آخر الأخبار

تدريبات أولية على الكتابة الأدبية: ثقافة الأندر

 

 


 

ناصر السيد

 

 

الفنون جميعها تنهض على أسس وقواعد مرتبطة ارتباطا وثيقا بها ، وتنبع من داخلها ، وتتصل في ذات الوقت بالفنون المتشابهة معها ، يستوي في ذلك فنون الشعر والنثر ، ويستوي في ذلك فن الباليه، وفن السينما ، وغيرهما ...

 

وأى تناول أو نقد له علاقة بهذه الفنون فلابد أن يكون نقدا فنيا وليس نقدا أخلاقيا ، وإلا حكمت على هذه الفنون بأنها لا تصلح للعرض ويجب التخلص منها ، فتاة الباليه مثلا لن أرى فيها إلا سيدة عارية الساقين والفخذين ، وهنا يصبح الحديث بلا معنى ولو طبقنا هذه المعايير الأخلاقية على الشعر العربى ، وحتى هذا الشعر الذى يدرس للناشئة في مدارسنا لقمنا بحرقه على الفور .

 

إن العرب منذ القديم لهم مؤلفات في النقد الفنى، والكثير منها قد حسم هذه القضية ، وهى وضع معايير أخلاقية وتطبيقها على الأدب ، فالمعايير التى وضعوها معايير فنية .

 

والعرب المسلمون فى مرحلة البدايات هم الذين حافظوا ونقلوا - بحرص وأمانة - التراث الشعرى والأدبي للعصر الجاهلى بكل ما فيه من إلحاد وتهتك ومجنون ... أى أنه يخالف الدين والأخلاق ، ومع ذلك كانوا أمناء فى نقله لنا ، بل استفادوا بالكثير منه .

 

هل يمكن أن تتحول لقطة سينمائية خاطفة لم تستغرق إلا ثوانى معدودة فى فيلم سينمائى ل ( أندر ممثلة ) لقضية رأى عام ، ويدخل على الخط ( عمرو أديب ) و ( مصطفى بكرى ) للهجوم عليها مما يفتح الباب لمزيد من علامات الاستفهام حول هذه القضية ؟؟ !! إن أنادر (جمع أندر ) جميع الممثلات لا تستطيع أن تحرك في الشعب كل هذا الهوس إلا إلا كان هذا الشعب فاقدا لعقله ، ولا ينظر إلى الحياة إلا نظرة ( أندريه ) نسبة إلى الأندر .

 

لا أناقش الفيلم لأنه عمل فنى مركب يتداخل فيه التمثيل والموسيقى بالتصوير والملابس ، وقد يكون فيلما متواضع المستوى ، وقد يكون تافها أو يهدف إلى الإثارة فحسب. لا أناقش كل ذلك وإنما أناقش ما ينبغى أن يخضع له ، وهو النقد الفنى من المتخصصين ، ولا أعفيه من المسئولية فى توصيل رسالته .

 

إن ( سعودة ) المجتمعات العربية منذ حقبة السبعينيات ، وما بعدها هى التى صنعت ذلك فى العقل العربى. ...تلك الحقبة البترولية قد وظفت أموالها الطائلة - بجوار عوامل سياسية واقتصادية ومساندة من السلطات والمؤسسات المحلية والعالمية - وساهمت مساهمة فعالة على تخريب العقلية العربية ، وتخلف وتراجع وعى وثقافة شعوب المنطقة حين عملت على نشر المذهب الوهابى ، وقيم البداوة بدلا من العمل على توظيف هذه الثروات على نهضة الشعوب وتقدمها ( وقال أقر ولى العهد السعودى من بكلمات لا تحتمل التأويل أو اللبس ) وكثير من الذين سافروا إلى دول الخليج فى الربع الأخير من القرن العشرين عادوا محملين برياح البداوة والتخلف فى نمط التفكير والتدين السطحي ، رغم أنه تعلم فى المدارس المصرية تعليما مدنيا ممتازا ، وتمكنت هذه الأفكار من الشخصية المصرية طوال العقود الماضية . وقد نحتاج إلى عقود أخرى لعلاج هذا التشوه الذى أصاب الشخصية المصرية على المستوى الثقافى ومناهج التعليم والبرامج الاقتصادية .

 

وهذا ماجعلنا نرى كل شيء فى حياتنا من خلال ثقافة الأندر .

 

إرسال تعليق

0 تعليقات