آخر الأخبار

الدولة الحمدانية… التشيّع المشرق

 


 

 

 

عز الدين البغدادي

 

 

هي دولة يرجع نسب امرائها الى حمدان بن حمدون، أسَّسها أبو محمد الحسن بن أبي الهيجاء الشهير بِلقب «ناصر الدولة» في مدينة الموصل، وامتدَّت لاحقًا باتجاه حلب وسائر الشَّام الشماليَّة وأقسامٌ من جنوب الأناضول واستمرت من الى 317 هـ الى 394 هـ.

 

عاشت حلب في عصر الدولة الحمدانية ذروة عصرها الحضاري لا سيما في عهد سيف الدولة الحمداني حيث أصبحت أهم المراكز العلمية والثقافية في العالم الإسلامي وملتقى رجال العلم والفكر والأدب، وكان الحمدانيون يقربون الكفاءات ويجزون المخلصين لوطنهم ويكافئون المبدعين بغض النظر عن دينهم وانتمائهم فكان أقرب الناس إلى سيف الدولة ابن دنحا وكان نصرانياً، كما كان كبير أطبائه عيسى الرقي وهو نصراني أيضاً، والفلكي والرياضي ديونيسيوس بطريرك اليعاقبة والمجتبي الأنطاكي وقيس الماروني وغيرهم. ومن الشعراء أبو الطيب المتنبي وأبو فراس الحمداني ومن علماء اللغة والأدباء التي ضمتهم اللغوي أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني صاحب كتاب "الوساطة بين المتنبي وخصومه"، والنحوي اللغوي الكبير أبو الفتح ابن جني، وأبو علي الفارسي، وابن خالويه وأبو الطيب اللغوي وابن نباتة وأبو الفرج الأصفهاني صاحب كتاب "الأغاني" الذي أهداه إلى سيف الدولة، ومن الجغرافيين ابن حوقل الموصلي صاحب كتاب "المسالك والممالك" وغيرهم. فضلا عن الفيلسوف والموسيقي أبو نصر الفارابي، كما اشتهر في الطب عيسى الرَّقي وابن كشكرايا.

 

اهتم سيف الدولة الحمداني بالعمران فقام بتشييد العديد من المساجد، واهتم ببناء الحصون المنيعة والقلاع القوية لرد هجمات الروم كما شهدت الحياة الاقتصادية ازدهاراً ملحوظاً في العديد من المجالات، فمن ناحية الزراعة كثرت المزروعات، وتنوّعت المحاصيل فجادت الزراعة بالخيرات الوفيرة على حلب كما وظهرت الصناعات العديدة ونشطت التجارة، وظهر العديد من المراكز التجارية المهمة في حلب والموصل والرقة وحرّان وغيرها.

 

ورغم صغر الدولة الحمدانية، فقد وقفت سدا منيعا ضد الروم البيزنطينيين وهزمتهم وكسرت شوكتهم حتى وصلت جيوشهم إلى مدن لم تطأها أقدام المسلمين مثل مدينة قاليقلا ومدينة هفجيج التي كانت لا تزال في طور الإنشاء، فلما سمعوا أن سيف الدولة في الطريق إليها خربوا ما قاموا بإنشائه فيها من البناء ولاذوا بالفرار.

 

كان الحمدانيون شيعة أثني عشرية، إلا أنهم كانوا يمثلون التشيع العروبي الناصع لذا فإنها لم تدخل في الطقوسيات، ولم تنفصل عن حال الامة العام بل كانت في المقدمة في العلم والجهاد والبناء.. كانت نموذجا راقيا لأنهم لم يسمحوا للحالة المذهبية أن تحجزهم عن الأمة من جهة ولا عن الحياة وما تحتاج إليه من قيم للنجاح والاستمرار. وواقعا فقد كانت هذه الدولة واحدة من أرقى دول الإسلام في مواقفها وعطائها.

 

إرسال تعليق

0 تعليقات