آخر الأخبار

نظرية الثورة العربية (3)

 

 


 

 

 

الدكتور عصمت سيف الدولة

 

المنهج الليبرالي

 

 

5- الليبرالية :

 

الليبرالية فلسفة ومنهج ومذاهب عدة . لا نعرف كلمة عربية تؤدي – تمامأ- مفهومها كمنهج وان كانت أقربها كلمة : التلقائية . في الليبرالية نلتقي بتلك العلاقة التي نصادفها كثيراً فيما يدور من حديث حول نظرية تغيير الواقع العربي أو نظرية الثورة العربية .

 

نعني بها الرابطة بين الفلسفة كفهم معين للوجود بما فيه الواقع العربي، والمنهج كمعرفة لقوانين معينة لتغيير ذلك الواقع، والنظرية كتحديد لمنطلق التغيير وغايته وأسلوبه . تلك الرابطة التي يعنيها المتحدثون عادة عندما يتكلمون عن ضرورة ان تكون للثورة العربية نظرية ” متكاملة “ .

 

يكفي الآن ان نعرف ما يهمنا من أمر الليبرالية كمنهج .

 

عرفنا ( فقرة 3) ان المشكلة الأساسية التي يطرحهـا تغيير الواقع الاجتماعي هي قابلية ، أو عدم قابلية، الإنسان للانضباط في حركته من الماضي الى المستقبل بقوانين أو نواميس حتمية، معروفة أو تمكن معرفتها. وان مصدر المشكلة هو ما يبدو من تناقض بين هذا الانضباط بقوانين حتمية و حرية الإرادة الإنسانية. وقلنا ان عدم قابلية حركة الإنسان للانضباط يؤدي الى أن يكون مستقبل التغيير الاجتماعي غير قابل للمعرفة وبالتالي تستحيل معرفة نظرية تغيير الواقع : منطلقه وغايته وأسلوبه .

 

وقد قدمت الليبرالية حلاً لهذه المشكلة .

 

كان الحل وليد الثورة العلمية التي كشفت عن كثير من قوانين أو نواميس الطبيعة في القرنين السادس عشر والسابع عشر وكانت مقدمة للثورة الصناعية في أوروبا . ويمكن اعتبار الكشوف الرياضية والفيزيائية التي قام بها إسحاق نيوتن بالذات قاعدة علمية للفكر الليبرالي سيظل حاملأ طابعها حتى النهاية. فقد أدت تلك المعرفة الوفيرة ، والمبكرة ، بمدى ما في الكون من حركة منضبطة ونظام محكم الى إنهاء الشك في أن تكون حركة الظواهر الاجتماعية خاضعة لقوانين تحكمها . ولم يكن باقيأ إلا اكتشاف تلك القوانين . وذلك ما حاولته جماعة من أكثر أبناء البشرية نبوغأ في زمانهم . مبتدئين من مقولة بسيطة وواقعية معأ ، هي ان ” الإنسان اجتماعي ولكنه حر “.

 

فاكتشفوا فيما قالوا- كل واحد بطريقته- قانون حركة المجتمعات الذي يوفق بين حتمية التغير الاجتماعي وبين حرية الإرادة الإنسانية في الوقت ذاته.

 

وأسموه ” القانون الطبيعي ” .

 

والقانون الطبيعي فكرة- ككل الأفكار الأوروبية- ذات جذور في الفلسفة الإغريقية . ولكنها تحولت على أيدي مفكري الليبرالية الى قانون . وهو قانون حتمي. إما ” انه طبيعي ” فلا يعني انه احد قوانين الطبيعة المادية، إنما يعني انه ذو فعالية تلقائية لا تتوقف على إرادة الإنسان . أما مضمون هذا القانون كمنهج للتغير الاجتماعي فيمكن تلخيصه مركزاً في كلمات قليلة : ” ان مصلحة المجتمع ككل تتحقق حتماً من خلال عمل كل فرد فيه على تحقيق مصلحته الخاصة ” . ورتبوا على هذا إن أفضل طريق على تحقيق الصالح الاجتماعي هو أن يكف المجتمع ( ممثلاً في الدولة ) عن التدخل في المحاولات الفردية لتغيير الواقع ، وان تبقى الدولة في حدود وظيفتها ” الطبيعية ” وهي حراسة القانون الطبيعي من أية محاولة لتعويق فعاليته وذلك بأن توفر للناس في المجتمع الأمن الخارجي والأمن الداخلي وتنفذ ما يصل اليه الناس بإرادتهم الحرة .

 

كلمات بسيطة كانت تبدو محكمة . ساندتها أكثر الأفكار خصوبة خلال قرنين أو أكثر . وكان وراءها ألمع المفكرين والباحثين والعلماء ( فولتير ، لوك ، جوته ، روسو ، هيوم ، كانت ، آدم سميث ، ريكاردو ، مالتس .. الخ ) وهي كلمات ثورية أيضاً نقلت الأوروبيين من ظلمات القرون الوسطى الى مشارف القرن العشرين . وغيرت وجه الحياة في العالم كله ، وكانت محركاً لكل الثورات الكبرى من أجل الحرية خلال تلك الحقبة من التاريخ . وهي كلمات خلاقة . فقد كانت الأساس الفكري لكثير من النظريات في الدولة وفي الحكم وفي الاقتصاد وفي القانون وفي الاجتماع وفي الأدب وفي الفن وفي الأخلاق .. الخ . بل منها انبثقت مذاهب جديدة في الدين المسيحي ذاته ..

 

وقبل قرن ونصف كانت مسلمّة تبدو عصية على النقد. فاحتاج البحث العلمي إلى قرن من الزمان ليكتشف الخطأ فيها ، ويكتشف معه كم دفع البشر من ثمن دموي فادح لهذا الخطأ . ذلك لأن المنهج الليبرالي ليس سوى الأساس الفكري الذي قام عليه المذهب الرأسمالي . واغلب ما قدمه الاشتراكيون من دراسات وأبحاث كان منصباً في الأساس على كشف الخطأ العلمي في ذلك المنهج حتى لو كان قد تناول واحدة أو أكثر من النظريات القائمة على أساسه . يحركهم في هذا ما لمسوه من واقع مجتمعات أوروبا في القرن التاسع عشر من فشل النظام الرأسمالي في أن يحقق مصلحة المجتمع ككل من خلال محاولة كل فرد فيه تحقيق مصالحه الفردية الخاصة . فقد بدأ قانون المنافسة الحرة يقضي على حرية المنافسة ويؤدي الى الاحتكار . وقدم البؤس الاجتماعي الذي تعانية أغلبية الناس في المجتمع الرأسمالي دليلاً من الواقع على ان ترك كل واحد يفعل ما يشاء يؤدي إلى أن كثيراً من الناس لا يستطيعون ان يفعلوا ما يشاءون .

 

ومع محاولة الليبراليين الدفاع عن واقعهم ذاك بنسبة الخطأ الى الممارسة على وجه يمكن تصحيحه بمزيد من التنظيم الرأسمالي ، ومحاولة بعض الرواد الاشتراكيين اكتشاف الخطأ في النظرية الرأسمالية على وجه يمكن تصحيحه بمزيد من التدخل الحكومي أو النقابي في النشاط الاقتصادي ، كان آخرون من بينهم كارل ماركس- يحاولون اكتشاف الخطأ في مستويات أعمق من الممارسة ومن النظرية . فانتبهوا الى خطأ المنهج الليبرالي ذاته. وقد اتبع كارل ماركس في هذا اسلوباً فذاً ، هو دراسة النظام الرأسمالي كما هو، ومحاولة تحليل علاقاته، وتتبع تطوره في المستقبل طبقاً ، لذات قوانينه الليبرالية، ليثبت أنه نظام سيؤدي في النهاية، حتما وبدون توقف على نوايا الرأسماليين ، إلى تجريد الأغلبية الساحقة في المجتمع (البروليتاريا الطبقة التي ستفرزها الرأسمالية حتما) من مصالحها واستئثار قلة من الناس (الرأسماليين) بكل المصالح في المجتمع . أي حاول ماركس كشف خطأ المنهج الليبرالي عن طريق الوصول به الى غاية منطقه وذلك من خلال تحليل النظام الرأسمالي ليثبت بهذا كيف أن الممارسة ستكذب ما يتوقعه المنهج، وكان كل هذا هو جوهر موضوع كتابه ” رأس المال ” . ولم يكن كارل ماركس إلا واحداً من ” مدرسة المتشائمين ” التي كانت قد نشأت قبل أن يكتب ماركس كتابه . ولكنه واحد متميز . فمن قبله كان مالتس الاقتصادي الرأسمالي – مثلاً- قد انتهى الى ” التشاؤم ” من مستقبل النظام الرأسمالي وهو يدرس نظرية السكان بمنهج ليبرالي ولكنه لم ير في مشكلة السكان مشكلة النظام كله . أما ماركس فقد حكم على النظام الرأسمالي كله بمستقبل شؤم على الناس وعلى المجتمعات فوجه بذلك طعنة نافذة الى الليبرالية فلسفة ومنهجاً ونظرية .

 

وغير ماركس ومالتس كثيرون . بصرف النظر عن مدى التوفيق الذي أصابه كل منهم في أبحاثه ، فان الممارسة – محك اختبار النظريات – لم تلبث ان أثبتت خطأ الليبرالية . فقبل ان ينتهي القرن التاسع عشر كانت ضرورة تدخل الدولة في النشاط الفردي ، لتصحيح القانون الطبيعي ، مسلمّة في كل المجتمعات الرأسمالية ومن أغلب مفكري الليبرالية . ويزداد نطاق هذا التدخل يوماً بعد يوم ، ويمتد من مجال الى مجال . واضمحلت حتى انتهت ، أو كادت أن تنتهي ، أحزاب ” الأحرار ” التي كادت يوماً ان تكون ” دولية ” وكانت تقيم من أنفسها حراسة جماهيرية لفاعلية القانون الطبيعي ضد تدخل الدولة . ومهما يكون – اليوم – من خلاف بين الرأسماليين او بين مفكري الليبرالية حول مدى تدخل الدولة أو مجاله فإن قوانين الليبرالية قد فقدت حتميتها . وعندما يفقد القانون حتميته لا يصبح قانوناً . وهذا ما يحاول مفكرو الرأسمالية – الآن – المناقشة فيه . فمع علمهم بأن الواقع الرأسمالي قد كذّب حتميته القانون الطبيعي كانوا أمام أمرين : إما الاعتراف بخطأ المنهج الليبرالي والنظرية الرأسمالية التي قامت على أساسه وهو ما يعني إدانة النظام الرأسمالي ، وإما إنكار الحتمية على قوانين الحركة الاجتماعية لتظل الرأسمالية قائمة في الواقع بعد أن سقط أساسها الفكري . فاختاروا الثانية حفاظاً على مصالحهم وحماية للرأسمالية من رياح التغيير . وأصبح مفكروا الرأسمالية هم أشد الناس نقداً ، ورفضاً ، لنظرية الحتمية . وهم المصدر الأساسي للنظريات البديلة : اللاحتمية ، والاستاتيكية ، والوضعية …الخ .

 

مؤدى هذا كله أن النظرية الرأسمالية وكل النظريات في الدولة وفي الحكم وفي القانون وفي الاجتماع وفي الأدب وفي الفن …الخ التي قامت على أساس المنهج الليبرالي قد فقدت أساسها الفكري عندما كذبت الممارسة ما وعد به المنهج وتوقعه . ويمكننا أن نقول أننا في عصر يدافع فيه الليبراليون عن مواقعهم ولكنه عصر زوال الليبرالية وكل ما قام على أساسها من نظريات . غير أن هذا ذاته قد عاد بنا من جديد فوضعنا أمام مشكلة منهج تغيير الواقع الاجتماعي .

6- قصور المنهج الليبرالي :

 

والواقع أن الليبرالية لم تكن من قبل قد حلت المشكلة إلا جزئياً .

 

كانت قد تقدمت خطوة أساسية نحو الحل الصحيح عندما انطلقت في فهم تغيير الواقع الاجتماعي من انضباط حركة الإنسان بقوانين حتمية . وعلمت الناس بهذا ان واقعهم قابل للتغيير وان مايحول دون تغييره هي القيود المفروضة على فعالية القوانين الطبيعية التي تضبط حركته . وان عليهم أن يحطموا تلك القيود حتى يتغير الواقع . علمتهم أن ” التحرر” لازم لإمكان تغيير الواقع الاجتماعي .

 

وكان هذا الجانب الصحيح من المنهج كافياً ليتمرد الناس على سادتهم وان يسقطوا وصاية الكنيسة وامتيازات الملوك والنبلاء وأمراء الإقطاع ويمزقوا العلاقات الإقطاعية ، الاقتصادية والاجتماعية والقانونية ، ثم ينطلق كل منهم محاولاً أن ” يفعل ما يشاء ” تحت شعار الليبرالية : ” دعه يعمل دعه يمر ” .

 

وكان ذلك كسباً عظيماً للتقدم البشري .

 

غير أن الليبرالية التي اكتشفت ان للواقع الاجتماعي قوانين حتمية تضبط حركته لم تكتشف ماهية تلك القوانين . وتعبير ” القانون الطبيعي ” يدل بذاته على أن ثمة قانوناً أو قوانين موضوعية ، وليست وضعية ، ولكنها غير معروفة . ولما كانت معرفة القانون وشروط فعاليته ( إذا حدث كذا … حدث كذا ) لازمة لإمكان استخدامه عن طريق التحكم في تلك الشروط لتغيير الواقع الاجتماعي فإن الناس لم يعرفوا من الليبرالية كيف يغيرون مجتمعاتهم فتركوها تتغير . علمتهم الليبرالية كيف يتحررون ولكنها لم تعلمهم ماذا يفعلون بالحرية . بل زادت فعلمتهم ألا يشغلوا أنفسهم بالتغيير الاجتماعي أو يحاولوه اتكالاً على “غائية ” ميتافيزيقية نسبتها الى قوانين الحركة . خلاصتها إنها تتجه بالنشاط الفردي الى تحقيق مصلحة المجتمع ، وحتماً . وتلك هي الثغرة الكبرى في الفكر الليبرالي . لأن القوانين ضوابط حركة يستخدمها الإنسان الواعي لتحقيق غاية ، وليست القوانين قوة واعية بغاية تستخدم الإنسان لتحقيقها . إذ الإنسان هو الكائن الذكي الوحيد . ولقد كان هذا القصور كافياً ليقف الليبراليون من تقدم مجتمعاتهم مواقف سلبية ، ولكي تكون المجتمعات في الليبرالية قوى خاملة متروكة لمصيرها التلقائي ، تحت شعار : ” دعها تتغير ” المعادل الاجتماعي لشعار الحركة الفردية : ” دعه يعمل ” . أما تتغير إلى ماذا ؟ فذاك ما حال المنهج الليبرالي دون معرفته بل ” حرم ” محاولة معرفته مكتفياً بتأكيد أنه سيكون في صالح المجتمع . وبهذا كانت ” الليبرالية ” وما تزال ، تمثل ” جبرية ” اجتماعية لا مفر منها لأنها ” طبيعية ” بالرغم من أن الإنسان – طبقاً لها – حر بطبيعته .

 

وهكذا كان الحل الليبرالي لمشكلة التغيير الاجتماعي متضمناً معرفة أكثر بفعالية الإنسان وغير متضمن شيئاً يذكر عن فعالية المجتمع . وسيظل هذا القصور في المنهج حائلاً دون ان يكون للمجتمع – في الفكر الليبرالي – أثر ايجابي في تحديد منطلقات أو غايات أو أساليب التغيير الاجتماعي . وستظل كل نظريات التغيير الليبرالية نظريات فردية . كما ستظل ” الفردية ” ذات دلالة صحيحة على الذهنية الليبرالية .

 

وقد انعكس هذا كله – ايجابياً وسلبياً – على كل التغيرات الاجتماعية التي تمت في ظل الليبرالية .

 

ففي ظلها استطاعت مجموعات الأفراد ، الرواد ، العباقرة أو المغامرين ، يكاد التاريخ – من قلتهم – أن يحصي أسماءهم واحداً واحداً ، استطاعوا أن يكتشفوا العالم وان يقهروا الطبيعة بالعلم وأن يحققوا الثورة الصناعية وان يرسوا قواعد حضارة الرخاء المادي ( الحضارة الأوروبية المعاصرة ) وان يستهلكوا في سبيل هذا اعداداً لا حصرلها من البشر . ومع هذا فإن كل ذلك الرخاء ظل ” ملكية خاصة ” لأصحابه وهم قلة يكاد التاريخ أن يحصي اسماءهم واحداً واحداً بدون ان يستفيد منه أحد غيرهم . بل كان بالنسبة الى غيرهم فقراً على فقر وعبودية ليست أفضل من عبودية القرون الوسطى . وبقيت المجتمعات ( الشعوب ) محرومة من ثمار التقدم في ظل الرأسمالية ( النظام الليبرالي في الاقتصاد ) إلى ما قبل قرن أو أكثر قليلاً . أي إلى أن اكتشف الناس خطأ الاتكال على تلقائية التغيير الاجتماعي فبدأوا يتصدون ايجابياً للواقع الرأسمالي محاولين تغييره . وكان أول ما غيروه ، وبدون تغييره ما كانوا ليغيروا شيئاً ، هو منهج التغيير الاجتماعي ذاته : رفض ما علمتهم الليبرالية من ان مصالحهم ستتحقق حتماً بحكم فعالية ” القانون الطبيعي ” . وهكذا كان التحرر من خطأ الليبرالية أول خطوة في سبيل تغيير الواقع في المجتمعات الرأسمالية . وسيكون الخطوة الأولى في سبيل تغيير أي واقع اجتماعي . تغيير لا تغير .

 

ولم يكن قصور المنهج الليبرالي ذا أثر مقصور على الحياة الاقتصادية . بل لقد أثرت الليبرالية – ايجابياً وسلبياً – في كل نواحي الحياة السياسية والاجتماعية والأدبية والفنية . وعلامتها في كل ميدان واحدة : التقدم ولكن للخاصة . ثم أنها قد أثرت – ايجابياً وسلبياً – في واحدة من أهم القضايا التي تهمنا في الوطن العربي ونعني بها : القومية .

 

 

فمن الدارج فيما يكتب عن الأمة وعن القومية أنها ذات صلة ” خاصة ” بالرأسمالية وان الحركات القومية حركات ” برجوازية ” أخذاً بظاهر تاريخ الحركات القومية في أوروبا ونقلاً في أغلب الحالات عن الفكر الأوروبي . ومع أن أوروبا ليست هي المكان الوحيد من الأرض الذي وجدت فيه الأمم حتى تكون الأمم الأوروبية نماذج لأمم الأرض ، وبالرغم من أن اغلب ما قدمه الفكر الأوروبي عن القومية مليء بالخلط الخاطيء بين الأمة والشعب والدولة ، وبين القومية والحركة القومية … إلا ان ما يهمنا – هنا – هو ان نعرف من أين جاءت تلك الأخطاء في فهم القومية .

 

والمسألة ببساطة هي أن الليبرالية كانت قد علمت الناس في أوربا أن يتحرروا من كل ما هو مفروض عليهم وان يعودوا الى كل ما هو طبيعي ، ثم ان يتركوا الأمور تجري إلى غايتها الطبيعية غير المعروفة. كذلك فعلوا في ميدان النشاط الاقتصادي وكذلك فعلوا في ميدان النشاط القومي . فبالعودة الى الطبيعة اكتشف كل واحد منهم مجتمعه ” الطبيعي ” الذي ينتمي إليه . اكتشف كل واحد ” أمته ” وهـذا يعني أنه لم يوجدها بل كانت موجودة فعرفها . وعرف من هذا انتمائه أليها فعرف القومية . فلما أراد أن يتحرر من الكيانات السياسية المفروضة عليه ليقيم بدلا منها دولة ” طبيعية ” وجد ان الدولة القومية هي الدولة التي تتفق في عنصريها : البشر والوطن ، مع المجتمع الطبيعي فكانت الليبرالية منهجاً صالحاً وكافياً لنشوء الحركات القومية التي أسقطت إمارات الإقطاع في أوروبا وحققت الوحدة القومية .

 

ثم … وقف الأمر عند هذا الحد . فالأمة- في الليبرالية- وجود اجتماعي طبيعي يعرف من أوصافه. والواقع ان الفكر القومي الليبرالي كله ليس الاتعريفأ وتوصيفا وخلافاً حاداً حول تعريف وتوصيف الأمة. والقومية – في الليبرالية – علاقة طبيعية بين أبناء الأمة الواحدة . ولكنها علاقة سلبية لأنها مجرد انتماء لا يتضمن التزاماً بشيء إلا لاحتفاظ عليه . والحركات القومية نضال فكري وسياسي وثوري في بعض الأوقات ضد التجزئة ومن أجل الوحدة القومية لا أكثر .

 

وستظل كل الكتابات الليبرالية التي صدرت منذ القرن السابع عشر حتى الآن ، عن الأمة و عن القومية، وعن الحركات القومية، وعن الوحدة القومية مطبوعة بالطابع الليبرالي ايجابياً وسلبياً ،. فهي تعترف بالوجود القومي (الأمة) وتصفه وتعدد مميزاته بدون ان تبحث في تاريخه لتعرف لماذا وجد، وبدون أن تتابع مصيره لتعرف ماذا سيكون . وهي تشيد بالقومية وتتعصب لهـا بدون أن تعرف في القومية التزامأ بغير الإبقاء على ذاتها دفاعأ عن الوجود القومي . وهي تدعو الى الوحدة القومية ولكن الوحدة في دعوتها مجرد تجسيد سياسي للواقع مقطوع الصلة بالمستقبل .

 

ان هذا لا يعني ان الأمة وجود عقيم ، أو أن القومية رابطة سلبية، أو ان الوحدة القومية غـير ذات مضمون ، ولكن يعني ان هكذا نفهم الأمة والقومية والوحدة اذا كان دليلنا في المعرفة منهج الليبرالية.

 

وهكذا فهم الليبراليون أممهم وقومياتهم ومارسوا حركاتهم القومية لأن ” الحل الليبرالي ، لمشكلة التغيير الاجتماعي يتضمن معرفة أكثر بفعالية الإنسان ولا يتضمن شيئأ يذكر عن فعالية المجتمع ” .

وكان من أثر هذا ان ” المسألة القومية ” كما تسميها الكتابات الأوروبية لم تدرس ، وبالتالي لم تفهم، الا خلال الصراع من أجل الوحدة وللفترة التي استغرقتها الحركات القومية حتى أقامت دولها القومية . ثم اعتبرت مسألة منتهية ، لا يدرسها أحد ولا يحاول فهمها إلا اذا ثار نزاع حول الحدود . وهذا يفسر كيف ان ما يردده الليبراليون حتى اليوم عن الأمة وعن القومية هو ذات ما قاله فلاسفة ومفكرو الليبرالية منذ ثلاثة قرون . وسنرى أثر هذا عندما تعود ” المسألة القومية ” فتطرح ذاتها بقوة على الماركسيين في مطلع القرن العشرين .

 

المهم ان نفطن هنا ، وقبل أن ننهي حديثنا عن الليبرالية ، الى أثرها في حركات التحرر في الوطن العربي . فقد بدأت تلك الحركات ” قومية الاتجاه إقليمية القوى ” مع مطلع القرن العشرين ايضاً ، كرفض ومقاومة للتسلط الطوراني داخل دولة الخلافة تستهدف الاستقلال عنها دولة عربية تضم الشرق العربي . ( ثورة 1916 ) .

 

وبعد الحرب الأوروبية الأولى ( 1914 – 1918 ) وتجزئة باقي الوطن العربي الى دول ودويلات أصبحت حركات تحررية وحدوية تستهدف التحرر من الاستعمار الأوروبي وإقامة الدولة القومية :

 

دولة الوحدة . وبقيت كذلك الى ما قبل خمس عشرة سنة تقريباً .

 

وطوال تلك الفترة ، أي على مدى نصف قرن تقريباً ، كانت حركات ليبرالية خالصة . كان أساتذة الفكر القومي ودعاة الوحدة والمناضلون في سبيلها يطرحون قضيتهم كما طرح الليبراليون قضاياهم القومية ، وينقلون عنهم ، ويستمدون من أقوالهم ما يدافعون به عن الوحدة العربية ، ويحلمون بيوم يرون فيه ” بسمارك ” العرب يقيم دولة الوحدة . وساد في الوطن العربي تيار قوي يرى الأمة قدراً والوحدة مصيراً بدون ان يعرف لماذا كان القدر قومياً ولماذا يكون المصير في الوحدة ، وماذا تفعل دولة الوحدة في المجتمع القومي الموحد . كانت الوحدة هدفاً في ذاتها مفرغة – كما نقول اليوم – من أي مضمون اجتماعي .

 

ولم يكن مرجع ذاك القصور الى أن أساتذة الفكر القومي في الوطن العربي و رواد النضال من أجل الوحدة العربية ” بورجوازيون ” يبحثون عن وحدة السوق ليوزعوا فيها منتجات مصانعهم الرأسمالية التي لا وجود لها ، وإنما جاء القصور من انهم كانوا يفهمون الأمة ، ويعرفون القومية ، ويناضلون من أجل الوحدة بمنهج ليبرالي . والليبرالية تعلم الناس ” كيف يتحررون ولكن لاتعلمهم ماذا يفعلون بالحرية” .

 

ثم تنتهي الحرب الأوروبية الثانية (1939- 1945) ويبدأ النضال من أجل التحرر يأتي ثماره وتتحرر أقاليم عدة من الاستعمار الظاهـر . ويصبح المنتصرون في معارك التحرر مطالبين بأن يستفيدوا من التحرر الذي كسبوه في تغيير الواقع العربي ، المجزأ سياسياً ، المتخلف اقتصادياً . وتصبح أهم الأسئلة المطروحة عليهم دائرة حول العلاقة بين الوحدة والتغيير الاجتماعي فتنشق الحركة الى جناحين متميزين :

 

الجناح الأول يفهم الأمة والقومية والوحدة فهماً ليبرالياً ، فهو لا يعرف علاقة بين الوحدة والتغيير الاجتماعي . بل يرى ان إقحام القضايا الاجتماعية على القضية القومية يشوه نقاءها ويصد عنها كثيرين فيمزق قواها ويعوّق الوحدة العربية. وهو يدعو الى تأجيل . كافة القضايا الاجتماعية الى ما بعد الوحدة. ويزعم أن كل شيء ” بعد الوحدة ” سيسير سيرأ طبيعيأ . كيف؟… لا يعرف . اما عن مشكلة التخلف فان رفع القيود عن النشاط الاقتصادي وإطلاق المجال أمام المبادرات الفردية سيؤديان الى النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي . كيف؟… لا يعرف ايضأ . إنما له هنا حجة من تاريخ الرأسمالية الاوروبية. ولكن الممارسة لا تلبث ان تكذب دعاوى الليبرالية في الوطن العربي على وجه لم يعرفه الليبراليون من قبل. ذلك لأن الليبراليون العرب دخلوا ميدان المنافسة الرأسمالية بدون رصيد علمي أو مالي أو مادي او بشري في وقت كانت الرأسمالية العالمية قد قضت فيه على حرية المنافسة وتحولت الى نظام احتكاري عالمي . فكانت عوامل الفشل مضاعفة. ولم تكن أمام الرأسماليين العرب أية فرصة ليؤدوا الدور الخلاق الذي قام به رواد الرأسمالية في أوروبا . فاحتوتهم الاحتكارات العالمية . تقدم إليهم خبرتهم ورؤوس أموالهم وتقيم لهم المنشآت ثم تستخدمهم في إدارتها فإذا هم تابعون ثقافياً ومالياً ومادياً وإدارياً للقوى الاستعمارية ، فيفقدون خفية الحرية التي كسبوها علناً . ويعود الاستعمار من جديد في شكل جديد الى المواقع التي غادرتها جيوشه . وتؤدي الليبرالية الى تجريد القومية حتى من مضمونها التحرري فيموت هذا الجناح . يموت كجناح من الحركة القومية وان بقي أفراداً وجماعات من العملاء أو التابعين للاحتكارات العالمية ، يناهضون القومية بكل الطرق بما فيها ادعاء القومية ويروجون لوحدة تضع الوطن العربي كله في قبضة استعمارية واحدة .

 

أما الجناح الثاني فقد بقي وحده يمثل الحركة القومية وان ظلت قواه متفرقة . فهو يكافح كفاحاً مستميتاً لانجاز مرحلة التحرر القومي والحيلولة دون عودة الاستعمار في شكله الخفي الجديد . وهو يدعو الى الوحدة ويعمل على تحقيقها . وهو يحاول تجاوز مرحلة التخلف في الأرض المتحررة . كل هذا معاً . وهو ما يزال يفهم الأمة والقومية فهماً ليبرالياً موروثاً ، ولما كان هذا الفهم الليبرالي للقومية لا يقدم له معرفة تذكر بكيفية التغيير الاجتماعي وعلاقته بالوحدة القومية فقد لجأ الى منهج ” التجربة والخطأ ” وادان بقوة ، ولفترة طويلة ، الالتزام العقائدي وأسماه جموداً ، واصطناعاً وادعاءاً… وجرب ما شاء ، وأضاع في التجارب جهوداً وطاقات وفيرة الى أن اهتدى الى الحل الاشتراكي ” كضرورة ” فرضها عليه التخلف الاقتصادي وفشل تجارب التنمية عن طريق الرأسمالية . فطرح على الحركة القومية التي أصبحت ممثلة في هذا الجناح السؤال القديم بصيغة جديدة . لم يعد سؤالاً عن علاقة الوحدة بالتغيير الاجتماعي ، بل أصبح عن العلاقة بين الوحدة والاشتراكية على وجه التحديد .

 

وفي الإجابة على هذا السؤال نجد أنفسنا أمام تيارين داخل الحركة القومية العربية . أحدهما تيار سائد والآخر تيار صاعد . وهما تياران مختلطان ، لا منفصلان ، ولامفرزان، ولامتضادان . السائد منهما يمثل

 

الحركة القومية بسماتها العامة والصاعد يمثل ذات الحركة في تطورها نحو النضج والبلورة . السائد هو التجربة كما هي والصاعد هو خلاصة التجربة وعبرتها . أو نقول أن التيار الصاعد هو ابن تجربة التيار السائد وخلقها ، لم يوجد من خارجها بل هي التي أوجدته من معاناتها النضالية .

 

أما التيار السائد فما يزال يفهم الأمة أو القومية كما تعلمها من أساتذة الفكر القومي الأوائل فهي سلبية بالنسبة الى مشكلات التغيير الاجتماعي . ومن هنا تبقى الوحدة مطلباً قومياً يصر عليه ويبرره ليبرالياً وان كان لايعرف علاقته بالاشتراكية . أما الاشتراكية فقد عرفها بالتجربة كضرورة لتخطي مرحلة التخلف الاقتصادي . فهي مطلب قائم على أساس مستقل . وهما معاً مطلبان كان من حظنا التاريخي ان نحتاج اليهما معاً . فيكفي ألا يكون بينهما تناقض ولكن لايلزم على أي حال أن تقوم الوحدة والاشتراكية على أساس فكري واحد . والعبرة بما نحققه في الممارسة بغير قيد من النظريات مع الحفاظ في كل خطوة على المكاسب التحررية .

 

والواقع انه تيار عريض تنتمي إليه قوى كثيرة قد لا يكون هناك شك في إخلاصها للحرية والوحدة والاشتراكية، وقد لا يكون فيما تبذله من جهد قصور عن امكانياتها المتاحة، ولكن ثمة شك كبير في معرفتها كيف تغير الواقع العربي على وجه تتحقق به شعاراتها .

 

فهي تنتقل من نجاح إلى فشل ، ومن صعود إلى نكسة ، ومن نصر إلى هزيمة. وهي تحاول تصحيح مسيرتها المضطربة بنسبة الخطأ إلى الممارسة على وجه يمكن تصحيحه بمزيد من التنظيم أو إلى القومية على وجه يمكن تصحيحه بتأجيل الوحدة أو إلى الاشتراكية على وجه يمكن تصحيحه بالتراجع عنها . التراجع عنها ولو عن طريق “اليسار الطفولي” . وفي كل يوم لها موقف تجريبي جديد وإن كانت ما تزال صامدة في موقفها من قضايا التحرر.

 

أما التيار الصاعد، في قلب الحركة القومية العربية، فيرى أن الحساب الختامي لأية مسيرة غير عقائدية خسارة فادحة. وأنه ما دامت حركة المجتمعات منضبطة بقوانين حتمية معروفة أو تمكن معرفتها، وأن معرفة تلك القوانين وشروط فعاليتها لازمة لإمكان تغيير الواقع الاجتماعي، فإذا كنا قد فشلنا مرة ، ومرة، ومرات فأن هذا لا يعنى أن نصر على التجريب في حياة الناس بل يعني أن علينا أن نبذل جهدآ أكبر في معرفة كيف نغير واقعنا. وأن المصدر الأساسي للفشل لم يكن خطأ الممارسة أو خطأ في القومية أو خطأ في الاشتراكية ولكن مرجعه أن الفهم ” الليبرالي ” للقومية لا يعلمنا العلاقة بين الوحدة والاشتراكية، فيبقى الموقف القومي من الاشتراكية مفتقدآ أساسه الفكري ، وأن المنهج ” التجريبي ” في الاشتراكية لا يعلمنا العلاقة بين الاشتراكية والقومية فيبقى الموقف الاشتراكي من الوحدة مفتقداً أساسه الفكري . وان هذا القصور في ” النظرية ” قد سمح بأن تختلط بالقوى القومية التقدمية ، داخل الحركة القومية ، قوى رأسمالية متراجعة أو لا قومية متراجعة أو انتهازية ترفع جميعاً شعارات واحدة وتحتفظ كل منها بفهم خاص وتفسير خاص للشعارات الموحدة . فإذا بالحركة القومية ” المنتفخة ” بقواها غير قادرة على أن تحقق شعاراتها أو حتى أن تجمع في قوة واحدة جماهيرها العريضة . وأن الفشل المتكرر يعني أن ثمة خطأ ما في المسيرة كلها لا يكفي لتصحيحه مجرد الجمع في شعار واحد بين الحرية والوحدة والاشتراكية . فلا بد لنا من ” نظرية ” لتغيير الواقع العربي أكثر وضوحاً وأكثر بلورة وأكثر مقدرة على فرز القوى المختلطة داخل الحركة القومية . نظرية نلتقي بها في قوة واحدة ولو كانت أقل عدداً . ونلتزم فيها بخطة واحدة ولو كانت أطول مدى . وتقود خطانا ولو كانت أبطأ حركة . فإننا حينئذ سنتقدم تقدماً مطرداً بدلاً من أن نقفز إلى الأمام لنعود فنقفز الى الخلف ولا نتقدم الا قليلاً . وأن علينا أن نهتدي الى هذه النظرية ولو اقتضى هذا أن نراجع كل ما نعرف عن القومية وكل ما نعرف عن الاشتراكية . وما دمنا نريد أن نغير واقعنا العربي المجزأ سياسياً المتخلف اقتصادياً فلا ينبغي لنا أن نسلم بنظرية في القومية لا تعلمنا كيف نحقق الاشتراكية أو نظرية في الاشتراكية لا تعلمنا كيف نحقق الوحدة . وإذا اقتضى الأمر نبحث في مستوى أعمق من هذا لعلنا نعرف لماذا تفشل تلك النظريات في تعليمنا كيف نغيّر واقعنا العربي فتفشل مسيرتنا بالرغم مما نبذل من جهد وما نقدم من تضحيات . وأول ما يجب ان نعرفه هو كيف عرف أصحاب تلك النظريات في القومية أو في الاشتراكية أن القومية أو الاشتراكية هي- حقيقة – على الوجه الذي قالوه وتعلمناه منهم . فلعلنا أن نعرف من حقيقة القومية أو الاشتراكية غير ما يعرفون . أي أن علينا أن نعرف ونختبر مناهجهم قبل أن نقبل أو نرفض نظرياتهم ، وقبل أن نمارسها أو نجربها في تغيير الواقع العربي . وهذا لا يتأتى لنا إلا إذا كنا قد تعلمنا كيف يتغير الواقع الاجتماعي عربياً كان أو غير عربي . ومهما يكن الوقت أو الجهد الذي نبذله لنتعلم فإن مسيرتنا ستكون مسيرة منتصرة . ومهما أدى هذا الى كشف الاخطاء التي عشنا أو نعيش تحت تأثيرها فإن تلك ثورة ثقافية لا بد لنا من أن نقبل ما تؤدي اليه ليكون التقاؤنا في الممارسة التقاء عقائدياً فننتصر .

 

لا يعني هذا أن نتوقف عن مواجهة المشكلات التي يطرحها واقعنا العربي ونكف عن معالجتها بما هو متاح إلى ان نهتدي الى نظرية ، بل يعني ان نضيف الى جهدنا في التقدم بما هو متاح جهداً آخر في سبيل التقدم بما يجب أن يكون .

 

في خدمة هذا التيار الصاعد في قلب الحركة القومية العربية اجتهادات فكرية كثيرة ينتمي اليها هذا الحديث . وقد عرفنا منه – حتى الآن – أنه لكي نعرف نظرية تغيير الواقع لا بد لنا من أن نعرف منهج تغييره ( فقرة 1 ) . وان معرفة ذلك المنهج ممكنة لأن كل الاشياء والظواهر منضبطة في حركتها بقوانين حتمية معروفة أو تمكن معرفتها ( فقرة 2 ) ، وان ذلك مسلّم بالنسبة الى الطبيعة المادية ولكنه يصطدم في التغيير الاجتماعي بما يبدو من تناقض بين حتمية قوانين التغيير الاجتماعي وحرية ارادة الانسان ( فقرة 3 ) وأن ثمة محاولات عديدة لاكتشاف حل لذلك التناقض ( فقرة 4) وأن الليبرالية كانت واحدة مبكرة من تلك المحاولات ( فقرة 5 ) وان المنهج الليبرالي لم يصدق في الممارسة التي تمت على هديه ( فقرة 6 ) .

وعندما نتحرر من الليبرالية نعود مرة أخرى ونجد أنفسنا أمام مشكلة المنهج .

 

نظرية الثورة العربية (2)

إرسال تعليق

0 تعليقات