجد بأنها تشتمل وعلى نوعين من الآيات :
فالله عزَّ و جل ، كان يُنزِّلُ الآياتِ التَّدوينية و يذكر لنا
الآيات التَّكوينية وذلك من الخوارق والمُعجِزات ، قال تعالى :
{ إِنْ نَشَأْ :
👈 نُنَزِّل عَلَيْهِمْ
مِنْ السَّمَاء آيَة 👉
👈 فَظَلَّتْ أَعْنَاقهمْ
لَهَا خَاضِعِينَ 👉
فالآية هنا وإذا دققنا فيها قليلاً ، فإنَّها تشتمل فعلاً
النَّوعين :
( الآية الكونية و الآية التَّدوينية ) !!
وذلك لأنَّ :
الكون هو 🌏 👈 كلماتهُ
و
الكتابُ هو 📖 👈 كلامهُ
والحقيقة أنَّهم قد أساءوا فهم دلالة كلمة : 👈 " آية " 👉
وذلك حين وردت و في سياق الآيات .
و للعلم ، فالله عزَّ و جل ، لم يستخدم في كتابهِ الكريم ولا
لمرَّةٍ واحدة كلمة " آية " و ذلك فقط للدَّلالة الوحيدة على معنى الآية
القرآنية التُّدوينيّة و هذا دون الآية الكونية !!
و بالمقابل فكلَّما ذَكَر لنا الكتاب العزيز كلمة 👈 آية 👉 فإنها تعني المعجزة و الدَّليل و العلامة .
ولنأخذ معكم بعض الأمثلة على ذلك :
{ قَالَ رَبِّ ٱجۡعَل لِّيٓ 👈 ءَايَةٗ 👉 قَالَ ءَايَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ
ثَلَٰثَ لَيَالٖ سَوِيّٗا }سورة : مريم : 10
فالآية هنا قد أتت و بمعنى العلامة و الدَّليل .
{ وَقَالُواْ مَهۡمَا تَأۡتِنَا بِهِ مِن :
👈ءَايَة
👉 لِّتَسۡحَرَنَا بِهَا
، فَمَا نَحۡنُ لَكَ بِمُؤۡمِنِينَ } سورة : الأعراف : 132
{ سَأَصۡرِفُ عَنۡ 👈 آيَٰاتِيَ 👉 ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَإِن
يَرَوۡاْ كُلَّ آيَةٖ لَّا يُؤۡمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوۡاْ سَبِيلَ ٱلرُّشۡدِ
لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلٗا وَإِن يَرَوۡاْ سَبِيلَ ٱلۡغَيِّ يَتَّخِذُوهُ
سَبِيلٗاۚ ، ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَذَّبُواْ
👈 بِـآيَٰاتِنَا 👉 وَكَانُواْ عَنۡهَا غَٰفِلِينَ } سورة : الأعراف : 146
و الآية هنا قد أتت و بمعنى المُعجزة و العلامة و كذلك :
{ وَقَالُواْ لَوۡلَا يَأۡتِينَا 👈 بِـَٔايَة 👉 مِّن رَّبِّهِ ، أَوَلَمۡ تَأۡتِهِم
بَيِّنَةُ مَا فِي ٱلصُّحُفِ ٱلۡأُولَىٰ } سورة : طه : 133
{ وَإِن يَرَوۡاْ 👈 ءَايَةً 👉
يُعۡرِضُواْ وَ يَقُولُواْ سِحۡرٞ مُّسۡتَمِرّٞ } سورة : القمر :
2
{ وَقَوۡمَ نُوحٖ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ أَغۡرَقۡنَٰهُمۡ 👈 وَجَعَلۡنَٰهُمۡ لِلنَّاسِ ءَايَةٗ 👉 }
سورة : الفرقان : 37
طبعاً و هناك الكثير و الكثير من الآيات التي تُفيد على الدَّلالة
و في نفس المعنى .
إذا فما هي القصَّة من هذا الموضوع ؟!!
و لماذا أصرَّ أغلبية الفقهاء على إدخال نظرية النَّسخ في كتاب
الله ، و مع أنَّ بعض العلماء القدامى كانوا قد عارضوا ذلك الطرح و بشدِّة كبيرة ،
و منهم من ضحَّى و بحياتهِ ثمناً لذلك ، و منهم من سُجِنَ و عُذِّب و لقاءَ رأيهِ
المُعارض للمسألة ؟!!
و مع أن حُجَّة من يدَّعي و يقول بنظرية النَّسخ، هي أصلاً معدومة
، فلو كان هُنالك حقاً من ناسخ و منسوخ ، لأخبرنا النَّبي ﷺ بذلك ، و لأشار إليها في قسمٍ
خاص و لربَّما في أخر المصحف ، و رُغم أنَّهُ لا يُوجود لها أي دليلٍ أو بُرهان
مُقنع في كتاب الله ، إلا أنَّهم ما زالوا يحتجُّون على ذلك و بآيتين فقط لا غير ،
و الأولى هي آيةٌ مكّيَّة ، و هي في قوله تعالى في سورة النَّحل :
{ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
بِمَا يُنَزِّلُ ، قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ
يَعْلَمُونَ } سورة : النحل : الآية : 101
حيث قالوا : بأنَّ المُراد بالتَّبديل هنا هو النَّسخ !
و لكن نحن و إذا دقَّقنا في ذلك ، لوجدنا بأنَّ إستدلالهم بها، هو
في غيرِ مكانهِ الصَّحيح ، وذلك لأنَّ هذه الآية و بالأساس كانت قد نَزَلت :
ردَّاً و جواباً و لِما كان يطلبهُ كُفَّار قُريش من رسول الله ﷺ :
( من أن يأتيهم بآيةٍ إعجازية و ذلك و كما جاءَ بِها السَّابقون
المُرسَلون )
ولكنَّ الله عزَّ و جل كان يقولُ لهم ، لا ، فأنا حُرٌ هنا ، وليس
لأحدٍ من الخلق بأن يُملي عليَّ أو يقترح ما أُريد ، فهذا ليس من شأنِ و صلاحياتِ
البشر ، فهم كانوا يتسائلون ؟!!
لماذا لم يُؤتَ مُحمَّدٌ بآية حسِّيَّة خوارقيَّة وذلك مثلما
أُوتيَ موسى أو عيسى ؟!
و في ذلك تقول الآية الكريمة :
( لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا ) ، أي لولا جئت بها يا مُحمَّد، و لكنَّ
الرسول الكريم ﷺ
، كان يقول لهم لا .. ، فأنا لا أستطيع أن آتي بها و من عند نفسي أو من لدنِ نفسي،
وذلك لأنَّ الآيات هي بالأساس من عندِ الله تبارك و تعالى ، طبعاً و بعلم الله ،
فإنَّ الآياتِ و النُذر لن تُغني مع مثلِ هؤلاءِ القوم شيئاً ، وذلك لأنَّهم كانوا
قد مُرِدوا على الجُّحود و الكنود و الكُفر و العصيان و العياذ بالله .
وبناءً عليهِ فإن إستدلالهم بهذه الآية، كان في غيرِ محلِّه ، حيث
لا يوجد نسخٌ لآياتِ الله في كتابهِ ، وكل من يقول بذلك فإنَّهُ واقعاً يَسِمُ
علمَ اللهِ بالنَّقص و القصور ( و حاشا لله في ذلك ) ، فالله عزَّ و جل لم يكن
ليُنزَّل كتاباً لرسالةٍ هي خاتمة للرسالات ثم يجعل فيه :
( آياتٍ لا فائدة منها ، وذلك لكونها نُسخت ) !!
و الحقُّ أن هذا الكتاب كتابٌ عزيز ، ولا يأتيهِ الباطلُ من بين
يديهِ و لا من خلفهِ ، و كلُّ آيةٍ فيه قد جاءت وفي سياقها المُحكم ، و هي صالحة و
لكلُّ الأزمنة ، ولا سيَّما فيما يخصُّ منها بآيات الاحكام الشرعية ، و أما فيما
يخصُّ و بالآية التي زعموا بأنها تتحدث عن النَّسخ و التي هي في قولهِ تعالى :
{ وَإِذَا بَدَّلْنَـا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ } ،
فهي قد أتت و بمعنى :
( أي آتينا محمداً آيةً و هي القرآن ) ،
و هنا قد يقولُ قائل، و لكن هل آيةُ محمَّدٍ، هي حصراً القرآن
الكريم ؟ فنقول لهُ نعم و بالتَّأكيد ، وكلُّ الأمة بسلفها و خلفها تشهدُ و تتَّفق
على ذلك ، و تعلم بأنَّ مُعجِزة محمَّد الخالدة و آيتة الباهرة هي :
( الكتاب 📖 العزيز ) ، والله يُشير للنَّاس و من طرفٍ خفي و يقول هذه الآية :
أجدى على البشر و أنفع للنَّاس من كلِّ الآيات الحسِّية الخوارقية العجائبية و
التي كانت قد أُنزلت و ضمن الرِّسالات السَّابقة ، وفي تأكيد ذلك المعنى نجد ما
ورد من حديث النَّبي ﷺ
وبقوله :
( ما من نبيٍ من الأنبياء قبلي إلا و أُوتيَ ما مثلُهُ آمن عليهِ
البشر ، و إنَّما كان الذي أُوتيتهُ : وحياً 👈 📖 )
{ قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٌ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ } سورة
فُصِّلت : 6
{ قُلۡ أَيُّ شَيۡءٍ أَكۡبَرُ شَهَٰدَةٗ ؟!
قُلِ ٱللَّهُ شَهِيدُۢ بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۚ ..
👈 وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ 👉
👈 لِأُنذِرَكُم بِهِۦ وَمَنۢ بَلَغَۚ 👉 } سورة الأنعام : 19
فكلام النَّبي الكريم هنا يدلُّ على أنَّ معجزتهُ الباهرة ، كانت
حصراً آيات الوحي من الكتاب ؟
ولكن هل كان يقصد بذلك الآيات التَّدوينية ؟ أم الآيات التَّكوينية
؟
و هل هو فعلاً يقصدُ بآية الوحي الخوارق الحسِّية و ذلك مثل :
خارقةُ العصا و اليد و الَّتي أعطاها الله لموسى ، و ذلك و كما في
قوله تعالى :
{ وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ
سُوءٍ 👈 آيَةً 👉 أُخْرَىٰ } ، فالعصا هُنا كانت آيةً تكوينية
، و بينما النَّبي الكريم كان يؤكِّد لنا و يقول ، و أمَّا أنا :
( فآيتي هي حصراً من الوحي ) ،
إذاً فماذا كان يعني بذلك ؟!
لقد كان يقصد بذلك ، أنَّ آيتهُ الخالدة ، كانت تشمل على جميع
الآيات التَّدوينية و المُتمثِّلة بالكتاب العزيز ، وأعظم بهِا من آيةٍ و لمَن
تدبَّرها و عقلها و وعاها .
و أمَّا الآية الثَّانية ، و التي دائماً ما يستشهدون بها على
نظرية النَّاسخ و المنسوخ ، فهي في سورة البقرة ، و من المعلوم بأنَّ سورة البقرة
سورة مدنيَّة و بالكامل و هي قوله تعالى :
{ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا
أَوْ مِثْلِهَا ، أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }سورة
: البقرة : الآية : 106
و أمَّا عن دلالة معنى { النَّسخ } في كتاب الله ✍️ فهو يدلُّ على :
🌟 الإثبات ✅
🌟 إعادة التَّدوين ✅
🌟 التِّكرار و التَّأكيد على أهمية و خطورة المعنى و أمَّا هُم فقد
:
🌛حرَّفُوهُ🌜 عن مواضعهِ و مقاصدهِ و جعلوهُ يعني :
👈🏿 المحو ! ❌
👈🏿 وإلغاء الآيات ! ❌
👈🏿 و إبطال الأحكام ! ❌
و قد قامت نظرية :
[ النـاسـخ و المنسـوخ ] ، هـذا
[ العـلـم الهـامّ ] عـندهـم ، و عـلى :
[ 4 ثـوابـت رئيسية ] ، و هم يُـؤمـنون بهـا كـُلَّ الإيمـان، و
يتـم تدريسـهـا فـي الكُـلِّيات الجَّـامعية ، و هـي أنّ القـرآن الكـريـم يحتـوي
:
1 _ آياتٍ نُـسِـخَ : أي أُلغي حُـكـمُهـا ، و بـقي لنا فقط نصَّـهـُا
!!!
2 _ و أيضاً هُناك آيـاتٍ قد نُـسِـخَ نـصُّـهُـا ، أي ألغيَ ، و
لكن بـقي منها حُـكمُـها !!!
3 _ و بينما هُناك آيـاتٍ أُخرى قد نُـسِـخَ نَـصُّـهَا و
حُـكـمُـها مـعـاً !!!
4 _ و الأغـرب مـن ذلـك كـلَّهُ ، هو قـولهـم : بأنَّهُ يُمكن و
يجوز :
[ لرواية آحاد منسوبة للنَّبي و جاء بِها أصحاب المغازي ، وعبر
تزكية الرِّجال لبعضهم البعض عبر العصور ، و لو كان حتَّى حديث آحاد ظنِّي الثبوت
، بأن يـنسـخ و يُلغي و يُعطلِّ آياتٍ صريحة و واضحة و قطعية الدلالة في كتاب الله
📖 العزيز ] !!!
و نحن و لكي نفهم سياق الإستدلال بالآية :
( ما ننسخُ من آيةٍ أو نُنسها .. إلخ ) و بشكلٍ صحيح ، فيجب علينا
التَّدقيق قليلاً في :
مجرى تتابع الآيات و كما وردت في سورة البقرة ، حيث كان سياق
الآيات قد ورد بها و كالتَّالي :
و هنا سوف نعرض لكم تفصيلاً مُبسطاً لسورة البقرة :
فالسورة كانت قد بدأت بالمؤمنين و في 4 آيات 👈 ثم تلتها آيتين تحدثتا عن الكفَّار 👈 ثم جاء ذكرُ المنافقين و في 13 آية 👈 ثم هناك 19 آية أتت و بموعظةٍ للنَّاس بأن
يتَّقوا النَّار و بالبشرى للمؤمنين ، و من ثمَّ أتت 👈 هنالك 9 آيات أخرى هي جزء من قصَّة آدم 👈 ثم آية للكفَّار 👈 و تليها 64 آية تحدثت عن بني إسرائيل و في
مواقف لهم مع فرعون و موسى و العجل و قصَّة البقرة 👈 ثم وردت 7 آيات للذين آمنوا مع النَّبي و
منها قوله تعالى :
{ مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ
الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ ، وَاللَّهُ
يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } ،
( فالمقصود بالخير هنا هو :
👈 القرآن 📖 الكريم 👉 )
ثم أتت بعدها الآية الكريمة 👈 :
{ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا ، نَأْتِ بِخَيْرٍ
مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ، أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ } ..
وهنا يظهر لنا ، بإنَّ الآية المقصودة كانت تتكلَّم أصلاً عن نسخ
الآيات التَّدوينية الواردة في الشَّرائع السَّابقة و التي منها الوصايا العشر ،
وذلك بتدوينها في كتاب 📖 الله ، و أمَّا عن
معنى دلالة لفظ أو ( نُنسِها ) فهو يعني أن لا تُذكر ، و أمَّا بالنِّسبة لمعنى و
دلالة : ( مثلِها ) : فهناك في كتاب الله ، آياتٌ مًتماثلات
👈 ثم تليها آية ، و مثالها :
{ أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ
مِن قَبْلُ ، وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ
السَّبِيلِ } ، فالموضوع و بأسرهِ كان يتكلَّم عن سؤالهم لآياتٍ خارقة و سؤالهم
هذا كان يأتي و في سياق الآيات التالية :
{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى
اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ } .
فسياق الحديث هنا ، كان يتكلَّم أصلاً عن :
( آياتٍ كونية و ليس عن آياتٍ تدوينية 🤔 !! )
ولكن لماذا نُنسيها ؟!
لتطاول العهد بها ، فهذه المُعجِزة كانت قد أتت و قبل ألفين سنة أو
قبل ثلاثة آلاف سنة ، أو قبل سبعمائة سنة ، و النَّاس طبعاً قد نسوها ، و لأجل ذلك
، فقد ذكرها الله عزَّ و جلًّ فقال :
( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ = أي مُعجِزة ) كونية وليس آية تشريعية ،
{ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۩ } ،
ولكن هل قال الله ، ألم تعلم أنَّ الله :
( عليم حكيم ) ؟!
لا ، فهو سُبحانهُ لم يقل بهذا أبداً ، إذاً فعلى ماذا يدلُّ ذلك
؟!
فلو أنّ ؟ المسألة كانت في الآيات التَّدوينية التَّشريعية ۩ 🤔 لناسبَ بأن تكون الفاصلة أو التَّذييل الذي
بعدها هو : ألم تعلم أنَّ الله ( عليمٌ حكيم ) ، فهو عليمٌ ، لأنَّهُ يعلم ماذا
سيُشرِّع لعبادهِ ، و متى يُشرِّع لهم ، ومتى يُبدِّل و يُلغي شرعهُ القائم ،
ولكنَّ الله لم يقل ذلك إطلاقاً ، بل قال سبحانهُ :
{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ :
👈 شَيْءٍ قَدِيرٌ 👉 } وذلك لأنَّ المطلوب لديهم كان حتماً :
👈 آيةً خوارقية ، عجائبيَّة 👉
، و بينما الله عزَّ و جلَّ ، كان يقول لهم لا : فنحن لا نستجيب
لمُقترَحاتكم وهذا ليس عن عجز ، وليس عن ضُعف ، بل و على العكس من ذلك تماماً ،
فهو عليَّ هيِّن و أنا على كلِّ :
( شيئٍ قدير ) .
ولفهم المعنى أكثر فإنَّنا سوف نعودُ معكم و لقولهِ تعالى :
{ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا
👈 نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا 👉
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
سورة البقرة : 106
فالإنساء المقصود هنا ، كان تاريخياً بحتاً ، و شريعة مُحمَّد ﷺ كانت قد نسخت و بالفعل ما
جاءَ قبلها من أحكام في شريعة موسى عليه السلام ، وهذا ممَّا أعطى هذهِ الرِّسالة
صِفات الرَّحمة و العالميَّة و الخاتميَّة ، و النَّسخ و الإنساء يُمكن بأن يأتي
في الآيات الخوارقية :
( المعجزات ، و أيضاً في الأحكام التشريعية السابقة ) و من ذلك نسخ
حُكم :
( الجَّلد بدل الرَّجم ) ، و أيضاً محرَّمات الطَّعام و الَّتي
وردت في شريعة موسى عليه السلام و ( أصبحت أقل ) ، و في ذلك قال تعالى :
{ لِكُلّٖ جَعَلۡنَا مِنكُمۡ شِرۡعَةٗ وَمِنۡهَاجٗا }
سورة : المائدة : 48
وبذلك ، فلا يُوجد ناسخ أو منسوخ ضمن الرِّسالة الواحدة ، و إنما
النَّسخ و الذي يأتي و بمعنى التبديل و إلغاء و إنساء الأحكام ، فهو كان قد جرى و
بين الرِّسالات فقط .
و بهذا ، فالمسألة واضحة جدَّاً ، و هي أنَّهُ لا يُوجد أصلاً نسخ
:
( ضمن الشريعة الواحدة ) أو في كتاب الله و بمعنى :
( الحذف و الطَّمس و الإلغاء ) لآياتٍ معيَّنة ، و ذلك و كما زعموا
، بل و على العكس من ذلك تماماً ، فالنَّسخ في كتاب الله معناهُ يُفيد :
( التَّأكيد و زيادة النُّسخ ) ، و ذلك مقصودٌ من الله و من أجل
التَّركيز على أهمية و خُطورة المُراد من النَّص في الآية الكريمة❗
و أمثلتهُ في هذا المعنى كثيرة جداً و منها الآيات المُتكررة لفظاً
و في ثنايا المُصحف الشريف وذلك لأهميتها !!
و منها قوله تعالى :
{ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ }
و التي جاءت مُكرَّرة و لأكثر من مرَّة وذلك في سورة : النساء : 82
و جاءت في :
سورة : محمد : 24
وكذلك قوله تعالى :
{ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍ }
حيث جاءت تلك الجُّملة مُكررة و في آيتين مُتتاليتين في :
سورة : النساء : 11 ، 12
و أيضاً في قوله تعالى :
{ وَيۡلٞ يَوۡمَئِذٍ لِّلۡمُكَذِّبِينَ }
و التي جاءت منسوخةً و مُكرَّرة و ل10 مرَّات في سورة المُرسلات .
و أيضاً قوله تعالى :
{ فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }
و التي أتت منسوخةً و مكرَّرة و ل31 مرَّة وذلك في سورة الرَّحمن .
و هناكُ أمثلةٌ أُخرى و كثيرة جداً على النسخ ضمن ثنايا المُصحف
الشريف و الذي يأتي و بمعنى :
( التِّكرار و تأكيد الأهمية في كتاب الله ) .
و أما هُم فقد فهموا النَّسخ و على أنَّه يأتي فقط و بمعنى :
( الطَّمس و الحذف و الإلغاء ) ،
و الغريب أنَّهُ و حيثما تُوجد آية كريمة تحمل دلالات من الله على
وجوب الرَّحمة بين الخلق و التَّفاهم مع الآخر ، فسنرى بأنَّ هُناكَ مَن زَعَمَ
بنسخها !!
و على سبيل المثال لا الحصر ، فهُناك :
الآية الخامسة من سورة التَّوبة :
و ( التي أسموها بآية 🗡 السَّيف )
و مع أنَّ كلمة السَّيف ⚔ لم ترد و لم تُذكر ولا مرَّة
واحدة في كتاب الله !!
حيث زعَمَ بعضهم بأنَّ هذهِ الآية و لوحدها ناسخة أي ( مُلغية ) و
لحوالي :
( 124 ) آية في الكتاب 📖 العزيز !!
و نحن و لو أمعنَّا النَّظر و في الآيات التي زعموا نسخها و بهذه
الآية الكريمة ، لرأينا و بأنَّها تحمل دلالات لأحكامٍ تُفنِّد عصبيّاتهم و التي
يُريدون فرضها على كتاب الله تعالى !! و من أمثلة الآيات المنسوخة في هذا الشأن :
1ـ " وإن تولَّوْا فإنما عليك البلاغ "
2ـ " إن أنت إلا نذير "
3ـ " فأعرض عنهم و عظهم "
4ـ " فاعرض عنهم وتوكل على الله "
5ـ " فاعف عنهم و اصفح "
6ـ " وما جعلناك عليهم حفيظا ، وما أنت عليهم بوكيل "
7ـ " لست عليهم بمسيطر "
8ـ "واصبر على ما يقولون " واهجرهم هجرا جميلا "
9ـ " فاصبر صبرا جميلا "
10ـ " فاصبر على ما يقولون "
11ـ " فاصفح الصفح الجميل "
12ـ " خذ العفو ، وأمر بالعُرْف و أعرض عن الجاهلين "
13ـ " إدفع بالتي هي أحسن "
14ـ " فإنما عليك البلاغ ، و علينا الحساب "
و من هنا تتجلَّى الحقيقة المُغيَّبة و بأن فرية : النَّاسخ و
المنسوخ هي مهزلة كُبرى و قد تمَّ إلصاقها :
( ظلماً و عُدواناً ) بدلالات النُصوص في كتاب الله العزيز ، و من
المُفارقات الرَّهيبة لمسألة النَّاسخ و المنسوخ قولُهم بأنَّ :
جميع الآيات المنسوخة في الكتاب تُثابُ على تلاوتها و لكنَّك
ستأثمُ على تطبيقها !!
فهل رأيتم أكثر من هذا عبثاً بمضمون آيات كتاب الله تعالى ؟!!
وللعلم ، فلا يًوجد ولا حديثٍ واحد ، وفي أيِّ من كتب الحديث الستة
المعروفة ، أو التسعة ، أو بالموطأ ، أو بمسند الإمام أحمد والدَّارمي و الدَّارقطني
و أبي يعلى والبزَّار و في معاجم الطَّبراني الثلاثة و صحيحي إبن خُزيمة إبن
حبَّان و مستدرك الحاكم و حتَّى في موسوعة كنز العمال للحديث ، و في كلُّ تلك
الكتب 📚 لن تجد فيها حديثاً
واحداً منسوباً و ثابتاً عن رسول الله ﷺ و يقول فيه :
( بأنَّ الآية الفلانية في سورة كذا قد أصبحت منسوخة وقد بطلَ
حُكمها الشَّرعي و قد نسختها الآية كذا في سورة كذا ) !!
و هذا فضلاً عن أن يقول بأنَّ الآية الفُلانية أنسخُها أنا و بقولي
هذا !!
و لكن و للأسف فلقد حدث لديهم هذا الفهم السَّقيم و مع وجود الآلاف
من الآحاديث المُنسوبة للنَّبي الكريم و التي تعجُّ و تطفح بها كُتب الحديث :
( والتي يُفترض بها أن تكون تبياناً لكتاب الله ) !!
و لكن و لحُسن الحظ ، فلا يُوجد فيها ولا حديثٍ واحد أتى على هذهِ
الشَّاكلة ، أو جاءَ مفيداً لإستدلالهم فيما ذهبوا إليه من هذا الموضوع !!
و من الأمثلة على سُوء الفهم لديهم و بنظرية النَّاسخ و المنسوخ ،
و سأذكر لكم هنا آيتين فقط ، زعموا بهما حُصول النَّسخ و ( بمعنى الإلغاء ) :
الآية الأولى وهي في قوله تعالى :
{ إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ
بِهِ اللَّهُ }
سورة : البقرة : 284
فهم يقولون : عندما نزلت هذهِ الآية شقَّ على الصًّحابة الكرام هذا
الأمر و جاءوا إلى النبي ﷺ ، وذكروا لهُ بأنَّ هذا شيءٌ لا يُطيقونه ، فقال لهم ﷺ : أتريدون أن تقولوا كما قال
من قبلكم : سمعنا و عصينا ؟! قولوا : سمعنا وأطعنا ، فقالوا : سمعنا وأطعنا ، فلما
قالوها وذلَّت بها ألسنتهم ، أنزل الله بعدها قوله سبحانه :
{ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا }
سورة البقرة : الآية : 286
ولهذا فقد نسبوا لرسول الله ﷺ أنَّهُ قال : إن الله تجاوز
عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم ، و :
( قالوا هم ) بأنَّ هذهِ الرِّواية قد نسخت الآية القرآنية .
و لكنَّ المُتأمل جيداً للآية الكريمة و في سياقها الذي جاءت فيه ،
فإنَّه :
( لن يجد فيها أيُّ إشكال ) ، فهي تتحدَّث عن حالةٍ خاصة و عن ظرفٍ
خاص ، حيث أنَّ الآيات التي سبقها كانت تتحدَّث عن كتمان الشَّهادة أو إخفائها ،
وأنَّ من يكتمها أو يُخفيها داخلَ نفسهِ سيُحاسبهُ الله ، وأنَّهُ سيكون واقعاً
تحت المُساءلة عند الله و النَّص في ذلك واضحٌ وضوح الشَّمش في كبد النَّهار ، قال
تعالى :
{ وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ
مَّقْبُوضَةٌ ، فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ
أَمَانَتَهُ ، وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ، وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ ،
وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ، وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
عَلِيمٌ } .
سورة : البقرة : 283
إذاً و بشكلٍ جلي ، فالآية لا تُبين أنَّ الإنسان مُحاسبٌ على ما
يُبديه في نفسهِ أو يُخفية ، و إنَّما هي تتحدَّث عمَّن يُخفي الشهادة أو يكتمها ،
فإنَّهُ مُحاسب على ذلك عند الله 👍💯 !!
و أمَّا هم 🤔 فقد صاغوا و للأسف رواية و نسبوها للصَّحابة الكرام بأنَّهم قد
ضاقت أنفسهم بهذه الآية وذلك حتَّى نزلَ قولهُ تعالى :
{ لا يُكلف الله نفسا إلا وسعها } ...
فإن دلَّ هذا على شيء فإنما يدلُّ على مدى الجُّرأة على كتاب الله
وأنَّ ذلك كان يُعتبر لديهم شيئٌ أسهل و من شرب الماء و من أسهل الطرق لتَّفسير
كتاب الله و وفقاً لأهواء القوم ، و هو :
👈القول
👈 بالنَّسخ ، و حتَّى و
من دون أي دليلٍ من كتاب الله .
فحقاً عجييييب أمرهم !!
و نستنتج ممَّا سبق :
أنَّهُ و حيثما ما ترى زعماً لما يُسمَّى ب :
( ناسخ أو منسوخ ) في :
( كتاب 📖 الله العزيز )
فلتعلم فوراً بأنَّ هُنالك :
( فهماً خاطئاً متعمَّداً أو غير مُتعمَّد لدلالات النُّصوص في
كتاب الله ) ، و تأويلاً جاء و في غير محلِّهِ و جريمة كٌبرى في حقِّ الله و حقِّ
كتابهِ العزيز ، وقد وضِعَ ذلكَ و بأمرٍ من :
( سُلطانٍ جائر و تحت إشراف فقيهٍ مُنافق ) و قد مُرِرَ الأمر
لعامةٍ من النَّاس جاهلة بأمورِ دينها و هاجرة لكتابِ ربِّها و لكسب مصالح شخصية و
مذهبية و سياسية و لصالح أطراف مُحدَّدة !
فحينما يئست شياطين الإنس والجنِّ من العبث بكتاب الله بالزِّيادة
أو النُّقصان أو التَّحريف ، جاء من يدَّعي العلم ، و فتحوا مدخلاً أجازوا و من
خلالهِ إلغاء الكثير من آياتِ الكتاب الحكيم و بحجِّة إدِّعاء وُقوع النَّسخ ، حيث
زعموا بأنَّ هُنالك الكثير من آيات القرآن الكريم منسوخةُ الحكمِ و التِّلاوة معاً
أو منسوخةُ التِّلاوة مع بقاء الحُكم ، أو فقط منسوخٌ فيها الحُكم و من دُون
التَّلاوة ، فإدِّعاء النَّسخ كان قد فتح المجال السَّهل للعبث بكتاب الله ، فما
عجزوا عنهُ و من خلال مُحاولات التَّحريف ، و مُحاولات الزِّيادة والنُّقصان على
كتاب الله ، نجحوا فيه و من خلال الإدِّعاء بأنَّ هُنالك ناسخٌ و منسوخ و بمعنى
الإلغاء للأحكام في كتاب الله !!
و للعلم فجميع آيات تحريم الخمر و الرِّبا كانت قد جاءت و بسياقها
الطبيعي و هي تُعتبر حاجة مُفيدة و ضرورة لكلِّ زمانٍ ، ولا يجب ولا يجوز بأن
تُنسب تلك الآيات إلى ( وهم الإستنساخ ) ، ففي كلِّ زمان ، هُنالك شاربين للخمر ،
و قد يصبحوا مُعتنقين جُدُد للدِّين ، و أيضاً فحالة :
( السُّكارى ) لا تنشأ لدى الإنسان و فقط من شُرب الخمر و ذلك و
كما يتوهَّم البعض ، بل هي قد تشمل :
( الأدوية المُخدِّرة و المُنوِّمة و الحالة العاطفية القائمة بين
الرجل و المرآة أثناء المُعاشرة الزَّوجية إلخ ... ) ، فكلُّ ذلك يُسمى سُكارى و
يعني حالة السُّكارى ، وعلماً بأنَّ جميع القائلين بالنَّسخ ليس معهم أيُّ دليلٌ
مُطلق من كتاب الله أو حتَّى من القول المباشر و المنسوب للنَّبي في صحيح
الرِّوايات ، وذلك في تحديد الآيات النَّاسخة من الآيات المنسوخة ، و سوى :
( دليلهم اليتيم و الوحيد و الذي هو ظاهر في عجزهم عن التَّوفيق
بين الآيات ) ، فكلَّما بدى لهم بأنَّ هنالك ثمَّة من تعارضٍ خفي بين الآيات
القرآنية ، لجأوا إلى حيلة النسخ و إدَّعوا بأنِّ قولاً ما :
( آية .. آية .. أو رواية .. آية ) يمكن لهُ أن ينسخ الأخر ، و هو
ممَّا ترتب عليه التَّنازع والإختلاف المُستمر في فهم دلالات آيات كتاب الله ،
وليس هذا فقط ، بل إنَّهم قد تطالولوا على كتاب الله و زعموا بأنَّ روايات الآحاد
الظَنية و المنسوبة للنَبي ﷺ ، يُمكن لها أيضاً بأن تكون قاضيةً على القرآن !! و تنسخ
كذلك آياتٍ ثابتة و قطعية الثُّبوت فيه ، و كما هو الحال في حديث :
( لا وصيةَ لوارث ) ، و الذي وردنا عن أهل المغازي ، وألغوا و من
خلالهِ مفعول عدِّة آيات بيِّنات و مُحكماتٍ في كتاب الله .
و الخلاصةُ من القول :
لقد آن الأوان لنُعيد النَّظر بقضيِّة النَّاسخ و المنسوخ ، و ما
ترتَّب عليها من أحكام مُجحفة بحقِّ الدِّين ، وأن نُعيد للكتاب الكريم مركزيتهُ و
الَّتي أرادها الله ، و نجعلهُ الميزان و المعيار الوحيد في التَّعامل مع جميع
الرِّوايات و مع الأحكام الفقهية و من حيث القبول أو الرَّد ، فهو الأصل الإلهي
القطعيُّ الثبوت و هو الشيئ الوحيد الذي يحقُّ لهُ بأن يقضي على كلِّ شيئ ، و لن
يُقضى عليهِ أبداً
0 تعليقات