نحن لن نستسلم، ننتصر أو نموت ... عمرالمختار
عمر المختار في معاركه
الأولى ضد إيطاليا
عندما اندلعت الحرب الليبية الايطالية عام 1911م كان عمر المختار
وقتها بواحة (جالو) خفّ مسرعاً الى زاوية (القصور) وأمر بتجنيد كل من كان صالحا
ًللجهاد من قبيلة العبيد التابعة لزواية (القصور) ، فاستجابوا نداءه، واحضروا
لوازمهم، وحضر أكثر من ألف مقاتل، ..
وكان عيد الأضحى من نفس السنة الهجرية على الأبواب أي لم يبق عنه
إلا ثلاثة أيام فقط، ولم ينتظر السيد عمر المختار عند أهله حتى يشاركهم فرحة
العيد، فتحرك بجنوده وقضوا يوم العيد في الطريق وكانت الذبائح التي أكل المجاهدين
من لحومها يوم العيد من السيد عمر المختار شخصياً، ..
ووصل المجاهدون وعلى رأسهم عمر المختار وبرفقته احمد العيساوي الى
موقع بنينه حيث معسكر المجاهدين الذي فرح بقدوم نجدة عمر المختار ورفقائه ثم شرعوا
يهاجمون العدو ليلاً ونهاراً وكانت غنائمهم من العدو تفوق الحصر ...(*1)
وقد بينت دور الزوايا في جهادها ضد ايطاليا في الجزء الثاني عن
الحركة السنوسية والذي سميته سيرة الزعمين محمد المهدي السنوسي ، وأحمد الشريف.
● ويذكر الشيخ محمد الأخضر العيساوي بأنه كان قريباً من عمر
المختار في معركة السلاوي عام 1911م فوصف لنا بعض أحداث تلك المعركة فقال:
(..وقد فاجأنا العدو فقابله من المجاهدين الخيالة، بينما كان العدو
يضربنا بمدافعه الرشاشة واضطررنا للنزول في مكان منخفض مزروعاً بالشعير وكانت
السنابل تتطاير بفعل الرصاص المنهمر، فكأنها تحصد بالمناجل، ...
وبينما نحن كذلك إذ رأينا مكاناً منخفضاً أكثر من المكان الذي نحن
فيه، وأردنا أن يأوى إليه السيد عمر المختار بسبب خوفنا عليه فرفض بشدة حتى جاءه
احد أتباعه يدعى السيد الأمين ودفعه بقوة الى المكان الذي اخترناه لإيوائه وحاول
الخروج منه فمنعناه بصورة جماعية......) .....(*2).
● كما أشار الشيخ محمد الأخضر الى إعجاب الضباط الأتراك به
وبشجاعته وبالآراء السديدة التي تصدر عنه فكأنما هي تصدر من قائد ممتاز تخرج عن كلية
عسكرية،...
وكان قدومه الى معسكرات المجاهدين مشجعاً وباعثاً للروح المعنوية
في قوة خارقة وقد تحدثت في سيرة احمد الشريف في الجزء الثاني عن الحركة السنوسية
عن حركة الجهاد في أيامها الأولى ضد ايطاليا،...
وكان عمر المختار من المقربين للشيخ احمد الشريف السنوسي، وبعد
هجرته لازم عمر المختار الأمير محمد إدريس وقام بواجباته خير قيام وبعد هجرة
الأمير الى مصر تولى أمر القيادة العسكرية بالجبل الأخضر، ..
وأخذ في تهيئة النفوس لمجابهة العدو وبدأ جولاته في أنحاء المنطقة
للاتصال بالأهالي وزعمائهم، بل وبالأفراد كخطوة اولى للعمل الجديد الشاق في نفس
الوقت، وقام بفتح باب التطوع للجهاد، ..
فأقبل الليبيين من ابناء قبائل الجبل بوجوه مستبشرة وقلوب مطمئنة
وتلهف على مجابهة العدو الغادر، وكانت ترافقه لجنة مكونة من أعيان وشيوخ قبائل
المنطقة (البراغيث، والحرابي، والمرابطين) لمساعدته في عمله العظيم ....
وكان من بينهم :
بوشديق بومازق حدوث، الصيفاط بوفروة،
محمد بولقاسم جلغاف، حمد الصغير حدوث،
دلاف بوعبدالله، محمد العلواني، سويكر عبدالجليل،
موسى بوغيضان، الغرياني عبدربه بوشناف،
عبدالله الخرساني، عوض العبيدي، رجب بوسيحة،
رواق بودرمان، كريم بوراقي ، قطيط الحاسي،
وغير هؤلاء من علية القوم، فزار أغلب منطق الجبل والبطنان، وكان
سمو الأمير قد وصل الى مصر (يناير 1923م) وما كاد السيد عمر ينتهي من جولته هذه
ويطمئن للنتائج حتى قرر الالتحاق بسمو الأمير في مصر ليعرض عليه نتيجة عمله ويتلقى
منه التوجيهات اللازمة....(*3).
سفر عمر المختار الى مصر
سافر في شهر مارس سنة 1923م الى مصر بصحبة علي باشا العبيدي وترك
رفقائه عند بئر الغبي حتى يعود إليهم، واستطاع اجتياز الحدود المصرية وتمكن من
مقابلة السيد ادريس بمصر الجديدة ،..
وكان عمر المختار عظيم الولاء للسنوسية وزعمائها وشيوخها وظهر ذلك
الولاء في إقامته بمصر عندما حاول جماعة من قبيلة المنفة وهي قبيلة السيد عمر
المختار، وكانوا قد اقاموا بمصر، أن يقابلوا السيد عمر للترحيب به،...
فاستفسر المختار قبل ان يأذن لهم بذلك عما أذا كانوا قد سعوا
لمقابلة الأمير عند حضوره الى مصر، فلما أجاب هؤلاء بالنفي معتذرين بأن أسباباً
عائلية قهرية منعتهم من تأدية هذا الواجب رفض المختار مقابلتهم قائلاً:
(وكيف تظهرون لي العناية وتحضرون لمقابلتي وأنتم الذين تركتم شيخي
الذي هو ولي نعمتي وسبب خيري. أما وقد فعلتم ذلك فإني لا أسمح لكم بمقابلتي ولا
علاقة من الآن بيني وبينكم).....(*4).
فما إن بلغ السيد إدريس مافعله عمر المختار مع من جاء إليه من
أبناء قبيلته حتى أصدر أمره بمقابلتهم فامتثل المختار لأمره.....(*5).
حاولت ايطاليا بواسطة عملائها بمصر الاتصال بالسيد عمر المختار
وعرضت عليه بأنها سوف تقدم له مساعدة إذا ماتعهد باتخاذ سكنه في مدينة بنغازي أو
المرج، وملازمة بيته تحت رعاية وعطف ايطاليا، ...
وأن حكومة روما مستعدة بأن تجعل من عمر المختار الشخصية الأولى في
ليبيا كلها وتتلاشى أمامه جميع الشخصيات الكبيرة التي تتمتع بمكانتها عند ايطاليا
في طرابلس وبنغازي، ....
وإذا ما أراد البقاء في مصر فما عليه إلا أن يتعهد بأن يكون لاجئاً
ويقطع علاقته بإدريس السنوسي، وفي هذه الحالة تتعهد حكومة روما بان توفر له راتباً
ضخماً يمكنهّ من حياة رغدة، .....
وهي على استعداد أن يكون الاتفاق بصورة سرية وتوفير الضمانات لعمر
المختار ويتم كل شيء بدون ضجيج تطميناً لعمر المختار وقد طلبت منه نصح الأهالي بالإقلاع
عن فكرة القيام في وجه ايطاليا.. ....(*6)
وقد أكد عمر المختار هذا الاتصال وهو في مصر لما سئل عن ذلك وقال:
{ ثقوا أنني لم أكن لقمة طائبة يسهل بلعها على من يريد، ومهما حاول
أحد أن يغير من عقيدتي ورأي واتجاهي، فإن الله سيخيبه، ومن (طياح سعد) إيطاليا
ورسلها هو جهلها بالحقيقة.....
وأنا لم أكن من الجاهلين والموتورين فادعي أنني أقدر أعمل شيئاً في
برقة، ولست من المغرورين الذين يركبون رؤسهم ويدعون أنهم يستطيعون أن ينصحوا
الأهالي بالاستسلام،
إنني أعيذ نفسي من أن أكون في يوم من الأيام مطية للعدو وأذنابه
فأدعوا الأهالي بعدم الحرب ضد الطليان، وإذا لاسمح الله قدّر عليّ بأن أكون
موتوراً فإن أهل برقة لايطيعون لي امراً يتعلق بإلقاء السلاح...
إنني أعرف أن قيمتي في بلادي إذا ماكانت لي قيمة أنا وأمثالي فأنها
مستمدة من السنوسية... ...(*7).
لقد استمرت عروض الايطاليين على عمر المختار حتى بعد رجوعه للبلاد
وحاولوا استمالته بالمال الطائل، والمناصب الرفيعة ، والجاه العريض في ظل حياة
رغيدة ناعمة ولكنهم لم يفلحوا ،
لقد كان عمر المختار رجل عقيدة، وصاحب دعوة ومؤمناً بفكرة استمدت أصولها
وتصوراتها من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ويفهم جيداً معنى قول
الله تعالى: {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها مانشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم
يصلاها مذموماً مدحوراً ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم
مشكوراً} (الإسراء ، الآية ).
وعندما خرج السيد عمر المختار من مصر قاصداً برقة لمواصلة الجهاد
اجتمع به مشايخ قبيلته الموجودون بمصر من المتقدمين في السن وحاولوا أن يثنوه عن
عزمه بدعوى أنه قد بلغ من الكبر عتيا وان الراحة والهدوء ألزم له من أي شيء آخر
وأن باستطاعة السنوسية أن تجد قائداً غيره لتزعم حركة الجهاد في برقة، ....
فغضب عمر المختار غضباً شديداً وكان جوابه قاطعاً فاصلاً فقال
لمحدثيه:
{إن كل من يقول لي هذا الكلام لا يريد خيراً لي لأن ما أسير فيه
إنما هو طريق خير ولا ينبغي لأحد أن ينهاني عن سلوكها، وكل من يحاول ذلك فهو عدو
لي}... ....(*8).
لقد كان عمر المختار يعتقد اعتقاداً راسخاً أن ما كان يقوم به من
الجهاد إنما هو فرض يؤديه وواجب ديني لامناص منه ولا محيد عنه ولذلك أخلص في عمله
وسكناته واحواله وأقواله لقضية الجهاد في ليبيا ..👍
وكان يكثر من الدعاء لله تعالى بأن يجعل موته في سبيل هذه القضية
المباركة، فكان يقول:
{ اللهم اجعل موتي في سبيل هذه القضية المباركة}..(*9)
وأصر على البقاء في أرض الوطن الحبيب وقال:
{لا أغادر هذا الوطن حتى ألاقي وجه ربي والموت أقرب الى من كل شيء
فإني أترقبه بالدقيقة}.....(*10).
وعندما عرض عليه أن يترك ساحة الجهاد، ويسافر الى الحج قال : {لن
أذهب ولن أبرح هذه البقعة حتى يأتي رسل ربي وان ثواب الحج لايفوق ثواب دفاعنا عن
الوطن والدين والعقيدة}... ...(*11).
وقال: {كل مسلم الجهاد واجب عليه وليس منه، وليس لغرض أشخاص وإنما
هو لله وحده}....(*12).
👌 إن هذه الكلمات التي كتبت بماء الذهب على صفحات تاريخنا المجيد
نابعة من فهم عمر المختار لقوله تعالى: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام
كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لايستوون عند الله والله لايهدي
القوم الظالمين ○ الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله باموالهم وأنفسهم أعظم
درجة عند الله وأولئك هم الفائزون يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها
نعيم مقيم ○خالدين فيها أبداً إن الله عنده أجر عظيم} (سورة التوبة، الآيات 29،
20،21).
ومن فهمه لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)...
(*13)
ولقوله صلى الله عليه وسلم :
(من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون
دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد)......(*14).
👌 إن هذه الآيات الكريمة والاحاديث الشريفة، كانت المنهج العقدي
والفكري الذي تربت عليها كتائب المجاهدين وقادتها الكرام الذين تربوا في احضان
الحركة السنوسية.
تم الاتفاق بين الأمير إدريس وعمر المختار على تفاصيل الخطة التي
يجب أن يتبعها المجاهدون في جهادهم ضد العدو الغاشم المعتدي على أساس تشكيل
المعسكرات، واختيار القيادة الصالحة لهذه الأدوار، وأن تظل القيادة العليا من نصيب
عمر المختار نفسه 👍
وزوده الأمير بكتاب الى السيد الرضا بهذا المعنى وتم الاتفاق على
بقاء الأمير في مصر ليقود العمل السياسي، ويهتم بأمر المهاجرين ويضغط على الحكومة
المصرية والانكليزية بالسماح للمجاهدين بالالتجاء الى مصر، ...
وليشرف على إمداد المجاهدين بكل المساعدات الممكنة من مصر، ويرسل الإرشادات
والتعليمات اللازمة الى عمر المختار في الجبل واتفق على أن يكون الحاج التواتي
البرعصي حلقة الوصل بين الأمير وقائد الجهاد، ...
وبعد ذلك الاتفاق غادر عمر المختار القاهرة، وعند وصوله الى السلوم
وجد بعض رفقائه في انتظاره، فأخذ الجميع حاجتهم من المؤن الكافية لرحلتهم الى
الجبل الأخضر وغادروا السلوم الى برقة... ....(*15).
وقد حدث في أثناء وجود عمر المختار أن اشتبك المجاهدون مع الطليان
في معركتين كبيرتين في بير بلال والبريقة في ذي القعدة 1341هـ/ 1923م ، فأنتصر
المجاهدون على الطليان في معركة بير بلال بقيادة المجاهد قجة عبدالله السوداني
واستشهد كل من المهدي الحرنة، والشيخ نصر الأعمى وغيرهم، ...
وقد ساهم في هذه المعركة صالح الاطيوش، والفضيل المهشهش وكانت
نفقات المجاهدين في هذه المعركة على حساب الفضيل المهشهش ووقعة معركة البريقة بعد
بير بلال بأربعة أيام واستشهد فيها من أبطال الجهاد ابراهيم الفيل.......(*16).
ومع هذه الانتصارات إلا أن الطليان استطاعوا احتلال أماكن
للمجاهدين في برقة، وزحفوا على معسكر العواقير بموقع البدين وبعد معركة شديدة كبدت
الطرفين خسائر فادحة انسحب المعسكر إلى اجدابية
واستمر الزحف الايطالي يلاحق المجاهدين حتى اشتبك مع طلائع معسكر
المغاربة في الزويتينه؛ ولم يطل الدفاع عنها حتى احتلها الطليان وواصلوا زحفهم الى
اجدابية حيث احتلوها في (ابريل 1923م)......(*17).
(*1) انظر: عمر المختار
للاشهب، ص6.
(*2) انظر : عمر المختار للاشهب، ص6.
(*3) انظر: عمر المختار للاشهب، ص56.
(*4) عمر المختار للاشهب ، ص8.
(*5) انظر: السنوسية دين ودولة، ص271.
(*6) انظر: عمر المختار، ص56.
(*7) انظر: عمر المختار، ص58.
(*8) انظر: السنوسية دين ودولة ، ص271.
(*9) انظر: عمر المختار نشأته وجهاده للحساوي، ص36.
(*10) المصدر السابق نفسه، ص37.
(*11) المصدر السابق نفسه، ص37.
(*12) المصدر السابق نفسه، ص37.
(*13) رواه مسلم.
(*14) انظر: صحيح سنن ابي داود للألباني.
(*15) انظر: السنوسية دين ودولة، ص273.
(*16) المصدر السابق نفسه، ص273،274.
(*17) انظر: عمر المختار للأشهب، ص63
☆☆ شيخ المجاهدين عمر المختار
على الصلابي ص12-8
0 تعليقات