علي الحفناوى
من غرائب الأوراق التاريخية عندما نغوص في طياتها اكتشاف المفاصل
التي تحكمت في حينها لربط حلقات الأحداث، بما يضيئ دهاليز الوقائع التي تشكلت
وترابطت فأنتجت الواقع الذى نعيش تبعاته.
من تبعات السياسة الامبريالية التي حاول محمد على فرضها على
السلطان العثمانى، بدعم أحيانا مباشر وأحيانا غير مباشر من فرنسا منذ حملة
نابليون، كان نمو فكرة إنشاء الدولة الإسرائيلية في فلسطين... وفيما يلى بعض
النصوص الدالة على ذلك والمنقولة من كتب التاريخ.
1) من كتاب "ما قبل تاريخ دولة إسرائيل" للكاتب
"بول جينيوسكى"، صفحة 53:
((الاهتمام المتزايد على فلسطين مرتبط بالتخوفات التي تسببت فيها
الأعمال الهجومية لباشا مصر محمد على. فقامت بريطانيا العظمى بدور هام في إفشال
الطموحات المصرية عام 1840 – 41، والعمل على عدم عودة محمد على إلى نزعاته
الهجومية بدعم مستتر من فرنسا.
ومنذ تلك اللحظات، ظهرت الاقتراحات المؤيدة لفكرة إقامة دولة
مستقلة في سوريا وفلسطين، مع العمل على تهجير عدد ضخم من اليهود إليها. فكانت
الفكرة هي إنشاء دولة فاصلة بين الأتراك والمصريين.))
2) في كتاب عن وعد بلفور، للكاتب "رينيه نيهير برنهايم"
يذكر:
(("إن الأزمنة المسيحانية تنضج وفق الساعة الإسرائيلية،
وبريطانيا، بغض النظر عن مصالحها الحيوية على طريق الهند، عليها أن تنتهز الفرصة
لتضبط إيقاعها ليتطابق مع الإرادة الإلهية التي تحدد التاريخ"، هذا ما كتبه
الكونت شافتسبيرى، صديق أسرة "بالمرستون" وزير خارجية بريطانيا في القرن
التاسع عشر، لحثه على دعم فكرة إقامة إسرائيل.
وقد اهتم بالمرستون بهذه الفكرة، وكتب بها مذكرة موجهة لسفير
بريطانيا في تركيا عام 1840، ويقول فيها:
"يوجد لدى اليهود المنتشرين في أنحاء أوروبا إدراكا حيا أن
الوقت قد اقترب، وأشرف على عودة دولتهم إلى فلسطين. وقد أصبحت رغبتهم شديدة للذهاب
إلى هناك، وستتوجه مشروعاتهم إلى دعم لم يسبق له مثيل لتحقيق هذه الرغبة..."
ثم يضيف بالمرستون:
"من المؤكد أن البلد الذى سيشهد استيطان عدد كبير من اليهود،
سيستفيد بشدة من كل ما سيجلبه هؤلاء إليها. لذلك، إن عاد اليهود تحت رعاية
السلطان، فسيتحول إلى حاجز فيصبح بمثابة مكابح لأى محاولات خبيثة لمحمد على أو
خلفاءه"
إن فكرة استخدام اليهود كقطع على لوحة الشطرنج في الشرق الأوسط، في
إطار ضعف الإمبراطورية العثمانية، أصبحت فكرة واضحة.
لم يبدأ بعد أي تنفيذ للفكرة، ولكنها باقية. وفى الوقت الحالي تقوم
بريطانيا العظمى بتنمية تواجدها في فلسطين. وقد أصبحت أول دولة أوروبية تفتح
قنصلية في القدس، وتهتم بتقديم حمايتها لليهود في ربوع الإمبراطورية العثمانية.))
3) وفى كتاب "الأرض التي كثر وعدها"، يقول المؤرخ
والقانونى شارل زورجبيب بصفحة 15:
((في 1860، كتب السيد "إيرنيست لاهان"، سكرتير نابليون
الثالث، في كتاب "مشكلة الشرق الجديدة"، ليؤكد على حق اليهود غير
المشكوك فيه للحصول على وطن في الأراضي المقدسة.
"بفضل وضعكم كهمزة اتصال بين ثلاث عوالم، يجب أن تدخلوا
المدنية لدى الشعوب التي تنقصها الخبرات وتحملوا أنوار أوروبا التي تلقيتوها...
سيروا إليها يا يهود كل البلاد...
ستكونوا المعلمين للشعوب الأفريقية وللعصابات المتنقلة في الأراضي
العربية... إن سيرتم يا أبناء إسرائيل، تذكروا فرنسا، لأن فرنسا أحبتكم ولم تتوقف
فرنسا عن حمايتكم".
هذه هي دعوات المدنية التي تبناها كل منظرى استعمار القرن التاسع
عشر، ولكنها أيضا تؤكد أن دعم القضية اليهودية لم تكن بلا مصالح.))
هكذا نكتشف كيف تلاحمت مصالح الدول الاستعمارية ضد مصالح مصر،
والتفكير فى زرع دولة يهودية على حساب شعب فلسطين، مع التلاعب بالعلاقات مع
السلطان العثمانى... وكان كل ذلك قبل ظهور الحركة الصهيونية في مؤتمر بازل بسويسرا
عام 1897.
0 تعليقات