عز الدين البغدادي
أثار المنشور الذي تحدثت فيه عن عدم ثبوت قصة كسر الضلع عدة أسئلة
وكان أهمها "كيف توقيت فاطمة الزهراء (ع) وهي بنت ثمانية عشر سنة؟ ولماذا
اخفي قبرها؟ وهنا نحتاج ان ننظر في عدة أمور:
اولا: عمرها عند الوفاة، وهذا يقتضي النظر في تاريخ ولادتها:
فالمشهور عند الشيعة أنها ولدت في السنة الخامسة بعد البعثة النبوية، بينما
المشهور في المصادر السنية انها ولدت قبل البعثة بخمس سنوات، ووافقهم على ذلك ابن
أبي الثلج البغدادي من الامامية في كتابه "تاريخ الأئمة". وذهب الشيخ
المفيد المفيد والكفعمي الى ان ولادتها كانت في السنة الثانية بعد البعثة،. والقول
الاول المشهور عند الشيعة فيه نظر، لأنه يقتضي انها تزوجت وهي في التاسعة من
عمرها، وهو مستبعد إذ رغم النقاش في سن عائشة عندما دخل بها النبي (ص) بين من يثبت
ومن ينفي دخوله بها ولها تسع سنين؛ فلم نسمع أحدا استشهد في المقام بأن السيدة
الزهراء (ع) أيضا تزوجت في نفس السن. ثم ان الروايات تذكر بأن عددا من الصحابة
تقدموا لخطبتها قبل ان يتزوجها الامام علي (ع) فكم كان عمرها حينما خطبها هؤلاء
الصحابة؟ ثم بمقتضى القول المشهور فإنها ولدت الحسن وهي في عمر 10 سنوات وولدت
الحسين ع وهي في عمر 11 سنة، وهذا صعب التصور. لذا فالأرجح عندي والله اعلم ان
القول بانها ولدت سنة 5 بعد البعثة يصعب الاخذ به، وبالتالي فان القول بان عمرها
عند الوفاة كان ثمانية عشر سنة مستبعد جدا.
ثانيا: نحن امام احد احتمالين او توجهين في تفسير سبب وفاتها:
الاول انها توفيت بسبب كسر ضلعها واسقاط جنينها، وقد راينا ان الادلة على ذلك ليست
ناهضة، فيبقى هناك الاحتمال الثاني في سبب وفاتها وهو شدة حزنها على وفاة ابيها
(ص) بشكل وقد روي أنها (عليها السلام) ما زالت بعد أبيها معصبة الرأس، ناحلة
الجسم، منهدة الركن، باكية العين، محترقة القلب، يغشى عليها ساعة بعد ساعة، وتقول
لولديها: "أين أبوكما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرة بعد مرة؟ أين أبوكما
الذي كان أشد الناس شفقة عليكما، فلا يدعكما تمشيان على الأرض؟ ولا أراه يفتح هذا
الباب أبدا ولا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما"؟
وبأي حال فسواء كان عمرها حين وفاتها 18 سنة او 26 او 28 او 29 على
اختلاف الاقوال، فان الوفاة بسبب الحزن امر وارد جدا ولا علاقة له بالعمر، واما
اذا اصررنا على انها توفيت بسبب "كسر الضلع" فهذا أيضا لا علاقة له
بالعمر.
ثالثا: روى الفتال النيسابوري في "روضة الواعظين" أنّها
أوصت زوجها أن يدفنها ليلاً ويخفي قبرها وذلك لتعبّر عن معارضتها واحتجاجها وغضبها
بعد الموت، حيث ورد في الروايات أنها قالت: أُوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء
الذين ظلموني ، فإنّهم عدوّي وعدوّ رسول الله (ص) ، ولا تترك أن يصلّي عليَّ أحد
منهم ولا من أتباعهم ، وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار.
وقال: "…… وسوّى على حواليها قبورا مزوّرة مقدار سبعة حتى لا
يعرف قبرها" لكن هذا الخبر ورد بغير سند كما ان النيسابوري تفرد به.
رابعا: بالنسبة لموضع القبر الشريف، فخلافا للتصور السائد في الفهم
العام الشيعي بأنه لم يكن احد يعرف موضع قبرها، فلم يكن هذا شائعا عند قدماء
علمائنا، فقد قال الشيخ الصدوق: "اختلفت الروايات في موضع قبر فاطمة سيّدة
نساء العالمين عليها السلام: فمنهم من روى أنّها دفنت في البقيع، ومنهم من روى
أنّها دفنت بين القبر والمنبر وأنّ النبي (ص) إنّما قال «ما بين قبري ومنبري روضة
من رياض الجنّة » لأنّ قبرها بين القبر والمنبر، ومنهم من روى أنّها دفنت في بيتها
فلمّا زادت بنو أميّة في المسجد صارت في المسجد، وهذا هو الصحيح عندي.
وقال الشيخ الطوسي: وقد اختلف أصحابنا في موضع قبرها: فقال بعضهم :
إنّها دفنت بالبقيع، وقال بعضهم : إنّها دفنت بالروضة، وقال بعضهم : إنّها دفنت في
بيتها ، فلمّا زاد بنو أميّة لعنهم الله في المسجد صارت من جملة المسجد.
وهو الراي الراجح، وهو ما صرح به عدد من علماء الامامية، كالصدوق
وابن طاووس وصاحب المدارك والمجلسي. وهذا ما ذكره علماء من اهل السنة منهم ابن شبة
في "تاريخ المدينة" ومما قاله: فهذا ما حدّثني به أبو غسان في قبر فاطمة
، ووجدت كتاباً كتب عنه يذكر فيه أن عبد العزيز بن عمران كان يقول : إنّها دفنت في
موضع فراشها ، ويحتجّ بأنّها دفنت ليلاً ، ولا يعلم بها كثير من الناس.
واعتقد ان هذا كلام منطقي، فلو كانت دفنت في الخارج، لعلم الناس
بذلك وخرجوا معها، بينما هي دفنت (سلام الله عليها) ليلا. واما ما يشاع من إخفاء
قبرها وهو ما فتح بابا واسعا في تفسير ذلك ودلالاته وفلسفته، ومنهم من ربطها بظهور
الامام المهدي فهذا مما لم يرد فيه اي دليل. واكرر هنا إلى أني لا اتحدث عن عدم
وجود قبرها الآن، بل عن تعمد إخفاء قبرها بعد دفن جسدها الطاهر كما يشيع الآن بين
الجمهور، فهذا مما لا يوجد عليه نص شرعي من أي من الأئمة (ع) ولم يقل به احد من
علمائنا المتقدمين او المؤرخين، رغم جود الداعي لذكره، وهو كافٍ لرد هذه الدعوى….
والله اعلم
0 تعليقات