آخر الأخبار

قراءات أنثروبولوجية

 

 


 

أحمد شمس

 

١- عملية تقعيد اللغة العربية لم تتم على أساس قومي/لغة قوم ولا أعلى أساس سياسات الدولة إنما عوملت كلغة دينية (لغة الإسلام) وكان هذا هو السبب الرئيس والوحيد لوضع قواعد اللغة العربية بعد أن دخل الأعاجم الإسلام ووقع اللحن فيها وكان عليهم أن يتقنوها، ما دفع المسلمين لوضع القواعد وعلى أساس ديني أيضا فتم اعتماد القرءان مرجعا لغويا رئيسا والقصة معروفة، أي أن السبب في ذلك هو حفظ الدين في اللسان أو حفظ النص الديني في وعاء اللغة، لكن الذي جرى هو حفظ اللغة واختزالها بالنص الديني وجرت الأمور بعكس ما خطط لها المنظر الأول لهذه العملية.

 

القرآن في الكثير من المواضع تعامل مع اللغة على أساسها السياقي الذي يجري فيه كنص صوتي ومكتوب، لا على أساس قواعدي صرف وهذا ما غفل عنه منظرو القواعد وأوقعوا أنفسهم في أشكال كبير وجلبوا الشبهة للنص المقدس الذي اعترف باللسان العربي اعترافا واضحا وصريحا أي سجل اعترافه بالصوت والسياق (الشكل والمعنى) لا بالقاعدة النحوية فحسب.

 

واللسان ضابطه السياق والموقف المجتمعي لا القاعدة المطلقة بينما كان ما فعله اللغويون هو أن وضعوا قواعد مطلقة ضابطة، مرجعيتها النص المقدس.

 

٢- هذه القواعد المطلقة الضابطة أساءت إلى اللغة وفتحت باب الإشكاليات اللغوية ووقع الاشتباه والاختلاف وتحولت اللغة من لسان/مجتمع إلى علم وصار لها جزافا علماء ومنظرون فاختلفت المدارس وتباينت الآراء فقوم رفعوا موقعا وآخرون نصبوه، ما انعكس سلبا على فهم النص الديني وكسر وحدته.

 

٣- إن عملية شنق السياق بحبال النحو فتحت باب تأويلات لا حصر لها في فهم النصوص المقدسة والتعاطي معها فتفرعت مذاهب أتباعه وتقاتلت وكفر بعضها بعضا على أساس هذه الفهوم التي انتزعت من سياقاتها وبعدها فتح باب دس السياقات الخارجية ما دام النحو أصيلا.

 

٤- مع تمسك المستفيدين من قطع صلة النص بالسياق وربطه بإحكام على صليب النحو وحفظ اللغة -التي يفترض أن تكون مرنة كما كانت قبل النص الديني- حفظت في النص الديني -الذي يفترض أنه ثابت صلد يقيني قطعي- تحولت اللغة إلى شكل القالب الذي ضمها، لغة صلدة غير قابلة للتحديث على مستوى واسع سوى استقبال بعض الكلمات الأعجمية للضرورات الحياتية.

 

٥- استجابة للنوازع البشرية وضرورات الكلام بعد أن تكلست اللغة العربية ظهرت لهجات شعبية عربية يتم تحديثها باستمرار وعلى مدار الأيام والسنين كبديل شعبي يحتال على اللغة الأم التي تقدست بوعائها وتعصت على تغيرات وتطورات الحياة. وما اللهجات الشعبية العربية التي يثير السخرية وصفها بالعربية إلا إلتفافا اجتماعيا على عملية التقعيد فخرجت اللهجات الشعبية خروجا كاملا عن القواعد النحوية وعادت إلى صياغة السياقات بلغة أخرى دعيت بأنها شعبية وهي لا تشبه اللغة الأم إلا بالقليل كالحروف والإطار العام فلو تحدث تونسي وعراقي -مثلا- كل بلهجته لاحتاجا إلى مترجم حتى يفهم كل منهما الآخر.

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات