علي
الأصولي
بحسب تتبعي في تراث السيد الصدر محمد محمد صادق الصدر، والوقوف على
مجمل آراءه الفقهية والأصولية والتفسيرية والأخلاقية والفلسفية والمعرفية؛ وغيرها
من الآراء، التي تنم عن باع واسع إذ لم أقل بالتخصص بالجملة فلا أقل ان يقال بمعرفة
الآراء والوقوف عليها في الجملة،
ومن خلال اطلاعي الذي لا أدعي له الإحاطة والشمول والتدقيق
والتحقيق، استطيع ان أقول، وبضرس قاطع،
ان السيد الشهيد الصدر الثاني (رض) علم من أعلام الدين والمذهب،
علامة زمانه وفهامة عصره جمع المعقول والمنقول، ومع كونه عالما فاهما، فهذا لا
يعني عصمته في آراءه فهي تبقى آراء تخضع لمشرط النقد والتقديم بلا طعن أو توهين،
وتجرا عليه من لا يعرف الصاد من السين،
وكيف كان: من آراءه التي ذكرها في بحثه الأصولي، مسألة الكليات
التي لا ترجع لله عز وجل،
إذ أثارت موجة تساؤل من بعض طلبته واستغرابهم بل وسجل عليه إيراد
وإشكال حاصله: أن القرآن صريح بقوله ( والى الله تصير الأمور ) فلا معنى ودخول
الجزئيات دون الكليات بالمصير إليه سبحانه،
وفي صدد الشرح الذي انا بصدده قمت بتوجيه العبارة التي ربما فهمت
بغير سياقها أو بغير معناها والعصمة لأهلها على كل حال،
وقلت في شرح - منهج الأصول - بما مضمونه، أن الكليات لا ترجع لله
وكلام السيد الأستاذ صحيح وتام بعد فرض ان الرجوع المآلي لا العلي،
بل إننا نقول وندعي ان الكليات ومنها المستحيلات ليس لها وجود
خارجي بل هي أمور ذهنية مرجعيتها لجزئياتهاء،
والجزئيات قابلة للرجوع بلحاظ كونها حقائق خارجية قابلة للرجوع
بخلاف الصور الذهنية،
وعدم الرجوع لا يعني نقصا بالقدرة الإلهية كما قد يتوهم، بل غاية
ما في الأمر أن القدرة لا تتعلق بالممتنع بالذات بمعنى أن هناك فاعل وقابل والفاعل
هو الله والقابل هو المخلوق فمرة يكون الفاعل عاجز ومرة يكون القابل عاجز أما الأول
فمستحيل لان قدرة الله من صفات الذات وهي غير محدودة كما في الذات أما الثاني
فممكن وهذا هو الذي لا تتعلق به القدرة الإلهية، مثلا بيكاسوا رسام شهير ومحترف
ومع احترافه الرسم إلا أنه لا قدرة له برسم لوحة على سطح الماء في حوض المسبح، لا
لعجز بيكاسو بل إن الأرضية سطح المياه في الحوض غير قابل للرسم، هذا بالنسبة
للمستحيلات،
واما بالنسبة للكليات، فهي صور ذهنية ترجع لحقائقها الخارجية، وعدم
رجوعها لا يعني توهم عدم العلم بها، إذ وقع الحديث في الكليات من جهة والعلم من
جهة أخرى بقسميه الإجمالي والتفصيلي فلسفيا،
فلسفيا يكفي العلم الإجمالي يقابله العلم التفصيلي اصوليا، وسواء
كان هذا الإجمالي أو التفصيلي بالتالي، كليهما يندرج تحت علم الله الذاتي والفعلي،
والسيد الشهيد خالف مباني فلسفية في مسألة العلم التي اقتصرت هذه
المباني على علم الله بالجزئيات، بينما السيد الأستاذ نص على أن علم الله تعالى
بالجزئيات والكليات سواء كانت خارجية أو ذهنية، وهذا ما ذكره في ( منة المنان في
الدفاع عن القرآن ج٤ ص١٢٤) الذي أصبح مادة ( للنقد ) من بعض الجهلة، إذ ذكر هناك
أنه خالف ابن سينا والفارابي في علم الله كما قال جملة من الفلاسفة القدماء، أن
الله عالم بالجزئيات ولا يعلم بالكليات، وأما أنا فأقول - على حد تعبيره - (أن
الله تعالى يعلم بالجميع لان الإنسان الذي هو من جملة خلق الله يعلم الكليات
الجزئيات فكيف يوصف المخلوق الأدنى بهذا الكمال ولا يوصف الأعلى بذلك، وفي مكان
آخر يقول ( رض) وهو يتحدث عن معنى قوله تعالى(أقرأ بأسم ربك الذي خلق ) أن يراد به
خلق عالم الإثبات أعني عالم المعرفة والأفكار، وبما ان الله خالق للأفكار فهو يعلم
بها قطعا، لأن الخلق متفرع على العلم، انتهى
نعم: ولذا تم توجيه عبارته ( رحمه الله ) في ( منهج أصوله ) تجاه
العودة المآلية لا العلية، في خصوص الكليات والمستحيلات مع ان الكل تحت نفوذ وتصرف
وسلطان الله تعالى وإليه تصير الأمور،
0 تعليقات