آخر الأخبار

عمر المختار شيخ المجاهدين (2)

 

 


 

 

نحن لن نستسلم ننتصر أو نموت ....... عمر المختار

 

شجاعة مبكرة

 

في عام 1311هـ (1894م) تقرر سفر عمر المختار على رأس وفد إلى السودان يضم كل من السيد خالد بن موسى، والسيد محمد المسالوسي ، وقرجيله المجبري وخليفة الدبار الزوي احد أعضاء زاوية واو بفزان (وهو الذي روى القصة)..

 

وفي الكفرة (منطقة) وجد الوفد قافلة من التجار من قبيلتي الزوية والمجابرة ، وتجار آخرين من طرابلس وبنغازي تتأهب للسفر الى السودان، فانضم الوفد الى هؤلاء التجار الذين تعودوا السير في الطرق الصحراوية ، ولهم خبرة جيدة بدروبها....

 

وعندما وصل المسافرون الى قلب الصحراء بالقرب من السودان قال بعض التجار الذين تعودوا المرور من هذا الطريق :

 

إننا سنمر بعد وقت قصير بطريق وعر لا مسلك لنا غيره ومن العادة - إلا في القليل النادر- يوجد فيه أسد ينتظر فريسته من القوافل التي تمر من هناك، وتعودت القوافل أن تترك له بعيراً ؛ وتمر القوافل بسلام .

 

واقترح المتحدث أن يشترك الجميع في ثمن بعير هزيل ويتركونه للأسد عند خروجه، فرفض عمر المختار بشدة قائلا :

 

( إن الإتاوات التي كان يفرضها القوي منا على الضعيف بدون حق أبطلت فكيف يصح لنا أن نعيد إعطاءها للحيوان إنها علامة الهوان والمذلة. إننا سندفع الأسد بسلاحنا إذا ما اعترض طريقنا ).

 

وقد حاول بعض المسافرين أن يثنيه عن عزمه، فرد عليهم قائلا ً :

 

(إنني أخجل عندما أعود وأقول أنني تركت بعيراً إلى حيوان اعترض طريقي وأنا على استعداد لحماية ما معي وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) ....

 

( إنها عادة سيئة يجب أن نبطلها ).

 

وما كادت القافلة تدنو من الممر الضيق حتى خرج الأسد من مكانه الذي اتخذه على إحدى شرفات الممر فقال أحد التجار وقد خاف من هول المنظر وارتعشت فرائصه من ذلك : أنا مستعد أتنازل عن بعير من بعائري ولا تحاولوا مشاكسة الأسد .

 

فانبرى عمر المختار ببندقيته وكانت من النوع اليوناني ورمى الأسد بالرصاصة الأولى فأصابته ولكن في غير مقتل واندفع الأسد يتهادى نحو القافلة فرماه بأخرى فصرعته، وأصر عمر المختار على أن يسلخ جلده ليراه أصحاب القوافل فكان له ما أراد . ... .....(*1

 

إن هذه الحادثة تدلنا على شجاعة عمر المختار وقد تناولتها المجالس يومذاك بمنتهى الإعجاب وقد سأل الأستاذ محمد الطيب الأشهب عمر المختار نفسه عن هذه الحادثة في معسكر المغاربة بخيمة السيد محمد الفائدي عن هذه الواقعة فأجاب بقوله :

 

[تريدني ياولدي أن أفتخر بقتل صيد قال لي ما قاله قديماً أحد الأعراب لمنافسه وقد قتل أسداً (أتفتخر عليّ بأنك قتلت حشرة) ] .

وامتنع عمر المختار بقول الله تعالى : {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} الانفال17 .

 

إن عمر المختار كان صاحب قلب موصول بالله تعالى، فلم تسكره نشوة النصر، وحلاوة الغلبة بعدما تخلص من الأسد الأسطورة بل نسب الفضل الى خالقه .

 

 

إن صفة الشجاعة ظهرت في شخصية عمر المختار المتميزة في جهاده في تشاد ضد فرنسا، وفي ليبيا ضد ايطاليا ويحفظ لنا التاريخ هذه الرسالة التي أرسلها عمر المختار رداً على رسالة من الشارف الغرياني الذي أكرهته ايطاليا ليتوسط لها في الصلح مع عمر المختار وإيقاف الحرب.

 

قال :

[ بعد البسملة والصلاة على رسول الله القائل أن الجنة تحت ظلال السيوف ...

 

إلى أخينا سيدي الشارف بن أحمد الغرياني حفظه الله وهداه، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ومغفرته ومرضاته....

 

نعلمكم أن إيطاليا إذا أرادت أن تبحث معنا في أي موضوع تعتقد أنه يهمها ويهمنا فما عليها إلا أن تتصل بصاحب الأمر ومولاه سيدي السيد محمد إدريس ابن السيد محمد المهدي ابن السيد محمد السنوسي رضي الله عنهم جميعاً،....

 

فهو الذي يستطيع قبول البحث معهم أو رفضه، وأنتم لا تجهلون هذا بل وتعرفون إذا شئتم أكثر من هذا ومكان سيدي إدريس في مصر معروف عندكم وأما أنا وبقية الإخوان المجاهدين لا نزيد عن كوننا جند من جنوده لانعصي له أمراً .....

 

ونرجو من الله سبحانه وتعالى أن لايقدر علينا مخالفته فنقع فيما لانريد الوقوع فيه حفظنا الله وإياكم من الزلل نحن لا حاجة عندنا إلا مقاتلة أعداء الله والوطن وأعدائنا وليس لنا من الأمر شيء إذا ما أمرنا سيدنا وولى نعمتنا رضي الله عنه ونفعنا به بوقف القتال نوقفه....

 

وإذا لم يأمرنا بذلك فنحن واقفون عند ما أمرنا به ولا نخاف طيارات العدو ومدافعه ودباباته وجنوده من الطليان والحبش والسبايس المكسرين (هؤلاء الآخرين هم المجندون من بعض الليبيين) ....

 

ولا نخاف حتى من السم الذي وضعوه في الآبار وبخوا به الزروع النابتة في الأرض نحن من جنود الله وجنوده هم الغالبون ونحن لا نريد لكم مايدفعكم إليه النصارى وظننا بكم خير والله يوفقنا ويهدينا وإياكم الى سبل الرشاد وإلى خدمة المسلمين ورضاء سيدنا رضي الله عنه...

وسلام الاسلام على من تبع الاسلام....

13 ربيع الثاني 1344هـ

نائب المنطقة الجبلية عمر المختار . ].. ...(*2

----------------------

 

لم تكن همة عمر المختار منصرفة الى جمع المال والثروة والغنى وإن كان قد ورث عن والده بعض الماشية إلا أنه تركها في رعاية بعض أقاربه في القبيلة وترك أرضه وموطنه منذ أن كان عمره 16 عاماً،....

 

و طوال فترة إقامته في معهد الجغبوب تكفلت إدارة المعهد بمصروفاته وبعد أن تزوج وكوّن أسرة أصبح مورد رزقه ما يتحصل عليه من نتاج الحيوانات القليلة ولم يكن يوماً من الأيام متفرغاً لجمع المال، وإنما عاش للعلم والدعوة والجهاد،

 

وقضى حياته فقيراً مقتنعاً بما رزقه الله من القناعة والرضى بالكفاف وكان يبذل مافي وسعة لضيوفه وجنوده وينفق على أفراد جيشه ما لايخشى الفقر، ويقدم إخوانه على نفسه وأصبح شعاره:

(إننا لا نبخل بالموجود ولا نأسف لمفقود).....(*3).

 

عمر المختار شيخ المجاهدين (1)

 

الدعوة والجهاد قبل مجيء الاحتلال الايطالي

 

تفوق عمر المختار على أقرانه بصفات عدة منها، متانة الخلق، ورجاحة العقل، وحب الدعوة، ووصل أمره الى الزعيم الثاني للحركة السنوسية محمد المهدي السنوسي فقدمه على غيره واصطحبه معه في رحلته الشهيرة من الجغبوب الى الكفرة عام 1895م ...

 

وفي عام 1897م أصدر محمد المهدي قراراً بتعيين عمر المختار شيخاً لزاوية القصور بالجبل الأخضر قرب المرج، وقام عمر المختار بأعباء المهمة خير قيام، فعلمّ الناس أمور دينهم، وساهم في فض النزعات بين القبائل وعمل على جمع كلمتهم وسعى في مصالحهم .

 

ومما تجدر الإشارة إليه أن وقوع الاختيار عليه للقيام بأمور هذه الزاوية كان مقصوداً من قبل قيادة الحركة السنوسية حيث أن هذه الزاوية كانت في ارض قبيلة العبيد التي عرفت بقوة الشكيمة، وشدة المراس، فوفقه الله في سياسة هذه القبيلة ، ونجح في قيادتها بفضل الله .

 

وعندما زحف الاستعمار الفرنسي على مراكز الحركة السنوسية في تشاد، نظمت الحركة السنوسية نفسها وأعدت للجهاد عدتها، واختارت من القادة من هم أولى بهذا العمل الجليل، ...

 

وكان عمر المختار من ضمنهم فقارع الاستعمار الفرنسي مع كتائب الحركة السنوسية المجاهدة في تشاد وبذل مافي وسعه حتى لفت الأنظار الى حزمه وعزمه وفراسته وبعد نظره وحسن قيادته فقال عنه محمد المهدي السنوسي: (لو كان لدينا عشرة مثل المختار لاكتفينا ... ...(*4).

 

وبقي عمر المختار في تشاد يعمل على نشر الإسلام ودعوة الناس وتربيتهم الى جانب جهاده ضد فرنسا، فحمل الكتاب الذي يهدي بيد والسيف الذي يحمي باليد الأخرى .

 

وظهرت منه شجاعة وبطولة وبسالة نادرة في الدفاع عن ديار المسلمين، وكانت المناطق التي يتولى أمرها أمنع من عرين الأسد، ولا يخفى مافي ذلك من أدراك القيادي المسلم لواجبه تجاه دينه وعقيدته وأمته . .... ...(*5).

 

وعندما أصيبت الأبل التي كانت تحمل الأثقال للمجاهدين بمرض الجرب، وكان عددها لا يقل عن أربعة آلاف بعير وكانت تلك الإبل هي قوام الحياة بالنسبة للمجاهدين واهتم السيد المهدي السنوسي بشأن علاجها ....

 

ووقع اختياره على عمر المختار ليكون المسؤول عن هذه المهمة التي شغلت بال المجاهدين، فأمره بأن يذهب بالإبل الى موقع (عين كلك) نظراً لوفرة مائه ولصلاحيته، وكان على عمر المختار مهمة أخرى وهي الاحتياط والحرص الشديد واتخاذ التدابير اللازمة للدفاع .

واختار عمر المختار من المجاهدين مجموعة خيرة، وذهب لتنفيذ أمر القيادة وكان توفيق الله له عظيماً في مهمته العسيرة فنال أعجاب السيد المهدي .... ....(*6).

 

 

وفي عام 1906م رجع عمر المختار بأمر من القيادة السنوسية الى الجبل الأخضر ليستأنف عمله في زاوية القصور، ولكن ذلك لم يستمر طويلاً، فقد بدأت المعارك الضارية بين الحركة السنوسية والبريطانيين في منطقة البردى ومساعد والسلوم على الحدود الليبية المصرية.

 

ولقد شهد عام 1908م أشد المعارك ضراوة إلى أن انتهت وعاد الشيخ عمر المختار الى زاوية القصور وبرزت شخصيته بين زملائه مشايخ الزوايا، وبين شيوخ وأعيان القبائل، ولدى الدوائر الحكومية العثمانية، وظهرت مقدرته في مهمته الجديدة بصورة تلفت النظر .

 

وكانت تربطه صلات شخصية مع عدد كبير من زعماء، وأعيان القبائل في برقة، وكذلك زعماء المدن، وكان زعماء البراعصة يحبون عمر المختار حباً نابعاً من قلوبهم في حين أنهم لم يكونوا من القبائل التابعة لزاويته ..

 

وارتبطت علاقاته الأخوية مع شيوخ الزوايا كالسادة السنوسي الأشهب شيخ زاوية مسوس، وعمران السكوري شيخ زاوية المرج، وعبد ربه بوشناف الشيخي، والحسن الغماري شيخ زاوية دريانه ..... (*7).

 

🔸 الشيخ عمر المختار في معاركه الأولى ضد إيطاليا

في الفقرة القادمة بإذن الله

-----------------------------------------------------------------

(*1) انظر: عمر المختار للاشهب، ص39،40.

(*2) انظر:عمر المختار للاشهب، ص87.

(*3) انظر: عمر المختار، ص32.

(*4) انظر: مجلة المسلم.

(*5) انظر: عمر المختار للأشهب، ص27.

(*6) انظر: عمر المختار، ص37.

(*7) المصدر السابق نفسه، ص40،41.

☆☆ الشيخ الجليل عمر المختار - رحمه الله - نشأته ، وأعماله، واستشهاده د. علي محمد الصلابي ص8-5

--------------------------------------------------------------------

 

إرسال تعليق

0 تعليقات