آخر الأخبار

الفصل المقوم لمنهج الخصم عدم الموضوعية .. الكاظم يتسلق الحائط ليلة زفافه أنموذجا ..

 

 


 

علي الأصولي

 

قال" الخصم: الكاظم يتسلّق الحائط ليلة زفافه بعد أن زوّجه أبوه الصّادق ببنت عمّ له سيئة الخُلق وأغلق الباب عليهما بُغية المعاشرة، فيهرب منها إثر ذلك، فلمّا مات أبوه طلّقها وجنح للجواري!!

 

وعرض نقل ما ذكره عن كتاب - تنقيح المقال في علم الرجال - للشيخ الرجالي عبد الله المامقاني في الجزء الخامس والعشرون - نقلا عن ما رواه الكليني عن محمد بن ابي الحسن عن إبراهيم بن إسحاق عن عبد الله بن حماد عن خطاب ابن سلمة قال" كانت عندي امرأة تصف هذا الأمر وكان أبوها كذلك وكانت سيئة الخلق. وكنت اكره طلاقها لمعرفتي بإيمانها وإيمان ابيها. فلقيت أبا الحسن موسى - عليه السلام - وأنا اريد أن اسأله عن طلاقها .. الى أن قال" فأبتداني فقال" كان أبي زوجني ابنة عم لي. وكانت سيئة الخلق. وكان أبي ربما يغلق علي الباب رجاء أن ألقيها. فأتسلق الحائط وأهرب منها. فلما مات أبي طلقتها. فقلت" الله أكبر أجابني عن حاجتي والله من غير أن مسألة .. أنتهى"

 

وفيه" إن نفس هذا المصدر واعني - الكافي - للكليني وبعد تسلسل الرواية أعلاه توجد رواية اخرى بلا زيادة. حاول الخصم اغماض النظر عنها لتمرير فكرة - تسلق جدار الحائط - وهي ما عن أحمد بن مهران، عن محمد بن علي، عن عمر بن عبد العزيز، عن خطاب بن سلمة قال: دخلت عليه يعني أبا الحسن موسى - عليه السلام - وأنا أريد أن أشكو إليه ما ألقى من إمراتي من سوء خلقها فابتدأني فقال: إن أبي كان زوجني مرة امرأة سيئة الخلق فشكوت ذلك إليه فقال لي: ما يمنعك من فراقها، قد جعل الله ذلك إليك؟ فقلت: فيما بيني وبين نفسي قد فرجت عني.

 

وهذا الإغماض جاء لغرض وغاية تمرير دعوى - تسلق الحائط - مع ان الرواية أما ان نقول واحدة وتكون - والحال - هذا الزيادة من الراوي - تسلق الحائط - او هي روايتان. وعليه تقديم الرواية الأولى تحتاج الى مرجح وهو مفقود بينما الراوية الثانية مرجحها معها على ما سوف تعرف من خلال ما قرره العلامة الشوشتري. مع ملاحظة ان الرواية الأولى والثانية هي لحادثة واحدة.

 

الشيخ الشوشتري محمد تقي نص على إن قوله: «وكان أبي ربّما أغلق عليّ وعليها الباب رجاء أن ألقاها فأتسلّق الحايط وأهرب منها فلمّا مات أبي طلّقتها» من الزّيادات في الرّواية لغرض.

 

بتعليل" فإنّ أباه - عليه السلام - كيف كان يجبره على إبقائها ولم يقل الله ذلك، وعلى فرضه فهو - عليه السلام - كان يتسلّق الحايط ويهرب ومثله - عليه السلام - منزّه عن مثل ذاك العمل. ثمّ كيف يردّ ما أراده الإمام؟! ألم يقل اللّه تعالى: النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ألم يكن الإمام حاله حال النّبيّ "ص" في وجوب إجابته في ما طلب ولو على خلاف ميل نفسه، فقد قال النّبيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - يوم خمّ للنّاس: "ألست أولى بكم من أنفسكم ... ويجرى في آخرهم ما يجري في أوّلهم، فكان حقّ إمامه الصّادق - عليه السلام - عليه - اي الإمام الكاظم - أن يقبل ذلك على خلاف ميله، ولا نقول كان عليه قبوله بحقّ أبوّته؛ للرّخصة في مخالفته في مثله؛ ففي الخبر: "تزوّج الّتي هويت، ودع الّتي يهوي أبواك"- الأخبار الدّخيلة: ج3، ص305 - بالتالي" ذهب العلامة الشوشتري على إن الأصل في هذه - وكان أبي ربّما اغلق علي .. الى .. تسلقت الحائط .. موضوع والأصل في هذه الرواية هي التي تليها مباشرة - بدون هذه الزيادة - حيث قال" ابن سلمة فيها - دخلت عليه - يعني أبا الحسن موسى - عليه السلام - وأنا أريد أن أشكو إليه ما ألقى من أمراتي من سوء خلقها. فابتدأني فقال" إن أبي كان زوجني مرة امرأة سيئة الخلق. فشكوت ذلك إليه. فقال لي" ما يمنعك من فراقها. قد جعل الله ذلك إليك؟ فقلت" فيما بيني وبين نفسي: قد فرّجت عنّي .. انتهى"

 

ثم قال الشّوشتري" فإن ما في هذه الرّواية معنى صحيح لا يرد فيه شي‏ء على الصادق - عليه السلام - في إلزام ابنه بما لم يأمر الله به. بل تضمن إرشاده له بحقّ جعله الله له - وهو أمر الفراق - ولا على الكاظم - عليه السلام - في رده على أبيه. أنتهى كلام العلامة الشوشتري كما في - الأخبار الدّخيلة ج3 ص 305 –

 

وهذا التوجيه والتعليل لم يلقى قبولا من الخصم واعتبره البرهنة وسوق الشواهد كلها مذهبية.

 

وحاول الخصم تسجيل ملاحظات على طبيعة توجيه وتعليل الشوشتري بدعوى:

 

أولا: لم يفصّل لنا الشّوشتري مختاره - والكلام للخصم - من دعوى إنّ الرّواية الثّانية تحمل معنى صحيحاً لا يتناقض مع مدّعياته المذهبيّة الّتي سعى من خلالها البرهنة على وضع ذيل الرّواية الأولى؛ إذ حتّى لو آمنا بذلك واقتصرنا على نصّ الرّواية الثّانية فسوف يبقى السّؤال قائماً لمن ينطلق من رؤية مذهبيّة: كيف يبادر الصّادق إلى تزويج ولده ـ والّذي هو الإمام من بعده حسب الفرض ـ زوجة ذات خُلق سيّء حتّى يصل الحال بولده أن يتذمّر إليه منها فيقول له أبوه: "ما يمنعك من فراقها"؟! أ لم يحتمل الكاظم إنّ تزويج أبيه الصّادق له بإمرأة سيّئة الخُلق يحمل غرضاً ما وعليه إطاعة إمام زمانه؟!

 

ويرد عليه" لا دليل على ان هذه المرأة سيئة الخلق ابتداءا اذ ربما ساء خلقها لاحقا. وهذا أمر وارد حتى عند بعض زوجات الأنبياء - عليهم السلام –

 

ثانيا: إنّ الشّوشتري لم يقدّم دليلاً على وضع هذا الذّيل سوى بعض الشّواهد المذهبيّة والّتي لم يكترث بها نفس الكليني وغيره من المحدّثين الإثني عشريّة حينما موضعوا هذه الرّواية في كتبهم وتعبّدوا بحقّانيّة مضمونها أيضاً، وكان على الشّوشتري أن يجعل من أمثال هذه النّصوص خير شاهد ومنبّه على عدم تماميّة أصل تلك الدّعاوى المذهبيّة الكبيرة أو على ضرورة إعادة النّظر في سعة دائرتها على أقلّ تقدير؛ انطلاقاً من قاعدة: "خير دليل على بطلان الملزومات بطلان الّلوازم".

 

ويرد عليه" دعوى عدم قبول وبالتالي رد الشواهد لكونها مذهبية أول الكلام. فمن قال" ان الشاهد المذهبيّ غير صحيح او لا يحتج به. بالتالي" هذه الشواهد قرائن لترجيح الرواية على الأخرى التي فيها زيادة. ودعوى عدم تفصيل الكليني في - الكافي - بالشواهد وعدم اكتراثه. فهو كون كتابه حديثي مختص بنقل المرويات بالتالي الكليني لا يخرج من سقف الفهم والتوجيه المذهبي لكل رواية مخالفة لما عليها المذهب واصوله. بالتالي" دعوى عدم الإكتراث تبرع وإلا كيف يحرز أصل عدم الإكتراث.

 

ثم ختم الخصم مناقشته بالقول" الرّوايتان أعلاه تكشفان بوضوح عن الاختلاف البيّن بين وجهات النّظر الأحكاميّة والموضوعيّة والتّدبيريّة بين الإمام الأب والإمام الإبن .. أنتهى'

 

ويرد عليه" إفتراض الصحة - صحة الرواية الأولى والثانية - فرع عدم الزيادة والحال أحدى الروايتين فيها زيادة على الأصل. ومعلوم منهجيا وعلميا لا بد من اختيار الصحة لإحدى الروايتين هذا من جهة. ومن جهة أخرى" الإختلاف ان حصل وهو حاصل في غير هذا المقام والشاهد. أقول" إن حصل بين الإمام الأب والإمام الإبن. فهو من قبيل إختلاف وجهات النّظر الموضوعية والتدبيرية لا الأحكامية على ما هو ثابت في محله في علم الكلام. وكيف كان" وبصرف النظر عن كل ما نقلناه واوردناه وبغض النظر عن الزيادة من عدمها اقول" إن هذه الرواية - الأولى او الثانية - يلحظ فيها مبادرة الإمام الكاظم - عليه السلام - بقول الراوي - فابتدأني - بدون مسألة وهذا يعني عرف ما في ضميري من سؤال - فقلت: الله أكبر - بالتالي" هذا دليل على مكانة وعلو كعب الإمام - عليه السلام - التي طالما حاول الخصم جاهدا وتقزيمها في طول وعرض مقالاته فليلاحظ ..

 

 دك القلاع : سجين الرأي الإمام الكاظم (عليه السلام) ..

إرسال تعليق

0 تعليقات