عز الدين البغدادي
هناك فهم عند كثير من الشيعة يرى بأن السيد فاطمة الزهراء (سلام
الله عليها) توفيت أثر كسر ضلعها من قبل عمر بن الخطاب عندما هجم على بيتها، ودفع
الباب وعصرها خلف الباب مما أدى إلى كسر ضلعها وهو ما أدى إلى سقوط جنينها، ولاحقا
إلى وفاتها.
قضية الهجوم على بيت فاطمة (ع) ثابت تاريخيا، لكن مع اختلاف مهم في
تفاصيلها. وقد حدث عندما جاء عمر بن الخطاب إلى بيت فاطمة، وكان فيه علي والزبير
وقوم ممن رفضوا البيعة وتأخروا عنها، فهددهم بأن يحرق عليهم البيت رغم أنّ فيها
فاطمة، وقد روى الطبري، قال أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال
من المهاجرين فقال والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة فخرج عليه الزبير
مصلتا بالسيف فعثر، فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه.
وقد روت المصادر الشيعية نفس الخبر، إلا أن فيها من زاد في مضمون
الخبر، وزعمت أنّ عمر كسر ضلع فاطمة، وهو ما أدى إلى وفاتها فيما بعد. وأهم وأقدم
مصدر روى الخبر هو ما ورد في "كتاب سليم بن قيس الهلالي" حيث ذكر هذه
القصة القصة، وأن النبيّ (ص) أخبر أهل بيته عما يجري عليهم بعده، وورد فيها: …...
ثم أقبل على ابنته فقال: إنك أول من يلحقني من أهل بيتي، وأنت سيدة نساء أهل
الجنة، وسترين بعدي ظلما وغيظا حتى تضربي ويكسر ضلع من أضلاعك.
ولا بد أن ننظر في القيمة العلمية لهذا الكتاب، لا سيما وأنه أول
مصدر تناول هذه القصة، ومن جاء بعده في الغالب نقل عنه مع تغييرات هنا أو هناك.
فراوي راوي الكتاب هو أبان بن أبي عياش، قال عنه الطوسي: أبان بن أبي عياش فيروز،
تابعي، ضعيف.
وقال المفيد: أن هذا الكتاب غير موثوق به، ولا يجوز العمل على
أكثره، وقد حصل فيه تخليط وتدليس، فينبغي للمتدّين أن يجتنب العمل بكل ما فيه، ولا
يعول على جملته والتقليد لرواته وليفزع إلى العلماء فيما تضمنه من الأحاديث
ليوقفوه على الصحيح منها والفاسد.
بل قال المامقاني: يقول أصحابنا الشيعة وعلماء الشيعة أن سليماً لم
يُعرف، ويُشَك في أصل وجوده ولم يذكروه بالخير، والكتاب المنسوب إليه موضوع قطعاً
وفيه أدلة كافية للدلالة على وضعه .
كما روى في كتاب "الإحتجاج" رواية طويلة ورد فيها:….
فضربها قنقذ بالسوط على عضدها، فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج من ضرب قنفذ
إياها، فأرسل أبو بكر إلى قنفذ اضربها فالجأها إلى عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر
ضلعا من جنبها وألقت جنينا من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة
صلوات الله عليها.
وكتاب الإحتجاج لا يمكن أن يحتج به، لأن رواياته مرسلة، كما هو
معروف وهو ما صرح به المؤلف في أول كتابه، فقال: ولا نأتي في أكثر ما نورده من
الأخبار بإسناده.
ورغم أهمية كتاب "الكافي" فإن الكليني لم يروِ خبر كسر
الضلع على أهميته، إلا أنه روى أخبارا تتحدّث عن جوانب تتعلق بما حصل من نزاع
واختلاف، إلا أنّك لا تجد فيها خبرا معتبر. وكذلك لم يروِ الشيخ الطوسي خبر كسر
الضلع، إلا أنه روى أيضا أمورا تتعلق بما حصل في تلك الواقعة لكن بأسنيد ضعيفة.
أما الصدوق فقد روى ما يدل على حدوث اعتداء فعلا، لكن ليس فيها معتبر السند.
أما الشيخ المفيد، فقد روى ذلك عنه في كتاب "الاختصاص"،
إلا أن كتاب الاختصاص لم تثبت نسبته إلى الشيخ المفيد. كما إن ما روي هنا يتعارض
مع ما ثبت عن المفيد في كتابه "الإرشاد" حيث قال: وفي الشيعة من يذكر أن
فاطمة صلوات الله عليها أسقطت بعد النبي (ص) ولدا ذكرا كان سماه رسول الله عليه
السلام وهو حمل محسنا. وكما ترى فهو تشكيك بقضية إسقاط الجنين، حيث نسب هذا القول
إلى بعض الشيعة‼
وورد الخبر في "كامل الزيارات"، وهذا الكتاب وإن اشتهر
عند بعضهم تصحيح كل من روى فيه إلا أن الأمر ليس كذلك قطعا، كما بيّنت ذلك. كما
روي ذلك في تفسيري القمي والعياشي بسند ضعبف.
كما ذكر ابن طاووس زيارة لها عن محمد بن علي الطرازي في ذكر زيارة
فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، تقول: ، وصل على البتول الطاهرة، الصديقة
المعصومة، التقية النقية، الرضية المرضية، الزكية الرشيدة، المظلومة المقهورة،
المغصوبة حقها، الممنوعة ارثها، المكسور ضلعها، المظلوم بعلها، المقتول ولدها.
الا ان السند ضعيف.
وممن ذكر هذه القضية الخصيبي، وذلك في كتابه الشهير "الهداية
الكبرى"، ويمكن أن نقف عند هذا الرجل لنعرف قيمة ما يرويه، فالرجل من الغلاة،
وقد قال عنه النجاشي: كان فاسد المذهب. له كتب، منها كتاب الإخوان، كتاب المسائل،
كتاب تاريخ الأئمة، كتاب الرسالة تخليط.
وقال ابن الغضائري: انه كذاب، فاسد المذهب، صاحب مقالة ملعونة، لا
يلتفت إليه.
وهناك مصادر أخرى ذكرت القصة لكن ليس فيها ما يصح سنده، فضلا عما
في متنه من نكارة.
كما روى الخبر الطبريان في "دلائل الإمامة"
و"المسترشد" لكن ليس فيهما ما يصح علما أن صاحب دلائل الامامة مجهول
تماما.
وأما من حيث المتن، فهناك من شكك بقصة المسمار وقال بأنّ بيوت المدينة
لا يدخل في صناعتها مسامير، بل تصنع من النسج في خوص النخيل لا سيما وأن الحديد
كان غاليا ويقتصرون في استعماله على صناعة السيوف ونحو ذلك.
ثم أليس غريبا أن حدثا بهذه الأهمية لم يسجل أحد من المؤرخين فيه
شيئا؟ وأنه لم يرد له ذكر في شيء من كلام العرب في شعر أو نثر مع خطر ما حصل؟ وأين
كان بنو هاشم والأنصار من هذا الحدث وكأن أحدا منهم لم يكن موجودا؟ وهل يليق ما
روي في حق علي بن أبي طالب وهو البطل الذي لا يجارى ولا يبارى، وهو يرى ما حصل فلا
يحرك ساكنا؟ وهل يعقل أن يوضع الحبل في رقبته ويؤخذ جرا؟ ولماذا توضع رواية تهين
بطل الإسلام الأول لا لشيء إلا لتثبت نقطة ضعف على أبي بكر وعمر؟ والنتيجة أن هذه
الرواية لا تصح لا في النقل ولا في العقل، وأن ترويجها محرّم شرعا لكذبها ولما
فيها من إثارة للكراهية بين أهل القبلة.
وعموما لكي لا تستوحش ما اقول فيمكنك ان تراجع راي السيد الخوئي
وغيره من المعاصرين .
0 تعليقات