هادي جلو مرعي
من أهم أدوار الفنان الاستعراضي النوبي محمد رمضان كان دور (حبيشة)
الشاب الفقير الذي يعمل في طلاء جدران الشقق، وكان من حظه العاثر أن أحد الأثرياء
كان علاقة مع شابة في شقة مجاورة، وقتلها وهرب، وتطلبت الأحداث أن يتهم العامل
الفقير بتلك الجريمة التي أودت بحياته في نهاية العمل الدرامي، بعدها كثرت أدواره،
وتواصل مع الدراما التلفزيونية والسينما، ثم أختط له نهجا مشابها للمغنين الاستعراضيين
الغربيين الذين يؤدون حركات راقصة، ويستعرضون أجسادهم على المسرح مع موسيقى صاخبة،
وأغاني ممجوجة، وغير مفهومة، فهو في النهاية ليس مغنيا، ولايجيد الغناء على طريقة
عبد الحليم حافظ، أو على الأقل صوت عدوية، وقد لفتت طريقته الأنظار، وبدأ بكسب
الجمهور، وصار مطلوبا لأداء المزيد من الأدوار التي جلبت له الشهرة، وصار يسافر
الى البلدان ليس لطلب العلم والأداء فريضة الحج، أوالعمرة، بل للقيام باستعراضات
يجني من ورائها المال، ويعود منتشيا بعد أن يؤدي حركات غرائزية تستهوي الشباب
والمراهقين، وهو كغيره من الفنانين الذين يقومون بكل سوالف الفساد والرذيلة من جنس
محرم وخمور، وتضليل للمجتمع، وهتك لحرمات المجتمعات، ولكنه في الحقيقة يحاكي
نفوسنا الراغبة في التحلل والتمرد، ثم هو كغيره يؤدي العمرة، ويتبرع للفقراء،
ويتوجه الى الله بالدعاء، فإذا إنتقدته قيل لك، إنه أشرف من الفاسدين والمسؤولين،
ولاأعلم سبب المقارنة مع أنها لاتصح، وهي تشبه حال من تقول له، لماذا لاتصلي؟
فيرد، ويقول، الله غير محتاج لصلاتي، متجاهلا إنه هو من يحتاج الصلاة، وليس الله
الذي يخلق مايشاء، ويفرض على عباده مايشاء.
في نهاية السبعينيات تعارك جارنا المرحوم فلان مع إبن عم له كان
جلب مجموعة من (الكاولية) الغجر، وهن مجموعة من الراقصات ليرقصن ويغنين في عرس
ولده الأكبر، حينها فرحت بسلوك الرجل الذي أبهرني وقلت في سري، هذا رجل عظيم يرفض
هذه السلوكيات، لكنني اكتشفت بعد سنوات إن السبب لم يكن ماظننت، بل لأن جارنا لم
يعجبه جمال الغجريات، وكان يريد غجريات أكثر جمالا، فنهر إبن عمه، وكادت أن تحدث
مشكلة لولا تدخل الخيرين الذين أقنعوه بالقبول بهن، وتمشية الأمور، والحقيقة إنهم
كانوا جياعا للرقص والغناء والخمر والجنس! والحقيقة أيضا إن في العراق الكثير من
الملاه والمشارب ومحال بيع الخمور، وربما شقق خاصة لجلب بنات الليل، وقد تكون هناك
بيوت خاصة، وقوادة، وأماكن محمية للغناء والرقص التي تقدم الخمور، ويغني فيها
مطربون معزوفون، ويرتادها الكثير من الشباب والتجار ورجال الأعمال وموظفي الدولة
والعوام، ودخلت تجارة المخدرات حتى صار عدد المتعاطين والمتاجرين بها يفوق الحصر،
وتقف الدولة السكرانة عاجزة حتى يخيل لك إن دولتنا تتناول حبوب (الكريستال) المخدرة،
فلم تعد تهتد لطريق الإصلاح ومحاربة الفساد والرذيلة والمثلية الجنسية، وأخشى أن
يأتي اليوم الذي نجبر فيه على رفع علم المثليين في وقفة يوم الخميس، ونغني أناشيد الوطني
( سودة ومسخمة).
الشيخ جعفر الإبراهيمي لم يكن يقصد في نقده الفنان الاستعراضي محمد
رمضان بل جاء ذكره في السياق، وهو نوع من التمرد لخطيب دين دفعته غيرته على مجتمع
ينهار قيميا وأخلاقيا لينتفض محذرا من ذلك الانهيار، خاصة وإن المجتمع جاهز للانحراف،
فليس من مؤسسات دولة قادرة على توجيه الدفة في سفينة تغرق، وليس من مؤسسات دينية
قادرة على أداء دورها، مع هزيمة مذلة للمدرسة وللجامعة وللمسجد ولديوان العشيرة
أمام السرعة الهائلة لجيوش الفساد والرذيلة والملحدين والمثليين والمتاجرين
والمتعاطين للمخدرات والمنحرفين أخلاقيا، والسراق ومستغلي السلطة والنفوذ،
والمتنافسين على المناصب والمكاسب، والذين تركوا الشعب نهبا للفساد والضياع، وأما
الدين فلعق على الأفواه لاأكثر.
كلنا صرنا محمد رمضان، فقد تعرت نفوسنا، ومارست غرائزها على
المسرح، ونحن الذين جئنا به وبأمثاله، ونحن من سمحنا بإنحراف مجتمعنا، ونحن من
صرنا نخاف الحديث في الأخلاق، والدين والشرف لكي لانتهم، فقد تغيرت المفاهيم
والمعايير، وتحولنا الى مجموعات بشرية لاتعرف طريقا تهتدي إليه، وقد تحول بلدنا
الى مسرح مفتوح للغرائز والرغبات الرخيصة، ولانملك نظام حكم رشيد يلجم هذه
السلوكيات، أو على الأقل يقننها، الشيخ الطيب جعفر الإبراهيمي إرتكب (جريمة كبرى)
لأنه نظر بعينيه الى بلد ينهار، والمطلوب منه أن يغمض عينيه، أو يندمج مع مجتمع
صار رهنا للإنحراف، ويمكن أن يتقبل البكائيات، ولكنه غير مستعد للمحافظة على قيمه،
أو أن يسمع صوت الأخيار.
0 تعليقات