آخر الأخبار

الفتوى…. والحكمة

 

 


 

عز الدين البغدادي

 

من أهم الإشكالات التي يقع فيها كثير من طلبة العلم لا سيما المبتدئين هو أنهم ينظرون إلى الحياة من خلال الرسالة العملية وما فيها من فتاوى. ويفهمون الأمور من خلالها، لكن النتيجة انه لا حاز هذا ولا حافظ على ذاك.

 

الحكمة عنصر مهم في الإفتاء وفي نقل الفتوى، ومن ينقل الفتوى دون حكمة أي دون إدراك لظرف الفتوى ليس عالما ولا فيه إمكانية أن يكون عالما. وسأضرب هنا مثالين:

 

الأول: اتصل بي صديق من طلبة العلم وقال لي إن هناك مسألة حصلت ولا يعرف كيف يتعامل معها، قلت له: خيرا إن شاء الله، قال: جاءني شخص أعرفه، وقال له بأنه زنى بعمته (أم زوجته) وأنه نادم ويخاف أن يفرق بينه وبين زوجته.

 

الأمر كان غريبا وصادما، وواقعا فقد صاحب الحديث جوّ من الضحك، قلت له: لا بد أن عمته جميلة‼ فقال صاحبي: جميلة جدا (أو بتعبيره تكتل).

 

ثم رجعنا الى الجد وقال لي انه ذهب ليستفني عند الشيخ م.ح فوبخه وأهانه، ثم شنع عليه في محاضرة لكن لم يذكر اسمه. قلت له: ما فعله هذا الشيخ قبيح ويدل على قلة عقل، وأما الفتوى فإن زوجته لا تحرم عليه لقاعدة "لا يحرم الحرام الحلال" لكن لا تقل له هذا بهذه الصيغة حتى لا يستسهل الامر ويكرره، عليه أن توبخه بشدة وعظّم عليه ما فعل وان كان متمكنا فخذ منه مبلغا من المال يدفعها صدقة وتكفيرا عن ذنبه ولكي لا يستسهل الأمر، وعليه أن لا يعيد الحديث لأحد بهذا الأمر.

 

يروى عن ابن عباس أنه جاءه رجل وسأله: هل للقاتل توبة؟ (وهي مسألة خلافية)، فقال له: لا. فلما ذهب الرجل سأله احد الحاضرين: لم افتيته بخلاف رأيك؟ فقال له: رأيت في عينيه الشر فخفت أن يستسهل الأمر اذا أفتيته بما اعتقد.

 

الثاني: كان عندي صديق يشرب الخمر ثم تاب، صعدت معه مرة في سيارته وعندما توقفت السيارة تدحرجت علبة (قوطية) بيرة من تحت المقعد ضحكت وقلت له: رجعت حليمة لعادتها القديمة؟ فقال: لا والله ليست لي، ثم قال: هذا فلان كان معي قبل قليل والغبي نسيها في السيارة. وفلان هذا شخص فقير جدا لكنه يشرب، اراد صديقي ان يرميها في القمامة باعتبارها منكرا فقلت له: أرجعها لصاحبها. قال: مولانا كيف؟ قلت له: لأنك اذا رميتها سيذهب ويشتري غيرها ويضر بأسرته، أرجعها ولا تطبق الفقه برأس هذا المسكين.

 

طبعا الحكمة لا يحتاجها فقط الفقيه في الفتوى، بل أيضا رجل الأمن حتى لا تختل عنده الأمور ويقبض على شخص بتهمة حيازة البيرة ويترك عصابات المخدرات وتهريب المواد الغذائية منتهية الصلاحية الى البلد.

 

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات