علي أبو الخير
قضية تحرير المرأة ومساواتها بالرجل، هي قضية الإنسان والمساواة
بين الجنسين بصفة عامة، وهي قضية طويلة مشتبكة ومتشابكة في كل الأديان وكل النظم
على امتداد العصور، ولكننا كمسلمين نقف عند موقف القرآن الكريم من تلك القضية
وموقف رجال الدين منها، وهما موقفان بعيدان بقدر بعد النص المقدس عن المفهوم
البشري غير المقدس.
عندما يحاول المصلحون المسلمون رفع درجة المرأة عاليا لتتساوى مع
الرجل في كل شئ، يصطدمون بقضية ضرب الرجل لزوجته، أولا هم لا يريدون مخالفة النص
القرآني من جهة، لأن الآية القرآنية 34 من سورة النساء تنص على ضرب الرجل للزوجة
في حالة نشوزها بعد الموعظة والهجر في المضاجع، قال تعالى " الرجال قوامون
على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات
حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع
واضربوهن فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا"، فالآية
صريحة تؤكد ضرب الرجل لزوجته في النهاية، ولكنهم ثانيا يصطدمون مرة أخرى بالسلوك
النبوي، فلم يؤثر عن النبي الكريم أنه أهان أو طرد أو حتى أشاح بوجهه عن إحدى
زوجاته فضلا عن ضربها، والقرآن الكريم عندما ذكر المرأة جعلها إنسانا كامل
الأهلية، لها حقوق الرجل وعليها واجباته، ووردت أسماء لنساء كاملات السلوك مثل
بلقيس، أما مريم البتول فقد اصطفاها الله على كل نساء العالمين، وجعل لها أفضلية
سابقة على أمومتها للمسيح، فلها فضل مستقل قبل الأمومة وبعدها، والقرآن عندما كرّم
المرأة كرم الأنثى فيها، وعندما كرّم الرجل كرّم الذكورة فيه، وجعل الإنسان عنوانا
للجميع...
نعود لقضية ضرب الرجل لزوجته، هنا يتبدل الحال، فالرجل يضرب زوجته،
ويرفض أن تُضرب ابنته أو أخته من زوجها، وهذا السلوك المزدوج للمعايير الأخلاقية
تثبت أن ضرب الزوجة له ميراث ذكوري قبل كل شئ، وعندما فسّر الفقهاء ضرب المرأة
حاولوا التقليل من هذا الأمر، قالوا لا يكون الضرب شديدا، ويجب عدم ضرب الوجه، أو
يدفع الرجل زوجته في كتفها بإصبعه أو بالمسواك، ويتناسون أنه عند الغضب وعند الضرب
باليد أو بالمسواك، لا يمكن التحكم في اليد والوجه الغاضب، فيكون الضرب شديدا
موجعا للجسم والنفس والكرامة، فكيف يمكن تجنب هذا الأمر.
نعود للآية القرآنية التي تنص على " واللاتي تخافون نشوزهن
فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ..."، فالآية مشروطة أولا بالنشوز،
والنشوز يعني مناكفة الزوجة لزوجها، وعدم الاستماع المتأني لمناقشته وعدم احترامه،
وهنا طلب الله منه أن يعظها، والموعظة لابد أن تصدر من إنسان حليم يحترم زوجته ولا
يتعصب لنفسه بالباطل، وتكون موعظته بالحسنى والكلمة اللينة الهادئة، وإذا لم ترتدع
الزوجة وكانت على خطأ ظاهر، ليس فيه عصبية الرجولة ولا مشاكسة الأنوثة، هنا يبدأ
بهجرها في المضاجع، أي لا يقرب منها ولا يكلمها، فالهجر هو الإعراض وعدم الكلام،
وظهور الغضب الهادئ من الزوج، وهنا نأتي لمربط الفرس كما يقولون، ماذا لو أن
الزوجة كانت هي المخطئة أو هي البادئة بالهجر في المضجع، أو كانت سليطة اللسان
سيئة الخُلق، أو طلبت نفقات أكثر من إمكانيات الزوج، ماذا يفعل، قالوا عليه أن
يضربها ضربا غير مؤلم، والسؤال ماذا لو ردت الزوجة على العدوان بالعدوان الضرب
باليد أو رد الشتائم بأقبح منها، أكيد تصير معركة تضيع فيها الكرامة خاصة إذا كان
الشجار أمام أولاد يتأثرون حتما بالسلوك الهمجي للأبوين.
وهنا نعود لفعل (ضرب)، فهو الذي يحدد لنا معنى هذا الضرب المؤلم أو
غير المؤلم، ضرب في معاجم اللغة تعني أشياء كثيرة، مثل: ضرب الرقاب يعني قطعها،
وضرب على العود يعني عزف به، وضرب القلب أي اختلج، وضرب الأرقام يعني ضرب الأرقام
في عملية حسابية، وضرب في الأرض أي مشى فيها، وضرب على يده يعني بايعه، وضرب على
الكمبيوتر يعني كتب عليه، وهنا نجد أن كلمة الضرب باليد غير واردة بمعنى الضرب على
الجسم، ومن ثم تكون أقرب المعاني لضرب المرأة هو مفارقتها، أو ترك البيت والخروج
منه، إلى أن تهدأ نفسه ويراجعها، وربما تهدأ المرأة وتراجع نفسها، وتطلب منه
العودة، ولكن إذا استمر الحال على ما هو عليه، تبدأ عملية المصالحة من خلال حكم من
أهل الزوج وحكم من أهل الزوجة، كما هو معروف لينتهي الأمر إما بالمصالحة، وإما
بالطلاق بالمعروف، أي بدون ضغينة تجعل الرجل يظلم مطلقته، وهو ما يحتاج مقالا
مستقلا.
إن دليلنا الجديد على أن الضرب في الآية يعني ترك بيت الزوجية إلى
أن تهدأ الأوضاع بين الزوجين، هو سلوك النبي الكريم مع زوجاته أمهات المؤمنين،
عندما طالبنه بزيادة النفقة عليهن، أي زيادة مصروف المنزل، وما آذينه لغيرة بعضهن
على بعض، فترك لهن غرفهن، أي ضربهن بترك كل بيوت الزوجات، فلم يضرب إحداهن بيده،
هجرهن في المضاجع أولا ثم ترك البيوت ( كانت غرفا متجاورة) أي ضربهم بمفارقتهن،
وعاش شهرا في غرفة مستقلة فمكث فيها لا يقرب شيئا من نسائه، يتغدى ويتعشى فيها
فأنزل الله تعالى الآيتين 28 و29 من سورة الأحزاب " يا أيها النبي قل لأزواجك
إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن
تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما "،
ولكنهن وهن أمهات المؤمنين رضين بالله ربا، وبالنبي نبيا وزوجا، تلك قصة ضرب
النساء، وهي قصة الفهم القرآني للعلاقة الزوجية، المستندة على البعد الإنساني،
بقدوة محمد رسول الله، التي لا يتخذها المسلمون أبدا قدوة لهم، وهي ما فرّغ الكثير
من دعوة الإسلام الحقيقية، فماذا يقول الشيوخ؟ أكاد أستمع لهجومهم دفاعا عن أنفسهم
قبل إسلامهم، ولله الأمر من قبل ومن بعد...
0 تعليقات