آخر الأخبار

على طرف جناحك يا حمام : من وحى الميادين والشوارع (19،18 يناير 1977)

 

 


 

ناصر السيد:

 

 

لا أعرف على وجه التحديد،متى خرجت من المدرسة؟ ولا كيف خرجت؟ كنا فى الثانوية العامة،ومعى الصديق مجدى شهيب،ولا أعرف وصلنا إلى مدينة المنصورة؟ولكن وجدنا أنفسنا فى شارع (السلخانة) من ناحية ميدان الشيخ حسنين وسط المظاهرة التى اشتبكت مع قوات الأمن المركزى التى عسكرت فى مدخل شارع السلخانة من الناحية الأخرى فى شارع الجلاء،حيث وقفوا هنالك من أجل منع تدفق الطلاب من بوابة الجامعة المطلة على الشارع.

كانت المعركة تدور رحاها فى منتصف الشارع (السلخانة)،سلاحنا كان الحجارة،وكان سلاحهم : البنادق والعصى،وقنابل الغاز،وظل الاشتباك بين كروفر،وهروب واختباء ثم ظهور وهجوم.

 

وحين تكاثرنا شجعنا ذلك للهجوم عليهم،وفوجئنا بطلقات من قنابل الغاز المسيلة للدموع، لم نتقدم ولكننا لم نتراجع،ووجدتنى أجرى صوب إحدى العبوات وألتقطها، وأرميها بحماس نحو قوات الأمن، لكن غازها المسموم قد شملنى، فأفقدنى الرؤية ووجدت دموع غزيرة تسح من عينى،وحرقان فيهما وفى أنفى،وأتنفس بصعوبة،وجاءت مجموعة وحملتنى إلى مدخل إحدى الشوارع الجانبية،ووضعونى تحت بيرسلم إحدى العمارات، وعادوا إلى أمكانهم،وأنا أسمعهم يقولون : لحظات وسيترد عافيته ولكن صديقى مجدى وقف حائرا ماذا يفعل؟ أيظل معى أم يعود إلى الشارع.. لم يكن لنا خبرات سابقة من أى نوع لمثل هذه المواقف،فكان يذهب إلى المظاهرة،ويعاود الاطمئنان على.

 

وعاد وهو يحاول أن ينقذنى بسرعة لأن قوات الأمن اقتحمت الشارع، وأن أغلب الناس قد تفرقوا فى الشوارع الجانبية ونهضت سريعا...وخرجنا إلى ميدان الشيخ حسنين...ومنه إلى شارع العباسى الذى يقع فى نهايته شارع البحر.

 

بعد هذه الأحداث بسنوات...استوقفتنى هذا الملاحظة : لماذا الشباب وصغار السن من يموتون أويجرحون أويتم القبض عليهم فى المظاهرات؟

 

ولم يكن سؤالا صعبا، والأحداث تؤكده..لما يمتازون به من جسارة واقتحام، واستهانة وعدم تقدير العواقب،والوطنية المشبوبة،حدث ذلك كثيرا فى فترة الملكية ثورة 19 وغيرها مظاهرات الطلبة 68 ، 72،وانتفاضة الخبز 77،وحتى حركة الضباط الأحرار كانوا كلهم شباب،وحتى انتفاضة يناير 2011 سمعنا ونحن فى منتصف شارع العباسى هتافات جماعية هادرة، وصفوف من البشر تسير فى شارع البحر...فجرينا لنلحق بها...وسرعان ما اندمجنا فيها.... وكان يقودها وينظفها شباب الجامعة الذين خرجوا من بوابة الجامعة الأخرى التى تقع على شارع البحر و أثناء مسيرتها كانت تنضم لها حشود من الأهالى.

 

وكان تنظيم المظاهرة يسير بشكل جيد،فكل من يحاول الاعتداء من الأطفال والصبيان،وبعض الشباب على المرافق العامة والخاصة يتم التصدى له من ذلك،وتوعيته أن هذه ممتلكاته هو دفع ثمنها من جيبه،ويجب الحفاظ عليها،لأنها ملكنا جميعا.

 

وظللنا كذلك حتى وصلنا إلى ميدان المحافظة فوقفنا فيه دون أن ندرى ماذا ؟! وسمعنا من بعض القيادات : أن علينا البقاء،وعدم مغادرة الميدان حتى إلى إسقاط قرارات رفع الأسعار ولم نعرف بعد ذلك أين ذهب هؤلاء؟!! البعض بقى يردد مع الجموع بعض الشعارات،والبعض ربما ذهب للراحة، وسمعنا أن بعضها دار حوار بينهم وبين قيادات الداخلية فى المبنى القريب الذى يقع فى قصر (الشناوى باشا).

 

لكن بعضنا - وأنا وصديقى منهم - عبرنا إلى الشارع المقابل ، وأخذنا الطريق الموازى للبحر داخل حى ( توريل ) ، حتى وصلنا إلى فيلا المحافظ على شمالنا ناحية البحر .

 

واقتحمنا البوابة الخارجية إلى أرض الحديقة ولم نعثر على أى مقاومة تذكر حتى من البواب الوحيد الموجود..ثم دلف بعضنا إلى داخل الفيلا وبعضنا ذهب إلى الحظائر الملحقة بالحديقة ألجمتنا الدهشة حين توغلنا داخل الفيلا وحجراتها ومطبخها ، ووقفنا مبهورين وحانقين لما وقعت عليه عيوننا من أثاث ومتاع ، وفتح البعض الدواليب..ولكننا سمعنا من لحق بنا يحذرنا من المساس بأى شيء ، وأن علينا مغادرة المكان ، وعدم العبث بما فيه.. فخرجنا لكن استطاع البعض حمل بعض أواني المطبخ ومنهم من حمل بعض الملابس الداخلية وهناك البعض الذى رفع سلالة من الأرانب الكبيرة الحجم ، فكلنا لم يكن يعرف إلا الأرانب البلدى الصغيرة التى كانت فى منازلنا .

 

وانحدرنا إلى شوارع ( توريل ) الداخلية ، ونحن نرفع شعارات معادية للحكومة ، ونرفع على بعض العصى الأوانى ، وقطع الملابس الداخلية ، والآخر يمسك الأرنب الضخم من أذنيه ويرفعه لأعلى .

 

لكن بعض الأصوات الواعية نهرتنا على الإتيان بمثل هذا السلوك ، وما كان يصح أن نفعله ولابد من التخلص من هذه الأشياء..منا من انصاع ، ومنا من رفض الانصياع .

 

وحين عدنا إلى الميدان بعد مسيرة طويلة ، وجدنا الميدان على غير ما تركناه.. انسحبت أعداد كبيرة حين أعلنت الحكومة التراجع عن قرارات رفع الأسعار..وأننا حققنا مطالبنا وعلى الرغم من أننى عدت مع نفس الصديق عن طريق الإستاد المؤدى إلى بلدتنا سندوب ، إلا أننا لم نكن نشعر - ولا أعرف لماذا؟ - بالارتياح .

 

حين مرت السنوات ، ثارت فى نفسى الكثير من الأسئلة..أن أغلب مؤسسات الدولة كانت شاغرة..وأننا لم نجد مقاومة أو حصار فى معظم الأماكن..ولم نسمع طلقه ذخيرة ولو على سبيل التخويف إلا طلقات القنابل المسيلة للدموع..وعلى الرغم من اقتحامنا فيلا المحافظ إلا أنه لم يحدث تحرك من قبل مديرية الأمن التى كانت على بعد أمتار من مبنى المحافظة وفيلا المحافظ.

 

إرسال تعليق

0 تعليقات