محمود جابر
مفتتح (1)
بما ان العقيدة حكما لا
يقبل الشك، فكل اعتقاد لا يخلق جدلا صفريا من العجز أن تتناوله من زاوية العقيدة،
لماذا؟ لأنك سوف تفتح بابا من الجدل لا ينتهى ...
ولكن إذا ما تجاوزنا العقيدة فى النقاش هنا يمكن ان نبتكر وسائل إبداعية
فى الاستدلال يمكن ان تكون لها حجية العقيدة على العقل الإنساني وليس العقل الاعتقادي
وفقط ...
من هذه القضية قضية الإمامة والتي بعد طول بحث اعتقادي لم أجد بابا
أرحب من البحث العقلي والاستدلال المعرفي فى إثبات ان الإمامة أوسع وأرحب مساحة من
إثبات من يحكم من ؟
فالإمام فى القضية اللغوية أوسعا مجالا ونطاقا من أن يكون القصد
فيها هو الحاكم ...
مفتتح (2)
إذا كانت الإمامة فرعا من الرسالة أو النبوة، فيجب ان يتحلى الإمام
– من وجهة نظر من يعتقد بمعصوميته- بنفس صفات النبي أو الرسول، وحينما يصف الله
تعالى رسوله بأنه ليس بفظا غليظ القلب، أى ان النبى كان رقيقا عطوفا يبحث عن
المصلحة للأمة وللدين، فيجب ان يكون هذا سمت الإمام، ان يكون عطوفا رقيقا بحثا عن
مصلحة الأمة والدين.
فلا يغضب ممن يرتكب معصية؛ تئولا، أوحتى لكان فى نفسه غرض، ولان
هذا المتأول أو صاحب الغرض لا يستطيع حجب دور الإمام لان دوره أعمق شانا من ان
تحجبه سلطة، ولهذا فإنه يدور مع القيمة حيث تدور بغض النظر جاءت من اى طرف فهو
أسوة والأسوة طبيب يعالج القلوب قبل الأبدان ويصلح من شأنها فهذا هو النبى وهذا هو
الإمام أسوة .
***
إن مفهوم الإمامة مفهوما يتجاوز السلطة، فالسلطة مهما طال بها
الزمان حتما تزول ويزول آثارها وحتى لو أطلق على الحاكم لفظ أمام فهو لفظ إجرائى
لا يعنى اكثر من انه رأس السلطة وربما يكون للسلطة اكثر من رأس، لكن المفهوم
الفلسفى للإمام وهو ما يعنى امتلاك ناصية العلم والحكمة، والحكمة منحة ربانية تتجاوز الزمان والمكان وتبقى سلطة الإمام
حاكمة و راسخة متجاوزة الزمان والمكان وحتى البعد الاعتقادى بعكس الإمام الإجرائى
الذى تولى سلطة زمنية برغبة الناس او وفق مصالحهم فحتما سلطته لا تتجاوز الزمان ولا
تتجاوز المكان ويدرسه التاريخ درسا فى المقابل فالإمام فلسفيا ووعيا هو الذى نصبته
الحكمة الإلهية يدور حوله الزمان ولا يستطيع تجاوزه.
فوجود أمام زمانى يحكم النفوس لا يعنى التقدم على الإمام الحكيم
الذى يحكم القلوب فالأول مؤقت والثاني طاغ متسرب داخل النفوس حتى تلك التى لم تزعن
لإمامته.
وعدم الإدراك لا يعنى الإثم فالتكليف قرين الحساب وفى هذا الحقل لا
يكفى المعرفة وفقط بيد ان الإدراك هو الحكم فموسى كان يعرف قيمة العبد الصالح ولكن
لم يدرك أبعاد تصرفاته فعصاه وعصيانه ليس ذنب لأنه عرف ولم يدرك، لهذا سأل عن مالم
يدركه...
فلا عجب ان يكون علاقة الإمام على بن ابى طالب بالخلفاء علاقة
طيبة، ولانه الإمام أمير المؤمنين والذى أوتى الحكمة ومن يؤتى الحكمة فقد أوتى
خيرا كثير، فهل يحزن او يغضب على ملك زائل؟!!
أو هل لم يدرك الامام ان النفوس التى لا تدرك يمكن ان تقع فى
المعصية متأولا او غير متأوله، ولكن هل الإمام يمكن ان يعامل الناس كما يعاملونه
او لا يترفع عن دنياهم ويبقى راعيا للجميع، اعتقد ان من يذهب الى غير ذلك لا يعرف
معنى الحكمة التى وهبها الله للأئمة ...
فالأمر لا يتعلق بهم، بقدر ما يتعلق بصاحب الحكمة... والسلام
0 تعليقات