آخر الأخبار

من يوقف نزيف هجرة الأطباء ؟!

 



 

د. محمد إبراهيم بسيوني

 

الطبيب مثله مثل غيره يبحث عن تحقيق مستقبل أفضل، وتحسين مستواه المادى. فالطبيب له وضع خاص، فالمجتمع يعامله على أنه طبيب، بمعني يُطلب منه أكثر من دخله بكثير.

 

هجرة الأطباء من الملفات المهمة التى لابد من حلها. «هجرة الأطباء» نزيف بدأ منذ سنوات ولم يتوقف حتى الآن، بل تضاعف، ولم يعد مقتصرًا على الدول العربية، ولا على كبار الأطباء، بل بدأت الهجرة إلى بلدان أوروبية؛ مثل ألمانيا وكندا، وأستراليا، ونيوزيلاندا، وإنجلترا، وأمريكا، وسنغافورة، باعتبارها مقصدًا لشباب الأطباء، لتحقيق أحلامهم، ووصل عددهم إلى 150 ألف طبيب من أصل 350 ألف طبيب مسجلون فى نقابة الأطباء، والنتيجة عجز شديد فى عدد الأطباء بمعظم التخصصات.

 

هجرة الأطباء تسبب عجزًا شديدًا فى عدد الأطباء بمعظم التخصصات. معدل هروب الأطباء من البلد، أو من المهنة، أو من العمل أصبح مخيف وخطير، الوضع هذا مستمر من سنوات وفي تزايد بمعدلات مضطردة، لكن المفزع فعلا دخولنا في مرحلة جديدة من الخطر وهي العزوف شبه الكامل من الأطباء عن التخصصات الحرجة مثل التخدير والرعاية والطوارئ والعناية المركزة، والعزوف هذا طال حتى نيابات الجامعة التي كانت سابقا تمثل حلم ومستقبل واعد لكل طالب في كلية الطب. الأطباء الآن يرفضون نيابات الجامعة بعد أن كانوا يتقاتلون عليها. الجميع تفكيره فى السفر للخارج.

 

تقول المعدلات العالمية بان يكون هناك طبيب لكل ٤٣٤ فرد و٢٣ طبيباً لكل ١٠ آلاف فرد. حسب دراسة أعدتها وزارة الصحة فان عدد الأطباء المسجلين والحاصلين على ترخيص مزاولة المهنة يبلغ ٢١٢.٥٨٣ ألف طبيب. طبقا لذلك فإن معدل الأطباء للمواطنين في مصر يساوى ٢١.٣ طبيب لكل ١٠ آلاف مواطن، وهو ما يقترب من المعدلات العالمية والمقدرة ب٢٣ طبيباً لكل ١٠ آلاف مواطن.

 

لكن المعدلات الحقيقية في مصر اليوم تشير إلى أن عدد الأطباء البشريين القائمين بالعمل حالياً في مصر بمستشفيات وزارة الصحة وجميع الهيئات التابعة لها وفي المستشفيات الجامعية الحكومية والخاصة والتابعة لجامعة اﻷزهر هم حوالي ٨٢ ألف طبيب من أصل ٢١٢.٨ ألف طبيب تقريباً، أي ما يقارب ٣٨ % فقط من القوة الأساسية للأطباء في مصر. يعني ذلك أن المعدل الحقيقى للأطباء في مصر هو طبيب لكل ١١٦٢ مواطناً و٨.٦ طبيبًا لكل ١٠ آلاف مواطن.

 

ففى الماضى كانت نسبة الهجرة لا تتعدى 1 فى الألف، الآن أصبحت 5%. وللأسف هؤلاء من شباب الأطباء، بعد الامتياز مباشرة، خاصة أن تلك الدول لا تتطلب الحصول على الدراسات العليا، مثل الدول العربية. ويهرع إليها الأطباء بسبب التدنى فى الرواتب لدينا، الذى أصبح أقل من العاملات فى المنازل، وهذا ليس تقليلًا من أحد، بل لهن كل الاحترام، ولكن قلة التقدير صعب جدّا.

وليس التقدير المادى فقط ما يعانيه الطبيب المصرى، بل قلة التقدير الأدبى والمعنوى، ناهيك عن دور الإعلام فى تسليط الضوء على ما يسميه الأخطاء الطبية، متغافلًا كل ما يقدمونه من تضحيات.

 

عندنا طبيبًا لكل 800 مواطن، بينما فى العالم الغربى طبيب لكل 200 مواطن، بما يمثل مشكلة لابد من دق ناقوس الخطر حولها، ونحن نحتاج سد هذا العجز، فالمقيد فى الجامعة ووزارة الصحة 350 ألف طبيب؛ منهم 150 ألفًا خارج مصر لعام 2021، فلابد من نظرة للطبيب، وأن يكون هناك تقدير مادى، وأدبى ومعنوى، كما كان أيام كورونا، ولابد من تصحيح الإعلام الصورة المغلوطة عن الأطباء، فالطبيب المصرى فى الخارج يُطلب مثل الفاكهة.

فليس من المعقول أن يكون لدينا 350 ألف طبيب مسجلون بالنقابة، لكن على أرض الواقع هناك عجز كبير فى الأطباء، بسبب تدنى وضعف الرواتب، والنقابة (وكيل الطبيب)، تحارب من أجله، لكنها ليست جهة تنفيذ.

 

فهل من سبيل إلى إيقاف ذلك النزيف؟

 

إرسال تعليق

0 تعليقات