نتيجة عدم الاستقرار الاقتصادي وأنشطة الميليشيات، صارت قضية
الاتجار بالبشر قضية ملحة بشكل متزايد في العراق.
استيقظت مدينة الصدر جنوب العاصمة بغداد في العراق صبيحة 27
نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي على خبر انتشال جثة شاب من الطمر الصحي مفرغ من
أحشائه الداخلية وكان ذويه قد ابلغوا على اختفائه مطلع الشهر وهذه الجريمة ليست
الأولى بين أزقة هذه المدينة الفقيرة وحتماً ليست الأخيرة.
بدء انتشار التجارة بالبشر في العراق بعد عام 2003 بأشكاله
المختلفة ما بين استغلال الأطفال للتسول وإجبار النساء عل العمل في شبكات الدعارة
وتجارة الأعضاء البشرية ولكثرة انتشار هذه الجرائم دفع البرلمان العراقي إلى إقرار
قانون رقم (28) لسنة 2012 والذي عرف الاتجار بالبشر انه "تجنيد أشخاص أو
نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم، بوساطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك
من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة، أو بإعطاء
أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سلطة أو ولاية على شخص آخر،
بهدف بيعهم أو استغلالهم في أعمال الدعارة أو الاستغلال الجنسي أو السخرة أو
العمل القسري أو الاسترقاق أو التسول أو المتاجرة بأعضائهم البشرية أو لأغراض
التجارب الطبية".
دوليا، أعلن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الصادر في عام 2020 أن
الحكومة العراقية لا تفي بشكل كامل بالمعايير الدنيا للقضاء على ظاهرة الاتجار
بالبشر، ولكنها تبذل جهودًا كبيرة لتحقيق ذلك، حيث أظهرت الحكومة العراقية جهودًا
متزايدة بشكل عام مقارنة بالفترة المشمولة بالتقرير السابق، وذلك مع الأخذ في
الاعتبار تأثير جائحة فيروس كورونا. وبناء على ذلك، ظل العراق في المستوى الثاني.
أكد المرصد العراقي لضحايا الاتجار بالبشر على أن "الأطفال
دون السادسة عشر يشكلون ثلثي الضحايا". كما سجل المرصد 13جريمة اتجار في
بغداد والمحافظات في تقريره الخاص بشهر نوفمبر/تشرين الثاني، ورصد "ثلاث
شبكات للاتجار بالبشر في بغداد يستدرجون ضحاياهم من خلال صفحات وهمية على وسائل
التواصل الاجتماعي". وأشار المرصد إلى أن "شخصيات حكومية متورطة في هذه
الشبكات توقع ضحاياها من خلال نفوذها في المؤسسات الأمنية".
ويعزو مراقبون اتساع ظاهرة الاتجار بالبشر في العراق إلى تزايد حدة
الفقر والبطالة، وضعف الأمن، وقوة المليشيات التي تقوم بدعم الشبكات الإجرامية
والانتفاع منها مادياً. أدى أيضا غياب القانون وضعف دور الأجهزة الأمنية في العراق
لانتشار الجريمة المنظمة وسيطرة العصابات وتنفذها في عاصمة البلاد، ما جعل بغداد
في قائمة أسوء المدن للعيش في العالم نتيجة انتشار عصابات الاتجار بالبشر
والميليشيات المسلحة المتنفذة في الدولة والتي تمتلك الحصة الأكبر من شبكات
الاتجار وتوفر لها الحماية الأمنية والقانونية.
إضافة إلى ذلك، استغل المتاجرون بالبشر لازمة كورونا العالمية،
مستفيدين من خسارة الناس للدخل وزيادة الوقت الذي يقضيه كل من البالغين والأطفال
على الإنترنت، وبالطبع ونظرا للأثر الاقتصادي السلبي الذي تركته هذه الأزمة التي
أدت إلى ارتفاع ظاهرة الاتجار بالبشر في العراق.
شيرين (19) عاماً هربت من منزلها في محافظة البصرة أقصى جنوب
العراق بعد إقناعها من قبل أحد السماسرة التابعين لشبكات الدعارة في بغداد بتوفير
السكن وفرصة عمل في شركة أهلية يدعي امتلاكها وبعد الوصول اسكنها في شقته ومضى
الأسبوع الأول باهتمام مبالغ ثم كانت المفاجئة بعدها حيث قام بإحضار صديقين معه
إلى الشقة ".
"جاء معه في أخر الليل رجلين بعمر الثلاثين إلى الشقة وأعطاني
كيساً يحوي على ثياب نوم مغرية وطلب مني لبسه والخروج لقضاء الليلة معهما وهددني
بالطرد أن رفضت ذلك".
ثم استرسلت " توسلت
به كثيراً لدرجة تقبيل قدميه لكنه هددني بالطرد ولم يكن لي مأوى أخر والعودة إلى منزلي
بمثابة انتحار فرضيت بأن يتم اغتصابي لمدة 4 ساعات متواصلة فقدت على أثرها عذريتي
وتكرر هذا الأمر لمدة شهر حتى قرر أخيرا بيعي إلى أحد بيوت الدعارة بمبلغ 10
ملايين دينار أي ما يعادل 8000 دولار تقريباً وما زلت حتى اليوم اعمل به كعبدة
للرجال يفرغون بي شهواتهم".
في العراق، يعاني غالبية ضحايا الاتجار بالبشر من ظروف ً اقتصادية
سيئة إذ يفتقر اغلبهم للموارد المالية ولا يمتلكون دخلا ثابتا- مثل شيرين"
مما يجعلهم عرضة للاستغلال من جانب تجار البشر الذين يعدونهم بتوفير سبل الرفاهية
وفى حالات أخرى، دفعت الظروف الاقتصادية اليائسة بعض الأسر بيع أبنائها لتجار
البشر.
أثناء رحلتي في البحث عن ضحايا سقطوا في شباك هذه العصابات تعرفت
على احمد (25) عاماً الذي قال:
"تعرض لي مجموعة شباب وأنا عائد إلى المنزل ليلاً اضطررت
للتشاجر معهم واخرج أحدهم سكيناً وتم طعني في منطقة البطن ثم هربوا وأسعفني شابان
كانوا بالقرب من الحادثة نقلوني إلى منزل وكنت لم أفقد الوعي بعد وتم إدخالي إلى
غرفة عمليات موجودة داخل المنزل وتم تخديري على الفور وحين استيقظت وجدت نفسي على
الرصيف بالقرب من مكان المشاجرة وفي جسدي خيوط جراحية واكتشفت فيما بعد انه تم
سرقة إحدى كليتي من جسدي".
ذكر الناشط في حقوق الإنسان عباس الدراجي أن "هناك مشاهير على
مواقع التواصل الاجتماعي وفنانين كذلك متورطين في شبكات للمتاجرة بالبشر نشاطها
الرئيسي في بغداد والأنبار وأربيل وقد تم تصفية مشاهير أخرين بدئوا بالكشف عن نشاط
هذه الشبكات وهرب آخرين خارج العراق بعد تهديدهم بالتصفية".
إن ظاهرة الاتجار في البشر تمثل مسألة معقدة ومتشابكة تتداخل فيها
عدة عوامل ومسببات، مما يتطلب تضافر جميع أجهزة الدولة المعنية لمواجهة تلك
الظاهرة. ومن ثم، يجب على الحكومة العراقية الشروع في اتخاذ بعض الاجراءت الفورية
التي قد تساهم في الحد من تفشى تلك الظاهرة.
ومن ثم، ينبغي على الحكومة اتخاذ إجراءات صارمة لمنع تجنيد الأطفال
من قبل الجماعات المسلحة، بما في ذلك وحدات الحشد الشعبي والميليشيات المستقلة،
وتقديم الخدمات والحماية والتأهيل اللازم للجنود الأطفال الدين تم تسريحهم. كما
يجب على الأجهزة الحكومية العمل على تحديد هوية الضحايا بشكل استباقي وإحالتهم إلى
خدمات الحماية ودعمهم من خلال توفير الاستشارات النفسية والاجتماعية، والرعاية
الطبية، والمأوى طويل الأجل، والمساعدة القانونية، وخدمات إعادة الإدماج، والتدريب
على العمل، والمساعدة المالية. ينبغي على الحكومة العراقية أيضا العمل على تعديل
قانون مكافحة الاتجار بالبشر للتأكد من مقضاة المتاجرين المتورطين وإدانتهم وإصدار
أحكام صارمة ضدهم، بما في ذلك المسؤولين الحكوميين المتواطئين.
وبالطبع يجب على الحكومة العراقية العمل على تحسين الوضع الاقتصادي
المزرى وتوفير المزيد من فرص العمل للشباب خاصة الفتيات اللواتي يمثلن أبرز ضحايا
ظاهرة الاتجار بالبشر.
0 تعليقات