آخر الأخبار

رجال الدين والجمود بالفكر /الحلقة الأولى

 



 

بقلم : مقتدى الشميسي



إنّ بعض أصناف رجال الدين المسيَّسين الدُّخلاء على الدين - فلنقل الأعم الأغلب - أصبح ديدنهم تجميد العقول وتسكين الفكر لدى الأُمّة عند بعض النظريات والمفاهيم التي أصبحت في عهدةِ التأريخ، وأكل عليها الدهرِ وشرِبْ.

 

وعلى ما أعتقد أن السبب الذي يدفعهم إلى العمل على مثل هكذا حملة تجميدية تسكينية للفكر، هو من اجل تثبيت دعائم سلطتهم الروحيّة التي فرضوها على المجتمع العراقي، بخليط نسيجه الاجتماعي المتنوع.

 

هذا ما ساعدهم في بادئ الأمر على إظهار البدع والفتن في الدين، تسيّيس وتجيّير وفبركة بعض الأفكار التي طُرِحت من بعض العُلماء، على سبيل المثال (الرجعة)، حيث يقول السيّد محمد الصدر بما فحواه؛ (( ليس المهم أن نعرف كيفية الرجعة، المهم أن نؤمن بالرجعة )).

 

حيث تم أستغلال هذهِ القضيّة بصورةٍ بعشة جدًا، وأسلوبٍ مقزّزٍ بحيث يقشعر منها بدنُ الإنسان المتحرر المتحرك المتطوّر، لِما تحمل من زيغٍ وزيفٍ وانحراف.

 

وأتمنى أن لا يحمّل البعض مثالي هذا على محملِ طعنٍ أو اعتراض أو تشكيك بالسيّد محمد الصدر، بل لتقنين الفكر وتنقيتهُ من بعض البدع التي لحِقت به من الدُّخلاء على الدين، وأنصاف رجال الدين المسيَّسين، الذين استغلوا هذا الجانب الغيبي وربطوه بالجانب الحسي.

على سبيل التقريب؛ لديك آلةُ طِباعة وهملتها مدّةٍ مِن الزمَن، سوف تجتمع عليها الأتربة وتتكاثر، لأن الآلة سوف تصبح محطٍ للأتربة، وأن هملتها سوف تسبب هذه الأتربة بعطلها، وربما أتلافها،  فما يقع عليك إِلاّ تنظيف الآلة بين الحين والآخر، لعدم العطل والإتلاف.

 

كذلك الفئة المتحررة المتحركة المتطوّرة، التي بطبعها ترفض الجمود والسكون - فطريًا- (وهذا ما ينصَّ عليّه الدين الإسلامي)، أن تنقي هذا الفكر من الشوائب والخرافات والجزميات اللاعقلية، التي لحِقت بهذا الدين، تجتمع عليه بين الفينةِ والأُخرى، كما تجتمع الأتربة على الآلة التي قد تسبب بعطلها أو إتلافها، ربما قد تؤدي هذه البدع والانحرافات إلى تعطيل بعض فقرات الدين.

 

وأني بكلامي هذا لا استشكل على قضيّة (الرجعة) التي طرحها السيّد محمد الصدر، ولكن أُنقي هذه القضيّة من البدع والانحرافات التي لحِقت بها، كما أُزيل (الأتربة) من آلة الطِباعة.

 

وعلى ما أعتقد أن السبب الذي أدى بالموضع الديني الإسلامي الشيعي في العراق إلى هذه الحالة، هو تقصير وقصور مرجعية النجف (( التي فتحت باب التعلم والإرشاد والتوجيّه إلى كل من هب ودّب)) {١}، دون سلسلة دراسات متواصلة ونظام اختباري حيادي، وتخرج بشكل شرعي، بل عملت حوزة النجف على العكس من ذلك.

 

ولازالت تسير على هذه المنهجيّة الخاطئة، التي أنزلت الحوزة إلى الشارع، ولم ولن ترفع الشارع إلى الحوزة.

 

فمّا علينا إلاّ أن نقف وقفة رجلٍ مسؤول (وقفوهم إنهم مسئولون){٢}، و وقفتنا هذه تكون إزاء رجال الدين المسيَّسين الدُّخلاء على الدين وفكره، وما تلحق بالدين أفعالهم ونواياهم بأضرارٍ سلبيةٍ.

و قوله (ص)؛ ( من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فأن لم يستطع فبلسانه، فأن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان){٣}.

 

 وقد رأينا منهُم منكرًا كثيرًا، فنغيره بأيدينا وألسنتنا، وأن شاء الله لن نصل إلى المرحلة القلبية التسليمية التي نصَّ عليها الحديث الشريف (فبقلبه).

 

ولن تكون هذه وقفتي الأخيرة معهم.



يتبع …



__________

١/ حدثني بذلك احد فضلاء الحوزة العلميّة في النجف الاشرف، وهو احد طلبة السيّد محمد الصدر و وكلاؤه.

٢/سورة الصافات، الآية ٢٤

٣/-رواه مسلم

-ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج٣، ص ١٩٥٠

 

إرسال تعليق

0 تعليقات