آخر الأخبار

الزهرة الألمانية.. البطلة التي حاربت فرنسا في الأوراس:...

 

 



 

نعم أجمل قصة حب بين ألمانية و جزائري أثناء الثورة التحريريــــة كيف سافرت من ألمانيا للجزائر كيف انضمت إلى جيش التحرير الوطني كيف أسلمت كيف ساهمت في مساعدة جيش التحرير ....

 

عاشت أجمل قصة حب مع زوجها في السلم والحرب ومنحت أصدق وفاء للجزائر جازفت بالتنقل بمفردها من فرنسا إلى الجزائر للحاق بزوجها في الجبال.

 

أعطت المجاهدة فاندنابل ليونتين جورجات جراردة (ألمانية الأصل) المعروفة باسم الزهرة الألمانية أمثلة حية في الوفاء والتضحية، وعلاوة على انضمامها إلى الثورة الجزائرية من بوابة فرنسا، حيث كانت تقوم بجمع وشراء وتهريب الأسلحة رفقة زوجها، فقد أعطت مثالا حيا في الوفاء لزوجها المجاهد أحمد ضحوة، حين فضلت اللحاق به بجبال الأوراس لمحاربة فرنسا، بعد ما تحملت مشقة السفر من فرنسا نحو بسكرة وتحولها إلى مرتفعات جبال كيمل مكان مقر الولاية التاريخية الأولى.

 

عملت 35 سنة في قطاع الصحة وشعبية كبيرة تتمتع بها في تكوت وشناورة ولاتزال قصة مغادرة الزهرة الألمانية لفرنسا عبر الطائرة وصولا إلى مطار بسكرة، وتحولها إلى مسقط رأس زوجها عين الناقة متداولة على صعيد واسع بين سكان شناورة وتكوت بباتنة، وكذا بين المجاهدين الذين عرفوهما عن قرب خلال فترة الثورة التحريرية، ما جعل الكثير يقف على إحدى أصدق العلاقات الإنسانية والرومانسية بين زوجين عرفا كيف يحافظان على علاقتهما في زمن الثورة ومحاربة العدو في الجبال، قبل ان يكرس الثنائي المذكور حياة جديدة لخدمة سكان المنطقة، حيث كرست الزهرة الألمانية 35 سنة في مجال الصحة، وكانت خير خادمة لنساء وأطفال ورجال قرية شناورة ومداشر تكوت، وهذا باعتراف أغلب من صادفناهم خلال زيارتنا الميدانية إلى المنطقة، مؤكدين تكيفها مع تقاليد الأوراسيين وحبها لهم، بدليل أنها أسلمت مباشرة بعد الاستقلال، وحصلت على الجنسية الجزائرية نهاية الستينيات، فيما اشتغل زوجها أحمد ضحوة سائق بلدية إلى غاية إحالته على التقاعد، وعرف بروحه المرحة التي أكسبته محبة سكان تكوت، وهي الجوانب التي تكتشفونها في هذا اللقاء الذي جمعنا بالزهرة الألمانية خلال زيارتنا لها في بيتها بتكوت (باتنة) وكشفها لعديد الأسرار التي تعكس وفاءها لوطنها الثاني الجزائر.

 

دخوله بيت عائلتها هربا من الشرطة كان بداية الحكاية بين الزهرة وضحوة..

 

وتعد المجاهدة الألمانية فاندنابل ليونتين جورجات جراردة من مواليد 10 ماي 1942 بمنطقة بلجيكية، وهي ابنة ويني جورديف وفيرفايلي مادلين ماري، حيث عاشت عائلة المعنية خلال حقبة احتلال الجيش الألماني لبلجيكا مما جعلها تتنقل باستمرار عبر إقليم بلجيكا إلى غاية استقرارها بشمال فرنسا، وبالضبط بمقاطعة ليل، حيث كان والدها يشتغل كمنجمي.

 

وخلال عام 1957 وقع للمجاهد أحمد ضحوة حادثة كانت السبب في التعرف على زوجته، فبحكم تواجده في فرنسا للعمل، وانخراطه في الثورة تحت لواء جبهة التحرير الوطني، فقد كانت مهمته هي جمع وشراء وتهريب الأسلحة، ما جعله كثير التنقل بين المدن الفرنسية والبلدان المجاورة، وفي أحد الأيام تنقل إلى بلجيكا، فوجد نفسه في مأزق، بعد ما لاحظ وجود تحركات رجال الأمن البلجيكي، ما جعله يلجأ إلى أقرب منزل، وفتح بابه للهروب، حيث تظاهر بأنه مريض، ما تطلب تدخل المقيمين في ذلك المنزل الذين جلبوا له الطبيب ووفروا له جميع ظروف الراحة لاستعادة عافيته، فيما تظاهر بذلك سدا للذرائع، وفي أحد الأيام فضل زيارة هذه العائلة محملا بهدايا، وكانت الفرصة أن التقى زوجة المستقبل، حيث أن إتقانها للغة الفرنسية سهل مهمة التواصل، وعزز عملية التعارف فيما بعد، ليقرر الارتباط بها وجعلها شريكة حياته.

 

اعتقال زوجها خلط الحسابات وخلّف حالة استنفار لدى الزهرة

وإذا كان أحمد ضحوة قد حرص على تلبية نداء جبهة التحرير الوطني بخصوص عملية جمع الأموال والأسلحة لخدمة الثورة التحريرية بالتنسيق مع زوجته الزهرة الألمانية التي سهلت له المهمة كثيرا، خصوصا وأنه لا يتم مراقبتها بحكم أنها من أوروبا على خلاف الجزائريين والمغتربين، إلا أن المسار لم يكتمل بعد اعتقال زوجها أحمد ضحوة يوم 21 ديسمبر 1959 بفرنسا، وتم تحويله إلى ذراع بن خدة، وزج به في سجن قصر الطير، وهو ما خلف حالة استنفار لدى الزهرة الألمانية، وموجة كبيرة من القلق على مستقبل وحياة زوجها، وبعد أن علمت بنقله إلى الجزائر لم تتوان في حجز مكان لها في الطائرة التي أقلتها من فرنسا إلى مطار بسكرة، متبعة تفاصيل العنوان الذي بحوزتها للوصول إلى مسقط رأس زوجها بمنطقة عين الناقة (بسكرة) عبر سيارة أجرة، وعند وصولها تم إخبارها بأنه فر من السجن ويتواجد في مقر الولاية التاريخية الأولى بنواحي كيمل.

 

هكذا تحملت مشقة السير على الأرجل للحاق به في جبال الأوراس

وموازاة مع لقائها بأهل زوجها، وحملة التعاطف والتضامن التي قوبلت بها من طرف نساء وسكان عين الناقة ببسكرة، فقد وصلت إلى قناعة بضرورة اللحاق بزوجها في الجبال، وهو ما حدث بعد حوالي 24 ساعة، عقب ضبط الإجراءات والتدابير المتخذة من طرف مجاهدي الولاية التاريخية الأولى. وتقول المجاهدة الزهرة الألمانية لـ"الشروق": "كان عمري آنذاك حوالي 19 سنة، حيث لم يكن أمامي خيار آخر سوى الصعود إلى الجبل للحاق بزوجي لمواصلة خدمة ثورة التحرير، وهذا تتمة للعمل الذي قمنا به سويا في فرنسا خلال عملية جمع الأموال والسلاح وفقا لأوامر جبهة التحرير الوطني، وقد كانت رحلة السير على الأرجل إلى جبال كيمل متعبة وقاسية، حتى أني شعرت بتفتت رجلي بسبب التضاريس الوعرة، إلا أنني سرعان ما تجاوزت هذه المتاعب تدريجيا، خصوصا بعد التقائي بزوجي، وانضمامي لصفوف جيش التحرير الوطني".

 

حملت السلاح وعملت ممرضة لإسعاف المجاهدين والمدنيين

وقد عملت الزهرة الألمانية بمستشفى المجاهدين المتواجد بمقر الولاية الأولى بغابة كيمل أين قدمت الإسعافات للمجاهدين المصابين خلال المعارك وكذا المدنيين رفقة ممرضة أخرى تدعى نادية القبائلية، كما منح لها السلاح واللباس العسكري من طرف قيادة جيش التحرير التي كانت تعاملها معاملة خاصة، وكانت تمنح لها كمية إضافية ونوعية من ناحية الأكل، وهذا وفقا للإمكانات المتاحة، وهذا باعتراف زوجها الذي يقول في هذا الشأن "كانت قيادة جيش التحرير تراعي وضعيتها، بحكم أنها أجنبية واختارت طواعية الانضمام إلى الثورة، كما كانوا يقولون لي "نحن موالفين بالميزيرية اللي لقيناه ناكلوه"، لكن الزهرة يجب أن تمنح لها الأولوية في كل شيء، وقد تواصلت مسيرتها مع الثورة في الجبال إلى غاية وقف إطلاق النار بتاريخ 19 مارس 1962.

 

اعتنقت الإسلام عن قناعة وخدمت قطاع الصحة لمدة 35 سنة

وخلال الأشهر الأربعة الفاصلة عن ترسيم استقلال الجزائر، استقرت المجاهدة الزهرة الألمانية بالمستوصف المتواجد بمقر بلدية تكوت، وواصلت تقديم العلاج للمدنيين تحت إشراف جيش التحرير الوطني إلى غاية 6 أكتوبر 1962، حيث تم تحويلها للعمل إلى الحياة المدنية رفقة زوجها بعين الناقة، غير أنها فضلت البقاء بتكوت، والعمل في نفس المستوصف الصحي، أما زوجها فقد عمل سائقا بالبلدية. وقد استمر عملها بالمستوصف إلى غاية مطلع عام 1977، حيث تم تحويلها إلى قرية شناورة للعمل ممرضة، وهي المسيرة التي دامت 20 سنة، وقد أحيلت على التقاعد يوم الفاتح سبتمبر 1997 من القطاع الصحي بآريس بعد مسار مميز دام 35 سنة في خدمة الصحة بالمنطقة، وسط إشادة كبيرة من سكان المنطقة، بشكل جعلها تحتل مكانة كبيرة ومحترمة في نفوسهم. في المقابل، أكدت الزهرة الألمانية بأنها اعتنقت الدين الاسلامي عن قناعة، وهذا بعد ما وقفت على سماحته والمثل التي يدعو إليها، حدث ذلك يوم 14 جوان 1963 أمام فضيلة الشيخ الصادق رحماني (خريج جامع الزيتونة بتونس)، وهذا بحضور رئيس البلدية آنذاك المرحوم بوستة علي، وتنازلت عن اسمها الأصلي (فاندنابل ليونتين جورجات جراردة)، واختارت لنفسها اسم "الزهرة"، فيما يفضل سكان تكوت وشناورة مناداتها بـ"الزهرة الألمانية".

 

تتكلم العربية.. تفهم الشاوية وتكيفت مع تقاليد وأعراس الأوراس

ويجمع سكان تكوت وشناورة بباتنة على الدور الكبير الذي قامت به المجاهدة والممرضة الزهرة الألمانية في سبيل خدمة قطاع الصحة بالمنطقة، موازاة مع مساهمتها الفعالة خلال الثورة التحريرية رفقة زوجها المجاهد أحمد ضحوة، وأكد الكثير ممن تحدثوا لـ"الشروق" بأن الزهرة الألمانية تعد في مرتبة جدة ووالدة الجميع، بدليل أنها أفنت حياتها في خدمة وطنها الثاني سواء أثناء الثورة أو خلال مرحلة الاستقلال، كما أنها معروفة بأعمالها الإنسانية، وكذا الخدمات التي تقدمها للمرضى والنساء الحوامل في هذه المنطقة المحرومة من جميع شروط الحياة في تلك الفترة الصعبة والبائسة، وحسب الكثير ممن يعرفها فإنها كانت لا تتوانى في استعدادها لخدمة المرضى في أي وقت رغم ظروفها العائلية والتزاماتها اليومية آنذاك، (لها 5 أبناء، ولدان و3 بنات)، وحاليا أصبحت جدة لـ18 حفيدا في انتظار المزيد، والشيء الملفت للانتباه أن إحالة الزهرة الألمانية على التقاعد خريف عام 1997، أن ذلك لم يمنعها لحد الآن من معالجة وإسعاف المرضى الذين يقصدونها في منزلها، وهو ما جعلها تكبر في أعين الجميع، في الوقت الذي تكيفت على مر العشريات السابقة مع تقاليد المجتمع الأوراسي، خصوصا وأنها تتكلم العربية بطلاقة وتفهم اللهجة الشاوية، ما جعلها كثيرة التواصل وقريبة من جميع طبقات المجتمع، وهي تتقن تحضير الأطعمة والأطباق التقليدية التي تتميز بها المنطقة، والأكثر من هذا، فإنها تشارك سكان تكوت وشناروة جميع أفراحهم وأقراحهم، وتلبي دعواتهم بصورة عادية بشكل جعل الزهرة الألمانية قطعة لا تتجزأ من المجتمع الأوراسي، وسكان تكوت وشناورة على الخصوص.

 

إرسال تعليق

0 تعليقات