محمود جابر
ابتكرت روسيا 2022 نوعا جديدا من الجراحات السياسية المحدودة وما يمكن
أن نسميها (الثورة الرمادية) ..........
وقدرا جاء الثورة الرمادية فى نفس الجغرافيا السياسية التى شهدت
حدثا غير شكل العالم منذ 2004 وهى الثورة البرتقالية أو المخملية، والتى على أساس
نجاحها جرى تصميم ثورات الربيع العربى، كنموذج للثورات البرتقالية أو المخملية
المدعومة أمريكيا وغربيا، لإزاحة نظم سياسية وتمكين نظم عميلة أو أصولية تابعة .
أما ما نشهده اليوم من ثورة رمادية، فهى تختلف عن الثورات الحمراء
التى تستخدم القوة والعنف المطلق والتصفيات السياسية والمسلحة للخصوم عبر محاكمات
ثورية .... وهى غير الثورة الشعبية التى تنطلق عبر كيانات سياسية تبلور معارضة وأجندة
سياسية فى مواجهة نظام حاكم .. وهى غير الثورة البرتقالية المدعومة إعلاميا بفعل
الميديا والتمويل .......
ما قامت به روسيا 2022 فى أوكرانيا هى ثورة رمادية تجمع كل هذا
وذلك ولكن تتكئ على قوة من الخارج تضغط فى اتجاه إزاحة الخصم بسهولة ويسر يدعمها
قوة شعبية على الأرض وتشقق فى الوضع السياسى عن طريق استقلال عدد من الجيوب التى
تطلب المساندة والمساعدة من الخارج وتتمكن عبر هذه المساندة من تغير الخارطة
السياسية ........
بيد ان الخارطة السياسة اليوم ليست أوكرانيا ، ولكن التغيير سوف
يطال أوروبا كلها والعلاقات الدولية والمجتمع الدولي والسياسة الدولية ككل
.............
لوقت
طويل حاولت روسيا الخروج من نفق الحرب الباردة، واستغلال الوضع الدولى، والخسائر
الاقتصادية الذى يعانى منه العالم ككل والتحالف الغربى بزعامة أمريكا بفعل الجائحة
التى تجتاح العالم منذ ثلاثة سنوات كاملة، ادت لزيادة الضغط على الميزان التجارى
للهذا التحالف مما أثر سلبا على الموازنات العسكرية لحلف الناتو الحلف الذى ظل
لسنوات متعددة يمثل عدوا وخطر حقيقيا يهدد روسيا عبر دول شرق أوربا وخاصة
أوكرانيا، المقتطعة من الجغرافيا الروسية لصالح حلف الناتو.
أوربا تعانى أزمة
كبرى فى الطاقة وخاصة الغاز وخاصة الروسى عبر السيل الشمالى والذى يمثل العمود
الفقرى للآوربا، والتى لا تستطيع اوربا الاستغناء عنه، ولا ايجاد بديل فى وقت
منظور، ومن هنا اصبحت سلاح الطاقة سيفا مسلطا على اوربا سوف تفكر الف مرة فى اى
عمل عسكرى ضد روسيا فى حالة ما اذا قامت الاخيرة بعمل عسكرى محدود فى بعض
الجغرافيا الشرقية لاوربا، سبق ذلك ان قامت روسيا باختبار عزم وقوة وصلابة حلف
الناتو عبر معارك محدودة...
كان مطلع هذه المعارك
فى تعاون روسيا مع ايران، وكذلك تعاونها، مع سوريا ومساندتها فى وجده امريكا
والناتو، وفى دخولها الى حلبة الصراع فى ليبيا، وفى محاولة تغير الموقف التركى
التابع للناتو كليا، فى كل هذه المعارك استخدمت روسيا وزنها الدولى كدولة لها حق
الفيتو فى تعطيل العديد من القرارات الدولية من مجلس الامن، وفى الدخول المسلح عبر
قواتها، وعبر قوات غير نظامية كما هو الحال فى ليبيا...
واستطاعت روسيا
مواجهة دول الناتو واحدة واحدة، وابلغ نموذج طرد فرنسا من بعض الدول الافريقيا
منها دولتى مالى وافريقيا الوسطى، ولم تستطع فرنسا المثقلة بأزماتها الداخلية مواجهة روسيا..
عبر هذه المناوشات
والمعارك اختبرت روسيا قوة وصلابة وصمود تحالف الناتو ودوله، وأصبح لديها يقين
بتشقق الحلف وعجزه عن القيام بعمليات الدفاع الجماعى لنفوذه وان حالت التشقق أصبح
كبير بين الدول المكونة للحلف ومن هنا قررت روسيا، وليس بوتين القيام بمعادلة
جديدة اذا نجحت يمكن ان تغير وجه العالم ويمكن ان يكون العالم بعدها غير ما قبلها،
وهو الاعتراف باستقلال اجزاء من أوكرانيا، وعلى اثر ذلك تطلب الدول المستقلة من
اوكرانيا التدخل الروسى لحماية أمنها، ومن ثم تستطيع القوات الروسية الدخول الى
اوكرانيا، فإذا ما نجحت الخطوة الاولى فيمكن لروسيا ان تحاصر اوكرانيا وان تشل كل
فاعليتها العسكرية وتسقطها بكل اريحية ممكن وتنصب نظاما تابعا لها، من خلال هذه
العملية ومع صعوبة التحرك الغربى والناتو تصبح اوربا كلها تحت رحمة روسيا عسكريا
وعبر سلاح الطاقة ومن سمى يبدأ الناتو فى التشقق والسقوط وينفرط عقده وتصبح
الولايات المتحدة التى لا تملك حولا ولا قوة ولا رأى عام داخلى يدفعها للحرب بعكس
ما جرى فى البوسنة والهرسك وافغانستان والعراق وكوبا وامريكا اللاتينية، فالدولة
الكبرى العجوز لم تعد قادرة على ممارسة حقها المغتصب فى حماية امنها ومن هنا سوف
تتصدر الازمة السياسية الى الداخل الامريكى وتصبح امريكا فى وضع دفاعي داخلى
وتنفرد روسيا بقيادة اوربا فى لحظة تعيش اوربا لحظة الذى سقط من شاهق ولا يدرى
ماذا اصابه هل كسر ام هو بين الموت والحياة حتى اذا ما انتبهت يكون قد فات الأوان
...
0 تعليقات