آخر الأخبار

تاريخ العصر المملوكي فى مصر (2)

 

·

 

 

ملخص الفقرة السابقة :

 


تاريخ العصر المملوكي فى مصر

يمكن تقسيم فترة حكم المماليك كسلاطين لدولة مستقلةإلى فترتين :

الفترة الأولى والتي امتدت من عام (1250-1382 م) و حكمها المماليك البحرية وهم من مماليك الشرق .

 

▪ أما الفترة الثانية وحكمها المماليك الجراكسة أو البرجية (1387 - 1517م)

 

بينما يرى آخرون تقسيم العصر المملوكي الى أربع فترات :

١- المماليك البحرية 1250 - 1387م

٢- المماليك البرجية 1381- 1517م

٣- المماليك البكوات في العصر العثماني 1517 - 1811 م

٤- مماليك الأسرة العلوية ( أسرة محمد علي )

 

كان المماليك يربون تربية دينية و عسكرية خشنة و يدربون على فنون القتال و الفروسية ؛ و يعلمون كل أنواع العلم التي كانت متاحة في زمانهم ؛ فينشأون بذلك لديهم حمية لدينهم و حب شديد للجهاد ؛..

 

و كان السيد الذي يملكهم يعاملهم كأبنائه يعلمهم و يجالسهم و يؤاكلهم و يتلطف معهم ؛ فيكون لديهم ولاء شديد لهذا السيد أو المعلم كما كانوا يسمونه ؛ وكانت أسماؤهم تنسب عادة إلى السيد الذي اشتراهم؛ فالمماليك الذين اشتراهم الملك الصالح يعرفون بالصالحية، والذين اشتراهم الملك الكامل يعرفون بالكاملية وهكذا.

وكان المملوك إذا أظهر نبوغًا عسكريًا ودينيًا فإنه يترقى في المناصب من رتبة إلى رتبة، وقد يصل إلى درجة أمير يحكم فرقة عسكرية أو إقليم ، أو يصل إلى حكم السلطنة ذاته ..

 

وشهدت فترة حكم المماليك حركة علمية كبيرة وكان للعلماء مكانة مرموقة فيها ؛ كما تميزت الفترة الأولى بالكثير من حروب التتار و الفرنجة ؛ و ترك المماليك الكثير من الآثار التي تدل على تقدم العمران و الفنون في زمانهم .

 

كما تميز حكم المماليك بكثرة الإنقلابات على الحكم و قتل السلاطين في أحيان كثيرة ؛ و تميز بالإسراف و الفشل الأقتصادي ؛ و عزلة أو عدم اندماج جنس المماليك في الشعوب التي حكموها .

 

🔸 المماليك من النشأة حتى عصر صلاح الدين

 

إذا ما تفحصنا أحداث التاريخ في مصر وبلاد الشام في الفترة منذ النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي حتى مطلع العصور الحديثة ، نلاحظ أنها تأثرت بالدور الذي أداه المماليك الذين قدموا إليها نتيجة السبي في الحروب أو بالشراء .

 

وظل توافد هؤلاء إلى مصر، بشكل خاص لا ينقطع، منذ العصور العباسية المتأخرة ؛ وقد أتاحت لهم التطورات نوعا من الهيمنة العسكرية والسياسية، حيث كان من العسير عليهم ألا يتدخلوا في شؤون الإمارات الإسلامية، ليخطوا لهم طريقة ونهجا خاصا في الحكم، ويتركوا بصمات واضحة في تاريخ منطقة الشرق الأدني بشكل عام وتاريخ مصر وبلاد الشام بشكل خاص .

 

اتخذت تسمية المماليك مدلولا اصطلاحيا خاصا في التاريخ الإسلامي، منذ عهد الخليفة العباسي المأمون (198 - 218 ه/ 813 - 833 م)، ثم المعتصم (218 -227 ه/ 833 - 842 م) حيث اقتصرت هذه التسمية على فئة من الرقيق الأبيض، كان الخلفاء وكبار القادة والولاة في دولة الخلافة العباسية، يشترونهم من أسواق النخاسة البيضاء لاستخدامهم كفرق عسكرية خاصة، بهدف الاعتماد عليهم في تدعيم نفوذهم .

 

وقد أضحى المماليك، مع مرور الوقت، الأداة العسكرية الوحيدة في بعض الدول الإسلامية مثل دولة المماليك التي قامت في مصر والشام.

 

وكان مصدرهم، آنذاك ، بلاد ما وراء النهر. واشتهرت مدن سمرقند، وفرغانة، وأشروسنة، والشاش، وخوارزم، بأنها المصادر الرئيسية لتصدير الرقيق الأبيض ذوي الأصول التركية، وتم ذلك بإحدى الطرق الثلاث :

 

١. الشراء .

۲ - الأسر في الحروب .

٣- الهدايا التي كان يؤديها ولاة أقاليم بلاد ما وراء النهر على شكل رقيق إلى الخليفة .

 

وأضحت بلاد ما وراء النهر مصدرا هاما للمماليك الترك في العالم الإسلامي حتى آخر العهد الفاطمي..

 

ويبدو أن الخليفة العباسي المعتصم هو أول خليفة اعتمد، بشكل أساسي، على العنصر التركي، نظرا لمقدرتهم القتالية المميزة، حتى أضحى الحرس التركي يمثل دعامة من دعائم الخلافة أيام حكمه، فاقتناهم منذ أن كان أميرا ؛ فكان يرسل سنويا من يشتري له منهم، حتى اجتمع له في أيام المأمون زهاء ثلاثة آلاف .

 

ثم تولى الخلافة في ظل ظروف من الصراع العنيف بين العرب من ناحية والفرس من ناحية أخرى بالإضافة إلى اختلال في التوازنات بين العناصر التي تكونت منها دولة الخلافة العباسية .

 

فقد ساءت العلاقات بين العباسيين والخراسانيين منذ انتقال المأمون من مرو إلى بغداد، واستحال التوفيق بين مصالح الطرفين، فبدأت ثقة المعتصم تضعف في العنصر الفارسي ومن جهة أخرى، لم يركن المعتصم إلى العنصر العربي، ولم يثق بالعرب، نظرا لكثرة تقلبهم، واضطرابهم، وقيامهم ضد الخلفاء، بالإضافة إلى أن هؤلاء فقدوا كثيرا من مقومات قوتهم السياسية والعسكرية في ذلك الوقت، فأضحوا أقل خطورة وأضعف شانا .

 

وقد حملت هذه المعطيات، الخليفة المعتصم على أن يوكل أمر سلامته الشخصية إلى فرقة من العنصر التركي، وقد توافقت طباعه النفسية، وصفاته الجسدية، من حيث القوة والشجاعة، ومتانة الجسم ؛ مع صفات الأتراك كأمة بربرية محاربة شديدة البأس.

 

وأضحى لهذا العنصر أثر كبير في الحياة السياسية والاجتماعية بالرغم من أن الأتراك لم يكونوا أهل حضارة عريقة .

 

ومهما يكن من أمر، فقد استكثر المعتصم من شراء الأتراك بهدف الحد من النفوذين العربي والفارسي، مدركا في الوقت نفسه أهميتهم في التواجد إلى جانبه، حتى بلغت عدتهم ثمانية آلاف مملوك، وقيل ثمانية عشر ألفا.

 

و قد خصهم بالنفوذ، وقلدهم قيادة الجيوش، ومنهم في الأرض، وجعل لهم مرکزا متفوقا في مجال السياسة .

 

وجاء الأتراك إلى بغداد حاملين معهم صفاتهم البدوية، من خشونة في الطبع، وبداوة في الحياة، وقوة في البدن، ومرانا على الفروسية والقتال ؛ وقد تجلى هذا في معاملتهم للناس، حتى آذوا أهل بغداد وضايقوهم ، فكرههم الناس، وقتلوا بعضا منهم ...

 

ثم بلغ ضيق أهل بغداد بهم حدا تجاوز الاحتمال، فشكوهم إلى المعصتم، وتهددوه بالدعاء عليه في صلاتهم فتحرج واضطر إلى إخراجهم من بغداد، وبنى لهم مدينة سامراء وأسكنهم فيها.

 

وسرعان ما نمت قوتهم، فأخذوا يتدخلون في شؤون الخلافة، حتى أمست دولة الخلافة العباسية في أيديهم ، يفعلون ما يريدون، يعزلون خليفة ويولون آخر، حتى إن بعض الخلفاء قتلوا نتيجة مؤامراتهم .

 

ومع مرور الوقت، بدأ هؤلاء الأتراك يتجهون إلى تكوين كیان خاص بهم سواء في كنف الخلافة أو منفصلا عنها، كما طمع بعضهم في الاستئثار بشؤون الحكم في العاصمة حين أدركوا أن الخلافة لا يمكنها الاستغناء عن خدماتهم.

 

ونذكر من بين الشخصيات التركية التي برزت في الحياة السياسية والعسكرية :

 

الأفشين، ▪أشناس، ▪إيتاخ، ▪وصيف ، ▪بغا الكبير ؛▪سيما الدمشقي ، وغيرهم ...

 

وقد خدموا دولة الخلافة العباسية، وساندوها في حروبها الداخلية، ضد الحركات المناهضة التي نشبت في أجزائها المختلفة، وفي حروبها الخارجية ضد الأمبراطورية البيزنطية .

 

ونتيجة شعورهم بأهميتهم، أخذوا يزيدون من تدخلهم في شؤون الخلافة، حتى تمكنوا من تثبيت أقدامهم في الحكم.

 

ويصف ابن طباطبا وضع دولة الخلافة العباسية في عهد تسلط الأتراك منذ مقتل المتوكل (232 - 247 ھ/ 847 - 861 م) بقوله: «واستضعفوا الخلفاء، فكان الخليفة في أيديهم كالأسير، إن شاؤوا أبقوه ،.وإن شاؤوا خلعوه، وإن شاؤوا قتلوه » .

 

والواقع أن استخدام العنصر التركي في الوظائف الكبرى في دولة الخلافة.العباسية يرجع إلى ما قبل عهد المعتصم. ففي أوائل عهد الدولة استخدم الخليفة العباسي المهدي (158 - 169 ه/ 755 - 785 م) یحیی بن داود الخرسي على إمارة مصر في عام (192 ھ/ 778م) وهو مملوك تركي .

 

ويذكر الطبري أن طرسوس عمرت على يد أبي سليم فرج الخادم التركي في عام (170 ھ/ 789 م) .

 

وأضحى العنصر التركي رکنا هاما في المجتمع الإسلامي منذ العصر العباسي.الثاني (232 - 334 ھ/ 847 - 946م)، فقامت الدويلات المستقلة ذات الأصول التركية والفارسية في كنف دولة الخلافة العباسية بعد أن دب فيها الضعف، وغدا الأتراك وسيلة الخلفاء للقضاء على هذه الحركات الاستقلالية، خاصة عمال الأطراف الذين استقلوا بولاياتهم.

 

واستخدم الصفاريون، الذين أسسوا دولة مستقلة لهم في المشرق الإسلامي (254 - 298 ھ/ 868 -911م)(*9)، خاصة عمرو بن الليث الصفاري، العنصر التركي، وقد اشترى هذا الأمير الصغار من الترك فدربهم وأنشأ منهم فرقة خاصة لحرسه، كما أهدى كثيرا منهم لقادته وولاته ، بهدف اتخاذهم عيونا له يمدونه سرا بالمعلومات والأخبار عن تصرفهم في حكم الولايات الخاضعة له . .

 

 

وعكف السامانيون ذوو الأصول الفارسية  ، على استخدام الأتراك في جيوشهم منذ عام (۳۰۰ ھ/ ۹۱۲م)، فأكثروا من شرائهم، وبالغوا في الاعتماد عليهم في الجيش والإدارة. وقد برز من بينهم الأمير ألب تكين الذي أسس دولة تركية خاصة به في عام (۳۸۹ھ/ 994م) هي الدولة الغزنوية .

 

ويبدو أن أحمد بن طولون كان ذا نزعات استقلالية، وحتى يحقق رغبته بالاستقلال في حكم مصر؛ رأى أن يدعم سلطته بجيش مملوكي من الأتراك من بني جنسه بالإضافة إلى العنصر الديلمي وقد بلغ تعداد هذا الجيش ما يزيد على أربعة وعشرين ألف غلام تركي ومنذ ذلك الوقت، أضحى جند مصر وولاتها من المماليك الأتراك .

 

والجدير بالذكر أن كثيرا ممن دخل في الجيش الطولوني من هؤلاء قد تحرروا فيما بعد إذ عمد ابن طولون إلى تحرير أعداد كثيرة من جنوده لينشئ منهم جيشا خاصا وأضحت هذه العادة سنة متبعة في عهود خلفائه .

 

وقد برز من بينهم الأمير ألب تكين الذي أسس دولة تركية خاصة به في عام (384 ھ/ 994م) هي الدولة الغزنوية .

 

أما في مصر ، فقد استخدم الطولونيون، المماليك الأتراك بشكل واسع،.واعتمدوا عليهم في قيام دولتهم واستمرارها (254 - 292 ھ/ 868 - 905م) .

 

فقد طمع أحمد بن طولون، التركي الأصل بالاستقلال في حكم مصر، بعد أن عينه الخليفة المعتمد (256 - 279 ھ/ 870 - 892م) في عام (263 ھ/ 877 م) واليا عليها، وأضحت أعمالها الإدارية والقضائية والعسكرية والمالية بيده .

 

ويبدو أن أحمد بن طولون كان ذا نزعات استقلالية، وحتى يحقق رغبته بالاستقلال في حكم مصر؛ رأى أن يدعم سلطته بجيش مملوكي من الأتراك من بني جنسه بالإضافة إلى العنصر الديلمي  وقد بلغ تعداد هذا الجيش ما يزيد على أربعة وعشرين ألف غلام تركي .

 

👌 ومنذ ذلك الوقت، أضحى جند مصر وولاتها من المماليك الأتراك.

 

والجدير بالذكر أن كثيرا ممن دخل في الجيش الطولوني من هؤلاء قد تحرروا فيما بعد إذ عمد ابن طولون إلى تحرير أعداد كثيرة من جنوده لينشئ منهم جيشا خاصا وأضحت هذه العادة سنة متبعة في عهود خلفائه .

 

وقد نهجت الدولة الأخشيدية (323 - 358 ھ/ 939 - 969م)، التي خلفت الدولة الطولونية ، نفس نهج الأولى في الاعتماد على المماليك. وقد بلغ تعداد مماليك محمد بن طغج الأخشيدي، مؤسس الدولة الأخشيدية، نحو ثمانية آلاف مملوك من الأتراك والديلم، وأنه كان ينام بحراسة ألف مملوك .

 

ولما استولى الفاطميون على مصر في عام (358 ھ/ 969م) بعد قيام دولتهم في شمالي أفريقيا، اعتمد خلفاؤهم الأوائل، منذ أيام المعز (341 - 365 ھ/ 952 - 975م) على عدة عناصر تركية وسودانية وبربرية وصقالبية .

 

واستخدم الخليفة الفاطمي العزيز (365 - 386 ھ/ 975 - 996 م) الأتراك في الوظائف العامة والقيادية في الدولة، وفضلهم على غيرهم من العناصر الأخرى .

 

فولی مملو که منجوتكين التركي قيادة الجيش، كما ولاه الشام، مما أثار عوامل الحسد والبغضاء بينهم وبين العناصر الأخرى، وظهر أثر ذلك واضحا في عهد الخليفة الحاكم بأمر الله (386 - 411 ھ/ 9 - 1020م) الذي استكثر من شراء السودان للحد من نفوذ الفريقين.

ثم نشط العنصر التركي مرة أخرى في عهد الخليفة الظاهر (411 - 427 ھ /1020 - 1036م) لميله إلى الأتراك، حتى أضحت قيادة الجيوش في يد المملوك التركي الأصل منصور أنوشتكين وقد ولاه الظاهر دمشق في عام (419 ھ/1028م) ..

 

واعتمد الفاطميون، منذ عهد المستنصر (427 - 487 ھ/ 1036 - 1094م) على عناصر مختلفة ، وقد استكثر هذا الخليفة من شراء العبيد السود لأن أمه كانت أمة سوداء .

 

وظل هذا العنصر عماد الدولة الفاطمية حتى زوالها.

 

 واهتم الفاطميون بتربية صغار مماليكهم وفق نظام خاص، وهم أول من وضع.نظاما منهجيا في تربية المماليك في مصر .

 

🔹 تمكن المماليك الأتراك في مصر

 

قامت الدولة الأيوبية في مصر في عام (567 ھ/ 1171م) على أنقاض الدولة الفاطمية لتفتح صفحة جديدة في تاريخ الشرق الأدنى والمماليك معا .

 

والجدير بالذكر أن هذه الدولة كردية الأصل، لكنها نمت في أحضان الدولة السلجوقية التركية ومماليكها ونقلت عنها الكثير من عاداتها وأنظمتها التركية المشرقية .

 

والمعروف أن السلاجقة اعتمدوا منذ نشأتهم المبكرة على المماليك من الترك، وتربى هؤلاء في البلاط السلجوقي على مقربة من السلاطين السلاجقةوأمرائهم فكانوا يجلبون صغار السن من بلاد القبجاق، ثم يربون على أساس النظام المملوكي - الساماني الذي وضعه الوزير السلجوقي نظام الملك.وفصله في كتابه "سياسة نامة" ، ثم يتم إدخالهم في خدمة القصور السلطانية، والدوائر الحكومية .

 

والواقع أن نظام الملك هو أول من أقطع الإقطاعات للمماليك الأتراك بهدف الحفاظ على استمرارية الدولة نتيجة اعتناء المقطعين بإقطاعاتهم، وحذا السلاطين حذوه ، فمنحوا قادتهم من المماليك القلاع والمدن مقابل تقدیم الخدمات العسكرية وقت الحرب وتولي شؤون تربية أبنائهم وتأديبهم. وقد دعي هؤلاء الأمراء بالأتابكة .

 

وسرعان ما اشتد نفوذ الأتابكة، وقوي ساعدهم، فانتهزوا فرصة ضعف السلاجقة واستقلوا بإقطاعاتهم مشكلين ظاهرة قيام دول منفصلة على حسابهم، دارت في فلك دولة الخلافة العباسية، وعرفت بالدول الأتابكية، أشهرها أتابكيات : كيفا وماردین ودمشق ودانشمند والموصل والجزيرة وأذربيجان .

 

واشتهر الأتابك عماد الدين زنكي، مؤسس أتابكيات الموصل وحلب ودیار ربيعة ومضر، في أوائل القرن الثاني عشر الميلادي، وهو ابن قسيم الدولة آق سنقر الحاجب الذي بدأ حياته مملوكا للسلطان السلجوقي ملكشاه .

 

ثم برز صلاح الدين الأيوبي ، عن طريق نور الدين محمود ابن عماد الدين زنكي، بعد أن ارتبط تاريخ أسرته بأسرة الزنكيين نتيجة تولي والده نجم الدين أيوب حاکمية بعلبك من قبل عماد الدين زنكي والجدير بالذكر أن أفراد هذه الأسرة الأيوبية كانوا أحرارا، ولم يجر على أحد منهم رق .

 

وعندما قرر نور الدين محمود بن زنكي أن يرسل حملة إلى مصر، في عام (559 ھ/ 1164م) ، للحؤول دون احتلالها من قبل مملكة بيت المقدس الصليبية اختار القائد الأيوبي أسد الدین شیرکوه لقيادتها، وقد اصطحب معه ابن أخيه صلاح الدين .

 

والواقع أن الجيش الذي قاده أسد الدين إلى مصر، تألف في غالبيته من المماليك والأمراء النورية بالإضافة إلى فرقة من المماليك الأسدية (المماليك الأسدية نسبة إلى أسد الدین شیرکوه )..

 

استفاد صلاح الدين من التجربة العسكرية التي اكتسبها من وساعدته الظروف السياسية التي استجدت بعد فشل الصليبيين في الاستيلاء على مصر ، ووفاة عمه أسد الدين، في عام (564 ه/ 1169م)، ليتولى وزارة مصر من قبل الخليفة الفاطمي العاضد (555 - 567 ھ/ 1160 - 1171م) بمساعدة المماليك الأسدية .

 

·   و أخذ صلاح الدين ، يعمل على إسقاط الدولة الفاطمية ومحو آثار معالمها الشيعية تمهيدا لتوحيد مصر والشام في دولة سنية واحدة لمواجهة الخطر المغولي و كانت تلك الخطوة حلما لنور الدين و بدأت بموافقته و دعمه ..

·         

خاصة وأن دولة الفاطميين باتت تعيش أواخر أيامها بعد أن دب الضعف في أوصالها بفعل تنازع الأمراء على منصب الوزارة . فقضى على الفرق العسكرية الفاطمية من العبيد والأرمن ،وأنشأ لنفسه جيشا خاصا عماده المماليك الأسدية والأحرار الأكراد، الذين كانوا في خدمته، بالإضافة إلى المماليك الأتراك الذين اشتراهم لنفسه وسماهم الصلاحية أو الناصرية.

 

ثم حدث أن توفي الخليفة الفاطمي العاضد في شهر محرم عام 567 ه/ شهر أيلول عام 1171م)، وزالت بوفاته دولة الخلافة الفاطمية.

وكان صلاح الدين قد قطع الخطبة له قبل ثلاثة أيام من وفاته بناء على إلحاح نور الدين، وخطب للخليفة العباسي المستضيء وشاءت الأقدار أن يموت كل من نور الدين محمود الذي كان على جفاء مع صلاح الدين بفعل نظرة كل منهما إلى الواقع السياسي تجاه الصليبيين والدولة الفاطمية ، وعموري ملك بيت المقدس الطامع في مصر، في العام نفسه (569 ه/1174م)، مما منحه فرصة لحرية التحرك.

 

فقد ترك نور الدين وراءه في الحكم طفلا في الحادية عشرة من عمره هو الملك الصالح إسماعيل، فخشي صلاح الدين من أن تؤول الأمور إلى الوصي عليه، وأعتبر نفسه أحق بالوصاية ، كما دبت بنفس الوقت الخلافات الداخلية بين الصليبيين بشأن وراثة عرش مملكة بيت المقدس .

 

وكان باستطاعة صلاح الدين، بفضل الإمكانيات التي توفرت له في مصر، أن يبقى فيها ويحارب الصليبيين، لكنه فضل تحقیق وحدة الصف الإسلامي قبل مواجهتهم، لذلك توجه إلى بلاد الشام لضمها فعلية إلى مصر .

 

ونجح صلاح الدين، بعد خمسة عشر عاما من العمل المتواصل، أن يوحد المسلمين، ويجمع شمل الأجزاء المتفرقة، ويكون جبهة إسلامية متحدة، أتاحت له أن يصطدم بالصليبيين ويتغلب عليهم، ويسترجع منهم بيت المقدس وبعض.المدن الساحلية .

 

ووقد اشتركت فئات المماليك الأسدية والصلاحية والعادلية في مختلف المعارك التي خاضها ضد الأمراء المسلمين بهدف تحقيق الوحدة الإسلامية وضد الصليبيين بهدف طردهم من المناطق الإسلامية ..

 

والواقع أن المماليك بلغوا في هذه المرحلة مبلغا من القوة، مما دفع صلاح الدين إلى استشارتهم والنزول عند إرادتهم في كثير من الأحيان.

 

وازداد عددهم في مصر وبلاد الشام بعد وفاة صلاح الدين في عام (589ه/ 1193م) بشكل ملفت، وبرزوا على أثر اشتداد التنافس والصراع بين ورثته من أبنائه وإخوته وأبناء إخوته الذين اقتسموا فيما بينهم الإرث الأيوبي .

 

والواقع أن أحداث الخلافات والمنازعات الداخلية بين أبناء البيت الأيوبي؛ تملأ معظم تاريخ الدولة الأيوبية بعد وفاة صلاح الدين حيث قامت الحروب بينهم وفي ظل هذه النزاعات، والفوضى التي عمت العلاقات بين مختلف المناطق الإسلامية كان لا بد لكل أمير من أن ينشئ لنفسه قوة خاصة يعتمد عليها في للاحتفاظ بإمارته، أو لتحقيق طموحاته ومطامعه، على حساب الأمراء الآخرين، ولم تكن هذه القوة سوى المماليك، فأكثر هؤلاء الأمراء من شرائهم وأنشؤوهم تنشئة عسكرية خاصة، ليكونوا سندا وهكذا شهدت فترة السنوات الأخيرة من القرن الثاني عشر الميلادي ، والسنوات الأولى من القرن الثالث عشر الميلادي ازدیاد نفوذ المماليك في مختلف الإمارات الإسلامية في الشرق الأدنى، ومنها مصر، وسرعان ما أضحى لهم من النفوذ ما كان له تأثير قوي في مجرى الأحداث التي تعرضت لها المنطقة .

 

إذ لم تمض سنوات ذات عدد حتى دب الخلاف بين أبناء صلاح الدين، فاستغل عمهم العادل هذه الفرصة ليعيد توحيد الدولة الأيوبية. وعندما حاول ضم مصر إلى أملاكه خشي المماليك الأسدية والصالحية من سطوته، فتدخلوا حتى يحولوا بينه وبين ما يبتغي، فناصروا العزيز ابن صلاح الدين، ملك مصر، کما ساندوا ابنه المنصور الذي خلفه في عام (595 ه/ 1195م) وكان صغيرا، ثم استدعوا الملك الأفضل من حوران وسلموه مقاليد الأمور .

 

إرسال تعليق

0 تعليقات