استعرضه علاء الخطيب
صدر عن دار اوال في بيروت كتاب *(سعادة السفير)* بنسخته العربية
المترجمة عن الفارسية ، الذي يستعرض التجربة الشخصية لوزير الخارجية الإيراني محمد
جواد ظريف وهي سيرة ذاتية بنكهة الأحداث التي عصفت بمنطقتنا .يقع الكتاب بـ 487
صفحة.
اهدانيه الصديق عضو البرلمان البحريني السابق المهندس علي الأسود
.يطلعك السفير ظريف على أسرار عالم الدبلوماسية وخفاياها وما يدور في اروقتها وكيف
يتعامل الدبلوماسيون فيما بينهم ، ويعرف الدبلوماسية بتعريف بسيط وعميق في آن ٍ
واحد فيقول : هي فن الحصول على أكثر المصالح بأقل التكاليف (ص 450) ، و بحكم
امتلاكه لخبرة طويلة في المفاوضات يأخذك معه، باستقراءاته إلى عالم السياسة. ينسج
لك حكايات مفاوضات الحرب كما يكشف لك عن شخصيات كبيرة اعترضت طريقه وعارضت وجوده
في الخارجية ، واتهم بأنه أمريكي واحالو ملفه للمخابرات الايرانية كي يمنعوه من
استلام اي منصب يذكر ذلك في (ص 141) , لكنه لم ينسى علي اكبر ولايتي الذي اتاح له
فرصة خدمة بلاده كما يقول .لم يفشي ظريف سراً في هذا الكتاب ، كما يعتقد البعض بل
فكر بصوتٍ عالٍ مع القراء وقدم لنا تجربة تستحق الوقوف عندها . الكتاب يكشف عن
صراحة متناهية وموضوعية في سرد الأحداث، كما ينقل أراء واقعية عن العلاقة مع أمريكا
ويثني على صدام حسين و يتحدث عن واقع الدبلوماسية العراقية أثناء المفاوضات،
ومعاملة المندوب الدائم للعراق عصمت كتاني مع الوفد الايراني ابان تلك الفترة .
كما يعرج ظريف على قلة خبرة الدبلوماسيين الايرانيين في التعامل مع القانون الدولي
والاعراف الدبلوماسية، ولعل القارئ سيُصدم بما يقوله ظريف عن ابيه بأنه كان
معارضاً للثورة ، وعن معاناته في وزارة الخارجية من التيار المحافظ ، وكيف كان
يصفونه بالسيد واشنطن ، كما سيرى القارئ اراء جون بولتون وكيسنجر والصحافة
الامريكية بظريف . وعن حقبة الرئيس الايراني السابق أحمدي نجاد يكشف لنا ظريف نقده
اللاذع له ويقول: ان تأثير الخطاب المتشدد لنجاد ساهم في خلق بيئة معادية لايران
(ص342) وكذلك عمل نجاد على تحطيم الهيكل البنيوي لوزارة الخارجية الايرانية (ص
161)وسببت تصريحات المتشددة اتجاه الهلوكوست و إزالة اسرائيل من الوجود في اصدار
قرارات من مجلس ضد ايران مما اضر بالدولة (ص344) و يستمر في امتعاضه من سياسة
الرئيس نجاد ويقول كنت سفيراً مفروضاً عليه من قبل المرشد الاعلى ( ص347)وعن
التواجد الايراني في العراق : يصرح بان تواجدنا في العراق يضعفنا ونحن نعاني من
اخطاء تنفيذية (ص449) ويصف الصراع الايراني الامريكي بانه استنزاف يصب في صالح
الدول الاخرى أي المناوئة لايران ، ويقول: ان الذين يصفقون لنا لاننا نقف بوجه
امريكا هم يحبوننا ولكن هذا الحب سلبي ( ص 454) أي انه يضر بنارهم الناحية
الاستراتيجية ..وربما من الملفت ان الكتاب يبدأ بجملة ( الى عدوي المحترم محمد
جواد ظريف) ، التي كتبها ثعلب السياسة ووزير خارجية امريكا هنري كيسنجر، وهو يهدي
كتابه (الدبلوماسية) لـه.وتكشف كلمات الاهداء العقلية الغربية في الخصومة ، وعن
الفروسية في التعامل مع الاعداء الاذكياء. محمد جواد ظريف ابن وحفيد أشهر كبار
التجار الايرانيين في بازار العاصمة طهران. كان ابوه معارضاً للثورة الاسلامية حتى
وفاته عام 1984 ، وهنا يشير ظريف من طرف خفي ان والده كان يؤيد او على اقل تقدير
غير معارض للشاه، فقد ذكر في (ص 29) يقول: كان والدي معارضاً للثوريين وللجمهورية
الاسلامية قبل الثورة وبقي معارضاً لها حتى وفاته. كان ظريف شاباً يافعاً ابن
السابعة عشر ربيعاً حينما ارسله ابوه الى الولايات ليُبْعِدَه عن الحراك الثوري
آنذاك ، وليكمل دراسته ، فقُبلَ في ثانوية سان فرانسيسكو ثم تقدم لجامعة كولومبيا.
لكنه لم يحصل على مقعد دراسي فتحول الى جامعة دنفر Denver ليدرس علوم الكومبيوتر .انخرط الشاب في
العمل السياسي وبدأ الاتصال بشباب الجمعية الاسلامية في امريكا وعكف على قراءة
الكتب الثورية، لكن لقاءاً حدث بينه وبين مندوب إيران في الامم المتحدة حسين شيخ
الاسلام بعد الثورة غير مجرى حياته، قال له جملة بقيت راسخة في مخيلته : ( يستطيع
الجميع التخصص في علوم الكومبيوتر ، لكنهم لا يستطيعون ان يصبحوا سياسيين جيدين
للجمهورية الاسلامية ( ص41) . انتقل الى جامعة سان فرانسيسكو لدراسة العلاقة
الدولية حاصلاً على شهادة الماجستير ، ثم انتقل الى جامعة كولومبيا Columbia في نيويورك لدراسة الدكتوراه. عمل ظريف
كموظف محلي في سفارة بلاده ، ولم يكن دبلوماسياً رسميا، فقد تسبب ذلك في مشاكل
براتبه التقاعدي ، فلم تحسب سنين خدمته قبل ذلك (ص93 ) و في العام 1988 أي بعد
نهاية الحرب العراقية الايرانية عين في وزارة الخارجية كدبلوماسي رسمي (ص56)حضر
وساهم مساهمة فعالة فيالمفاوضات لاصدار القرار 598 القاضي بايقاف الحرب العراقية
الايرانية يتحدث ظريف عن تلك الفترةفيقول : اصبحت قائماً باعمال البعثة الايرانية
وانا موظف محلي اتقاضى راتباً متواضعاً جداً ، وكانت هذه من عجائب الدبلوماسية ،
والسبب كما يقول : افتقار ايران الى الكادر السياسي المتخصص (ص 80 ) ، فقد كان
الدبلوماسيون القدماء من ايام الشاه لازالوا يشغلون مناصبهم، وان كانوا لا يحظون
بثقة النظام الجديد ، ولكننا كانا مجبورين على ابقائهم وكانت وزارة الخارجية عاجزة
وخالية تماماً من الكوادر (ص 96- 97) . يلاحظ القارئ البراغماتية العالية في
السياسةًالايرانية برغم ثوريتها ، إلا أنها لم تعزل او تعادي موظفي العهد السابق
بل بالعكس استفادة من خبرتهم في خدمة بلدهم، وهذا درس مهم في بناء الدولة وتحولها
من تجربة سياسية الى تجربة سياسية اخرى.عمل ظريف في اروقة الامم المتحدة وسط
مقاطعة اكثر الدول لهم ويقول: كنا ندخل الى قاعة الامم المتحدة فكانت غالبية
الوفود تتحاشى اللقاء بنا او الحديث الينا وكنا شبه منبوذين .ويضيف : لم تتصرف
ايران بواقعية مع مجلس الامن ، وكانت علاقتنا مع الدول الاعضاء سيئة للغاية (ص89)
حينما قرر ولايتي إرسالي الى نيويورك كمشرف على البعثة الايرانية اتهمني محتشمي
وزير الداخلية الايراني انذاك بأنني امريكي ولا يمكنني الذهاب وتمثيل ايران (
ص116)كانت علاقتنا بالوفد العراقي سيئة، فكانت لغة الشتائم هي السائدة بين مندوبي
البلدين رجائي ورياض القيسي وكانت تطلق في الاجتماعات الرسمية وباللغة الانگليزية
.لكن علاقتي كانت جيدة مع مندوب العراق السيد عصمت كتاني والتقيته ببرنامج
تلفزيوني. فسلم عليَّ ورددت عليه السلام وبقينا اصدقاء حتى وفاته( ص119) رغم
العداء بين بلدينا .عصمت كتاني دبلوماسي عراقي كردي شغل منصب رئيس الجمعية العامة
للامم المتحدة بين عامي 1981- 1982 , ولد في العمادية ( العراق) وتوفي عام
2001.يتحدث ظريف في ( ص 121-122)عن ابتعاد الدبلوماسيين الايرانيين بعد الثورة عن
الاتكيت وفنون العمل الدبلوماسي وعدم معرفة الكثير منهم باللغة الانكليزية ،
بالاضافة ان ملابسهم كانت غير مناسبة ، وكان البعض منهم يأتي بمعطف عسكري او بثياب
متسخة وبشكل غير متناسق ويتركون ياقة القميص مفتوحة، ويقول ان ثمة ياقة بطول ثلاث
سنتيمترات يطلق عليها ياقة الملالي اصبحت موضة في وزارة الخارجية ، ولم تكن هذه
الصور مألوفة في نيويورك .وعن لغة الخطاب السياسي مع الغرب وطريقة اقناع الغربيين
بوجهة نظرك عليك ان تكون واقعياً عقلانياً تبتعد عن لغة التأزيم .يشير بكل شفافية
ووضوح ويقول : اذا كنت تريد من الغربيين ان يستمعوا اليك ويقبلوا بنظرتك يجب ان.
يكون كلامك محسوباً ودقيقاً . لذا هو ينتقد سلوك بعض الدبلوماسيين الذين يعتمدون
على فرض وجهة نظرهم بالشعارات الثورية فيقول في الـ (ص123) كنا نخفي جهلنا وعدم
معرفتنا بالنقاش وعدم اتقان اللغة الانكليزية باسم الاستكبار العالمي وهو تصريح
خطير من ظريف ، يوضح فيه مفهوم الثقافة الشعاراتية التي تخدع الشعوب .ومما يثير
الاعجاب في شخصية هذا الدبلوماسي هو واقعيته ونبله وهو يحمل شرف الخصومة مع اعدائه
.يقول السيد ظريف عن الرئيس صدام في ( ص130) (ان صدام شخص ذكي) وهذا اعتراف وتقييم
من دبلوماسي ايراني مهم لعدو ، ويضيف لقد أنشأنا علاقات مع برزان الاخ غير الشقيق
لصدام ادت الى تبادل الرسائل بين رفسنجاني وصدام ، ولكن صدام ظل يعتقد الى يوم
اعدامه ان ايران خطراً وعدواً اساسياً للعراق (ص130)ورغم العلاقة المتوترة بينه
وبين جون بولتون ممثل امريكا الدائم في الامم المتحدة انذاك فقد قال عنه بولتون:
ليت لدينا ديبلوماسياً كالسيد ظريف يمكن توضيح سياستنا بهذا الشكل الجيد)
(ص354)اما بشأن العلاقة مع الولايات المتحدة فينظر ظريف ببرغماتية عالية لها وتراه
يبتعد عن المواقف العقائدية المتشنجة فيقول : ان العلاقة مع امريكا او بلد هي أداة
يجب الاستفادة منها في تحقيق المصالح الوطنية ، والعلاقة مع امريكا ليست واجبة
وبنفس الوقت ليست حرام !!! (ص198) ويضيف ان الأمريكان ليسوا أصدقاء لنا ويجب ان لا
نضع بين أيديهم الأدوات والأسلحة التي سيحاربوننا بها ، لكن لا يمكن تجنب نوعما من
الحوار والعلاقة معهم (ص449).ويختم سيد الدبلوماسية الإيرانية الكتاب بفصل مهم
يتحدث فيه عن العلاقات الدولية والدبلوماسية متعددة الأطراف .
🔹«سعادة السفير (محمد جواد ظريف)».
حوار: محمد مهدي راجي ترجمة: محمد العطار اصدار مركز أوال للدراسات
والتوثيق، بيروت 2017 .
0 تعليقات