آخر الأخبار

تاريخ الدولة الساسانية في بلاد فارس ...(2)

 

 

 


شهد التاريخ الفارسي تعاقب ثلاث دول قبل نشأة الدولة الساسانية هي : الدولة العيلامية و الدولة الكيانية و الدولة البارثية توسطها خضوعهم للبابليين والآشوريين و السلوقيين(يتبعون الإسكندر الأكبر) والرومان .

 

تاريخ الدولة الساسانية في بلاد فارس ...(1)


الدولة الفارسية الأولى : الدولة العيلامية

 

في العصور الواغلة في القدم كانت أمة من الفرس تعرف ب «الأمة العيلامية، أو «العيلاميين» تسكن في الإقليم المعروف الآن ب خوزستان» المسمى قديما ب «بلاد عيلامه» وكانت مملكتهم محاطة ببلاد الكلدان وبلاد مادي «ميدية» وبلاد فارس، وعاصمتها مدينة «شوشن»، إلا أنها كانت أحيانا تتوسع، وأخرى تتقلص، وآونة تخضع لسيادة جارتها مملكة «أور» في جنوبي العراق.

 

كان العراق منقسما إلى قسمين:

 

القسم الجنوبي المسمى ب «مملكة أور» أو «بلاد الكلدان» أو «كلدو»،

 

والقسم الشمالي المعروف ب« مملكة بابل»، أو "بلاد بابل" أو "سومر"، وكان كل قسم مستقل بنفسه، غير أن الجنوبي كان قد فاق الشمالي بالمدنية والعمران، واشتهر بالتجارة والزراعة والفنون.

 

ويربط المؤرخون المعاصرون عادة تاريخ السومريين بتاريخ شعب الأكاديين لدرجة أن بعض الباحثين يفترضون أن السومريين والأكاديين كانوا شعبا واحدا ، وأن السومريين أقاموا أولا في منطقة الرافدين ثم الأكاديين ، وأن تاريخهم يعود إلى أواخر الألف الرابع ق.م. وأن أشهر مدنهم كانت مدينة ( بابل ) التي نشرت نفوذها على جنوبي الرافدين وقسم من الهضبة الإيرانية .

 

ونحو سنة ( ۲۸۰۰ ق.م ) أقام الملك صارغون الأكادي مملكة قضت على السومريين ، ومدت نفوذها على منطقة الرافدين ، وغربة إلى بلاد الشام ، وشرقا حتى أواسط إيران ، وشمالا حتى جبال زاغروس ،

ونحو سنة ( ۲٥٠٠ق.م ) استعاد السومريون عافيتهم ، وأسسوا أسرة حاكمة في عاصمتهم لجش ( Lagach ) التي تدهورت حالتها بدءا من سنة ( ۲٤٥٠ق.م ) لصالح مدينة أور التي حكمها في تلك الفترة عدد من الحكام المحليين الذين اعتمدوا اللغة السومرية بدلا من اللغة السامية الأكادية التي سادت زمن صارغون.

 

ونحو سنة ( ۲۲۸۰ ق.م ) تمكن العيلاميون من هزيمة السومريين ، واحتلوا عاصمتهم أور ، وتبعت سومر إلى عیلام نحو قرن من الزمن إلى أن تمكنت أسرة سومرية من توحید سومر وآكاد ، إلا أنها لم تفلح في مقارعة العيلاميين ، واندثر شعب سومر وأكاد بعد اختلاطهم بالأقوام الأخرى في مناطق الخليج وأسيا الصغرى على وجه التحديد .

 

 

وقد شهدت المنطقة نحو سنة ( ۲۲۲۰ ق.م ) هجرة سامية ضخمة أطلق عليها المؤرخون أسم الهجرة البابلية نسبة إلى عاصمتهم في تلك الأثناء وتذكر الدراسات أن هذه الدولة كانت أكبر قوة سياسية وعسكرية جاورت العيلاميين الذين حاولوا مقاومة البابليين ، ولم يتمكنوا منهم إلى أن قضت على البابليين مجموعة من القبائل مجهولة المنشأ، يطلق عليهم المؤرخون اسم الحيثيين ( Hatti ) الذين تعرضوا بدورهم لهجوم قبائل ( الكاسيين) ، الذين أسسوا حکومتهم في الرافدين ، ونازعوا العيلاميين السيطرة على المنطقة ، ولكنهم لم يصمدوا أمام العيلاميين الذين استعانوا أواخر الألف الثاني ق.م بالكلدانيين الساميين ، وسيطروا على منطقة بابل التي تنازلوا عنها أخيرا بعد انتصار الآشوريين اللاحق على شعوب المنطقة في عهد ملكهم الكبير آشور نابوناصر (نبوخذ نصر) الذي حكم الفترة ۷٤٧ - ۷۳۲ ق.م .

 

وتذكر المصادر أن الآشوريين حكموا بالحديد والنار منطقة شاسعة من آسيا الصغرى مدة تقرب من ألف سنة ، وقضت دولتهم في مدة بسيطة على الحيثيين ، وأخضعت المدن الفينيقية في سورية ، وأنهم تقدموا شرقا في الهضبة الإيرانية وأخضعوا الميديين والفرس الذين تحينوا الفرصة للإيقاع بغالبيتهم بدءا من عهد الملك الكبير آشور بانيبال ، الذي قهرهم كما قهر آخر انتفاضة للعيلاميين ضد الآشوريين وسقطت دولة عیلام سنة ( ٦٤٥ ق.م ) وطواها الزمن .

 

ولم تحكم الدولة العيلامية جنوبي العراق غير مدة وجيزة، فطردهم الملك حمورابي عندما قويت شوكته وملك العراق كله، ولم يقف عند ذلك الحد، بل إنه أخضعهم لسيادته - كما تقدم - وليست هذه المرة الأولى التي خضع فيها العيلاميون لملوك العراق، بل إنهم خضعوا مرارا لسيادة ملوك هذا القطر في أزمان مختلفة من ذلك أن الملك سدرجون الأكدي السامي الذي ملك سنة ۲۸۷۲ ق.م، كان قد أدخلهم تحت سيادته، وأن الملك أناتوم الذي ملك سنة ۲۹۰۰ ق.م حاربهم وأخضعهم لحكمه.

 

وبدءا من نهاية القرن السابع ق.م شهدت المنطقة نمو القوى العسكرية في إقليم ميدية ، مما أدى إلى سيادة هذه القوى على إقليم إيران ، ثم الأقاليم المجاورة في الرافدين . وتبعهم الفرس ، وبعد ذلك الإغريق والمقدونيون ، وأخيرا البارثيون أو الإشكانيون .

 

وكان الميديون من العناصر الآرية التي استوطنت أحد أقاليم الهضبة الإيرانية الشمالية ( جنوب غرب بحر قزوين ) ، وهو أحد الأقاليم الزراعية الغنية التي اشتهر أهلها بتربية أجود أنواع الخيول وبالقتال على ظهورها . وقد مكنتهم هذه الصفات من تحطيم الدولة الآشورية بمساعدة البابليين سنة (٦٠٦ ق.م ) .

 

الدولة الفارسية الثانية : الدولة الكيانية (٥٣٨-۳۳۱ ق.م)

 

توسعت هذه الدولة (الميدية) باتجاه الغرب وصولا إلى آسية الصغرى ، لكنها ولأسباب مجهولة تعرضت لانقلاب سياسي نحو سنة ( ٥٥٠ ق.م ) قاده ضابط فارسي كبير ضدة آخر الملوك الميديين وهو استواجس ( Astyages ) .

 

وتشير المصادر الفارسية الباكرة أن الضابط قورش (أرم قورش) تمكن من قيادة العناصر الفارسية وبعض المعارضين للحكم الميدي في أقاليم الهضبة الإيرانية في حرب ضد الميديين، وانتصر عليهم ودخل عاصمتهم إكباتانا ( Ecbatana ) همدان اليوم .

 

وأخضع قورش الميديين والعيلاميين بعد أن دانت له فارس، فتوج ملگا وأصبح إمبراطورا على هذه الأقاليم الثلاثة: «فارس» و «ميدية» و «عیلام»، وأسس دولة الكيانين المشهورة..

 

وكانت أول حروبه الخارجية ضد مملكة لوديه ( Lydia ) في أسية الصغرى التي قضى عليها نحو سنة ( 541 ق.م ) .

 

وتابع توسعه باتجاه مملكة بابل التي ضمها أيضا نحو سنة ( ٥٣٨ ق.م ) ، ومات وهو يعد العدة لغزو مصر سنة ( ٥٢٩ ق.م ) ، وقد أفلح ابنه المدعو قمبيز ( Cambyses ) في الاستيلاء على مصر في عهد آخر ملوكها ( بسماتيك الثالث ) ، وأصبحت الدولة الفارسية في عهده القوة الأكبر في العالم القديم على أنها لم تستمر كذلك لفترة طويلة ، إذ توفي قمبيز في سورية في طريقه من مصر إلى الهضبة الإيرانية ، وتسلم الحكم أحد أنسباء الأسرة المالكة وهو داریوس ( Darius ) ويعرف بدارا الكبير وقد عانى دارا في بداية عهده من ثورات المناطق التي خضعت سابقا لحكم قورش وقمبيز ، وتمكن من القضاء على ثورات بابل ، وميديه ، وأرمينية، وباکتریه، و(بدوالساكها) ومصر .

 

واستولى بعد ذلك على البنجاب والسند في حرب مريرة لدرجة أن تاریخ تلك الحرب أصبح واحدا من تاريخين رئيسيين لتاريخ الهند عموما ، أولهما انتشار الديانة البوذية ، وثانيها حرب دارا في البنجاب والسند ، وقد مهدت الظروف السياسية لدارا رغبته في ضم بلاد اليونان إلى إمبراطوريته التي أصبحت بعد احتلاله شمال الهند تضم معظم أصقاع العالم المعروف وقتئذ باستثناء بلاد اليونان .

 

وتفسير ذلك أن الفرس كانوا يعتمدون على الطغاة في حكم مدن الدول الإغريقية في بلاد اليونان وآسية الصغرى ، وكان هؤلاء الطغاة يلجأون إلى الإمبراطورية الفارسية ، عندما تثور شعوبهم ضدهم ، ويقومون أثناء لجوئهم السياسي بتحريض الملك الفارسي لإعادتهم إلى مراكزهم بالقوة العسكرية ، وقد انطبقت هذه الحالة على طاغية مدينة أثينا هيبياس (Hippias) الذي فر سنة ( ٥١٠ ق.م ) من بلاده ، والتجأ إلى الملك دارا ، وحرضه على إعادته إلى أثينا ..

 

وكانت أثينا قد ساعدت ثورة قامت بها مدينة ملطية في أسية الصغرى ضد الفرس ، للحصول على استقلالها مما دفع دارا بعد قضائه على الثورة في مهدها إلى القسم بأنه سيعاقب أثينا على تجرؤها بمساعدة ثوار ملطية ، وأرسل جيوشه التي لم تفلح في الإنتصار على أثينا التي هزمتهم في معركة سهل الماراثون ( Marathon ) وعادت جیوش دارا تجر أذيال الخيبة .

 

وأثناء الإعداد للحرب التالية ضد بلاد اليونان مات دارا الأول سنة ( ٤٨١ ق.م)، وتسلم الحكم ابنه اكسرکس ( Xerxes ) الذي قاد بنفسه حربا ضد المدن الدول في بلاد اليونان التي اتحدت أثناء استعدادات الحرب ، وفشل هو الآخر في تحقيق أي انتصار صريح على اليونانيين.

 

وقد عانت الهضبة الإيرانية بعد مقتل أكسرکسن الأول سنة ( ٤٦٥ ق.م ) من حالة تمزق سياسي أدت إليها صراعات الأسرة الحاكمة ، وتدخل النساء في الحكم ، وتتالى على الحكم عدد من الملوك الذين لم يحققوا أي إنجازات عسكرية أو سياسية أو حضارية متميزة ، باستثناء تفاقم النزاعات بين مدن بلاد اليونان ، ولجوء هذه المدن إلى فارس لفض خلافاتها أو لنصرتها على بعضها ، خاصة تلك الخلافات التي نشبت بين أثينا وإسبرطة ، ولجوء الأخيرة إلى طاعة الملك الفارسي وتنفيذ أوامره ، وكان آخر ملك فارسي حكم في تلك الفترة هو دارا الثالث الذي تولى الحكم سنة ( ۳۳۹ ق . م ) ، وفي عهده حدثت غزوة الإسكندر الأكبر للشرق .

 

الإسكندر المقدوني و مرحلة السيادة الخارجية

 

كان الإسكندر الأكبر قد ورث عن أبيه فيليب الثاني رغبته في توحيد بلاد اليونان وقيادتها في حرب قومية ضد الفرس ، وقد أنجز الإسكندر مهمة استعادة وحدة بلاد اليونان بعد ثورتها في وجهه عقب مقتل والده ، وتحرك في ربيع سنة (۳۳۹ ق.م ) باتجاه آسيه على رأس جيش لا يزيد عن خمسة وثلاثين ألفا ، ولكنه مجهز ومدرب كأحسن ماتكون جيوش العصر .

وحقق الإسكندر نصره الأول في معركة جرانیکوس ( Granikos ) قرب بحر البوسفور ، وتقدم إلى شمالي سوريا لمواجهة دارا الثالث نفسه في موقعة إسوس ( Issos ) ، وفيها حقق الإسكندر الإنتصار الثاني ، واحتل سورية ثم مصر التي غادرها باتجاه شمال العراق حيث كان الملك الفارسي قد حشد آخر جيوشه بالقرب من أربيل المحاصرة .

وفي الموقعة التي عرفت باسم موقعة جاوجميلا ( Gaugamela ) سحق الإسكندر الجيش الفارسي ، ولحق بملکه دارا الثالث إلى أن تمكن أحد الضباط الفرس من قتل ملیکه لإنهاء هذه الحرب .

 

ويعزو المؤرخون المعاصرون انتصار الإسكندر إلى الشكل المعروف الفيلق ( phalana ) المقدوني الذي كان يخترق دفاعات العدو بسرعة ويساهم في تفريق صفوفه .

 

وعندما دخل الإسكندر العاصمة الفارسية اكباتانا ( همدان ) طويت صفحة من صفحات تاریخ المنطقة ، وبدأت صفحة جديدة تحت رعاية ممثلين جدد وهم المقدونيون .

 

وبعد وفاة الإسكندر المفاجأة سنة ( ۳۲۳ ق.م ) ، وكان في الثالثة والثلاثين من عمره تصارع قادته صراعا مريرا أدى إلى انقسام الإمبراطورية الوليدة إلى ثلاث ممالك :

 

▪ البطلمية في مصر (أو الباطلمة نسبة ألى بطليموس)

 

▪والأنتيجونية في بلاد اليونان .

 

▪والسلوقية في آسية الصغرى .

 

و المملكة السلوقية هذه تبعتها كل من آسية الصغرى (تركيا) وسورية الكبرى والرافدين والهضبة الإيرانية وقسم من شمالي الهند، وهي المنطقة التي كانت تحت سيطرة الفرس قبل قدوم الإسكندر .

 

أما الدين الرسمي للدولة الكيانية فهو دين زردشت أو زورواستر أو زرادشت الذي ظهر في الفرس بين القرن العاشر والسابع قبل الميلاد، وادعى النبوة وأنه مرسل من الله، وأنه جاء من عنده بكتاب سماوي.

 

وقد جاء زردشت بقوانين دينية ونظامات سياسية ومدنية، ووضع لقومه كتابا شمي «الزاندافستا» ضمنه جميع تعاليمه وإرشاداته الدينية، وعلى توالي الأعوام أصبحت شريعته رسمية في بلاد فارس، وترك الفرس ديانتهم القديمة التي كانوا عليها منذ العصور الواغلة في القدم؛ وهي عبادة القوى الطبيعية المختلفة وخاصة الشمس.

 

إلا أن هذا الدين (الزرادشتية ) لم ينتشر في العراق أيام الكيانيين؛ لأنهم لم يجبروا أحدا على اعتناقه؛ ولذا لم يعتنقه أحد أهل العراق وظل منحصرا في الجالية الفارسية التي استوطنت البلاد، حتى جاءت الدولةاليونانية، ثم الدولة البرتية، ثم الساسانية، فكثر أتباع هذا الدين من الفرس لتوالي الدول الفارسية على هذه البلاد، فلما جاء العرب المسلمون قرضوه بالتدريج كما قرضوا البقية الباقية من ديانة البابليين «الوثنية» التي قرضتها النصرانية تقريبا قبل الفتح الإسلامي.

 

الدولة الفارسية الثالثة ( الدولة البارثية )

 

ونظرا لاتساع المملكة السلوقية الهائل فقد اعتمد ملوكها النظام اللامركزي الذي اتبعه الإسكندر فيا مضى لإدارتها ، وعلى هذا فقد اعترفوا بحقوق بعض الأسر الحاكمة بالحكم في أقاليمها ، وخاصة البعيدة منها عن مركز الإمبراطورية ، وكان من أشهر هؤلاء الحكام الذين تبعوا الإسكندر ، وبعد ذلك خلفاءه السلوقيين في آسية ، سلالة الملوك الذين حكموا إقليم بارثية ( Parhia ) وهو أحد أشهر أقاليم الهضبة الإيرانية ،الذي يقع إلى الجنوب الشرقي من بحر قزوين ،  وقد اعترف أوائل الملوك السلوقيين لهؤلاء بالاستقلال الذاتي ، ومع أنهم كانوا بداة إلا أنهم اتخذوا شكل الإدارة والنظم والعادات الإغريقية في بلاطهم وإداراتهم الرسمية ولغتهم ونقودهم وكانت علاقاتهم بالبلاط السلوقي طيبة حتى تسلم الحكم أرساکس ( Arsaces ) سنة ( ۲۰٤ ق.م ) في عهد الملك السلوقي أنطيوخس الثاني حيث رفع ارساكس راية العصيان ضد السلوقيين ، وتمكن من تأسيس دولته التي اتسعت في عهد خلفائه ودحرت جيوشها السلوقيين من بلاد الرافدين حتى الصحراء السورية ، كما هددت العاصمة أنطاكية ، ثم قامت بتوحيد معظم أصقاع الهضبة الإيرانية ، وضمت عددا من مناطق شمالي الهند إلى ملكيتها .

 

وأصبحت المملكة البارثية في اتساعها وقوتها مرهوبة لاتعادلها بين دول العالم إلا روما في أقصى غرب المتوسط،  وكانت عاصمتها طیسفون ( Ctesephon ) المدائن اليوم ، في الشتاء ، وأكباتانا (همدان) في الصيف .

 

وقد حكم من ملوكها نحو ۲۸ ملكا دام حكمهم نحو ۷۰ سنة . وكان آخرهم المدعو أردوان ( Artabanus ) الخامس الذي انتصر عليه مؤسس الأسرة الساسانية سنة ( ۲۲٤ق.م ) .

 

أردشير الأول وتأسيس الأسرة الساسانية

 

الأسرة الساسانية تعزو بداياتها إلى إقليم فارس وإلى جدها الأول ساسان ( Sasan ) ، الذي تذكر أنه كان كاهنا لمعبد النار في مدينة برسبوليس ( Persepolis ) -اصطخر( Istakhr )، وكانت عاصمة الإقليم الذي كان يحكمه ملوك محليون من الأسرة البارازنجية الفارسية .

 

وكان ساسان قد عهد بوظيفته تلك إلى ابنه المدعو بابك ، الذي توسط بدوره لدى الملك الفارسي لتعيين ابنه أردشیر ( Araxerexes ) قائدا عسكريا في إقليم فارس ، وقد أفاد بابك من القوة العسكرية التي يتمتع بها ابنه لدرجة أنه هاجم الملك الفارسي البارازانجي وقتله واستولى على حكم إقليم فارس .

 

وعندما طلب مباركة الملك البارثي أرطبان ( أردوان ) الخامس لملكيته أعلنه عاصيا ومتمردا وسير ضده جيوشه .

 

وكان بابك قد مات في تلك الآونة ، وقام ابنه اردشیر بادعاء ملكيته ، وهاجم الأقاليم المجاورة ، وأصبحت لديه قوة عسكرية تضارع بل تتفوق على قوة الملك البارثي نفسه .

 

وفي المعركة التي نشبت بينهما في وادي هرمزدجان انتصر اردشير ، وقتل أرطبان وسار إلى عاصمته المدائن التي دخلها في ۲۸ نیسان ( أبريل ) سنة ۲۲ ق.م ، وأعلن نفسه وريثا للملوك البارثيين ومؤسسا لسلالة حاكمة جديدة هي الأسرة الساسانية .

 

وتذكر الروايات أن أردشير رغب في إضفاء شرعية على حكمه الجديد فتزوج سيدة من الأسرة الملكية السابقة ، وهي ابنة أرطبان الملك المقتول ، أو ابنة عمه ، أو حفيدته في روايات أخرى .

 

وما إن تم له ذلك حتى شن سلسلة من الحروب أخضع نتيجتها كلا من إقليني ميدية وأرمينية في الشمال والغرب ، وباکترية وأفغانستان وبلوخستان في الشرق ، وإقليمي بابل ، وما بين النهرين في الجنوب .

وفي سنوات قليلة جمع بیدیه القويتين أجزاء مملكة البارثيين ، وأضاف إليها أقاليم جديدة ، وأنشأ فيها عددا من المدن الجديدة التي أطلق عليها اسمه تشبها بالإسكندر المقدوني .

 

ومن أجل استمالة عواطف عامة الناس إلى جانبه، أصدر أوامره لجمع كتاب الأوستا ، وهو الكتاب المقدس للديانة الزرادشتية التي اعتمدها دینا رسميا لدولته، قائلا : إنه لا خير في دولة لا دين لها ، ولا خير في دين لا دولة له ، تقدر على حمايته ، وأنشأ المعابد ووسع في أعداد رجال الدين ، وأصبح رئيسهم واحدا من أكبر مسؤولي الدولة يلي الملك في أهميته ، ولهذا أنشا الحلف المتين بين رجال الدين الزرادشتية والأسرة الساسانية الذي لم يهن إلا في فترات قليلة من تاريخ هذه الدولة .

 

كما استفاد أردشیر من كراهية الشعب لتبذير وإسراف الأسرة البارثية الحاكمة وأزلامهم ، ورتجبرهم واستبدادهم وازدرائهم لرجال الدين ، فتعقب هؤلاء وقتل كثيرا منهم .

 

ولا يمكن في الواقع حصر إنجازات أردشير على المستوى الداخلي ، فقد كانت كثيرة ، إلا أنه يمكن ذكر أهمها :

 

أولها : اعتماد المركزية الإدارية الشديدة ، وإحكام الرقابة العامة على أرجاء الدولة.

 

وثانيها : اتخاذ الزرادشتية دينا رسميا للدولة ، ودعم رجال الدين .

 

وثالثها : جمع أجزاء الكتاب المقدس وهو ( الأوستا ) في كتاب واحد .

 

ورابعها : تقسيم المواطنين إلى طبقات ، والموظفين إلى مراتب .

 

ثانيا : سابور الأول ( Shapur I)

 

تولى الحكم بعد وفاة والده سنة ( ۲٤١ م ) ، واحتفل بتتويجه رسميا سنة( ۲٤٢ م ) ، تذكر المصادر أنه كان واحدا من أشهر ملوك الدولة الساسانية ، فقد كان وسيما شجاعا صاحب همة ومحبوبا من قبل الشعب .

 

وفي بداية حكمه ثارت ضده أرمينية (مملكة الحضر) ، وتذكر المصادر المعاصرة أنه تمكن من القضاء على ثورة أرمينية بسرعة كبيرة ، إلا أن تحصينات الحضر كانت قوية لدرجة أنها قاومته أربع سنوات ، ولكنه تمكن منها بعد ذلك بخيانة النضيرة ابنة الضيزن ملك الحضر .

 

* والحضر مملكة عربية قديمة تقع أطلالها الآن في وادي الثرثار جنوب غرب مدينة الموصل ، وكانت إحدى الممالك الواقعة على خط التجارة الشمالي ، استفادت من موقعها إلى أن دمرها ساہور الأول ، حسب الطبري ، والثعالبي ، والمسعودي ، الذين يذكرون أن النضرة ابنة الفين ملك الخضر دلت ساہور على نقطة ضعف في حصن المدينة لقاء أن يتزوجها ، لكنه بعد تدمير المدينة قتل الخائنة إثر معرفته بالعز الذي كانت ترفل فيه في عهد والدها ,

 

ويبدو أن الوضع الداخلي المتردي في الإمبراطورية الرومانية قد أغرى سابور بالتوسع في شمال سورية التي غزاها ، ووصل إلى عاصمتها أنطاكية ( Antioch ) التي احتلها في عهد الإمبراطور الروماني ماكسيمنيوس .

 

وقد تسلم الحكم بعد اغتيال ماكسيمنيوس في روما الإمبراطور جوردیان ( Gordian) ۲۳۸ -٢٤٤ م ، وكان مقاتلا عنيدا جهز جيشه لطرد الساسانيين من أنطاكية وشمال سورية ، وكان له ما أراد ، ووصلت جيوشه عاصمة سابور ( طیسفون = المدائن ).

 

وأثناء حصارها تمرد بعض ضباطه ضده واغتالوه ، وانتخبوا فيليب ( Plipippus ) العربي إمبراطورا ( ۲٤٤ - ۲٤٩ م)، الذي عقد مع سابور معاهدة سلام تخلت بموجبها روما عن أرمينية ، وعاد فيليب إلى روما.

 

لكن خليفته الإمبراطور فاليريانوس ( Valerianus ) ( ٢٥٣- ٢٦٠ م) لم يقبل بمعاهدة فيليب سابق الذكر ؛ لأنها على زعمه أهانت الرومان ، لذلك رد سابور على هذا الرفض سنة ( ۲٥٨ م ) بتسيير جيش إلى شمالي سورية لتأكيد ملكيته لأصقاعها، مما دفع فاليريانوس إلى قيادة جيشه لإستخلاص أنطاكية وشمالي سورية مرة أخرى ، وتمكن من ذلك ، إلا أنه أوغل في مطاردة فلول جيوش سابور في بادية الشام مما أدى إلى تشتت جيشه ، وفشل حملته ووقوعه أسيرا في يدي سابور ، ثم موته بعد ذلك في الأسر.

 

وتذكر المصادر أن سابور قرر الإفادة من خبرة الرومان ببناء المدن والجسور ، وطلب إلى فاليريانوس قبل وفاته ببناء سد على نهر قارون لسقاية المزارع التي ترتفع أراضيها عن النهر وقام الإمبراطور الروماني بناء السد الذي بقي صامدا حتى أيامنا هذه بإسم ( بند قیصر ) أي سد الإمبراطور .

 

كما تنسب الروايات الساسانية إلى فاليريريانوس ومهندسيه المساعدة في تأسيس مدينتي نيسابور في خراسان ، ومدينة سابور في إقليم فارس ، وجند پساہور في خوزستان .

وقد خلد سابور انتصاره على الرومان بعدد من النقوش والرسوم أهمها ( نقش رستم ) و ( نقش مدينة سابور) ، وفيها يظهر سابور ممتطيا حصانه ، وهو ينظر إلى الإمبراطور فاليريانوس الذي يستعطفه بذلة ظاهرة .

 

وفي تلك الأثناء وصل غرور سابور بانتصاراته لدرجة ادعائه ملكية العالم ، وأطلق على نفسه لقب ( شاهنشاه إيران وأنیران ) أي ملك ملوك إيران وغيرها .

 

على أن سابور مع كل انتصاراته السابقة لقي هزيمة من عدو لم يحسب له حسابا، ألا وهو أذينة ( Odaenathus ) ملك مدينة تدمر العربية في الصحراء السورية ،وكانت تدمر مركزا تجاريا في المنطقة العربية .

 

وكان سابور قد أهان سفراء أذينة الذين حملوا هدايا مليكهم إلى ساہور ، فقام أذينة بترصد جيش سابور العائد من آسية الصغرى إلى إيران ، وعلى أطراف البادية السورية الشمالية أنزل أذينة وجيشه هزيمة منكرة بجيش سابور ، وغنم منه غنائم وفيرة وعددا من نسائه ، ولم يتمگن سابور من الوصول إلى نهر دجلة إلا بصعوبة فائقة . كما أنه لم يتمكن من الانتقام لهزيمته هذه طيلة حياته التي استمرت حتى سنة ( ۲۷٣ م).

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات