نصر القفاص
لا يغيب عن ذاكرتى مشهد من داخل قاعة مجلس الأمن.. يوم أن وقف
"كولن باول" وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية, ليقدم ما أسماه
دلائل وبراهين على امتلاك العراق أسلحة دمار شامل..
والذين يقرأون ويتذكرون لابد أنهم استحضروا المشهد خلال هذه
الأيام.. وذهبت جيوش أمريكا وانجلترا وكندا وفرنسا مع غيرهم من الدول العربية,
لتدمير العراق تحت لافتة مساعدتها لإقامة نظام ديمقراطي!! وكان "بوش
الصغير" الحاكم الأمريكي "الجمهورى".. يسبقه "تونى بلير"
الحاكم الانجليزى "العمالى" يمثلان رأس الحربة فى هذه المؤامرة..
وبالتأكيد ستجد أن "رجال أمريكا" مع "كل خدم الاستعمار"
يرفضون فكرة ونظرية "المؤامرة"!!
لا أنسى مشهد آخر من داخل جامعة الدول العربية, حين قام "عمرو
موسى" بلعب دور البطولة فى دعوة "الناتو" الذى يقولون عنه
"حلف دفاعى" للتدخل ومهاجمة ليبيا حتى تدميرها.. ثم تمهيد الأرض نحو
تدمير سوريا.. وقتها كان "مجلس الأمن" يقوم بتغطية الجريمة, ويقدم
أعضاؤه كل المبررات مما يطلقون عليه "القانون الدولى" وكان "رجال
أمريكا" مع "خدم الاستعمار" يسممون العقل العربى بأن هذه مهمة
مقدسة لبناء أنظمة ديمقراطية!!
استدعيت هذه المشاهد خلال متابعتى للحرب الدائرة فى
"أوكرانيا".. وكنت أضحك كلما سمعت مندوبى أمريكا وانجلترا وفرنسا وهم
يدافعون عن الديمقراطية.. يلعنون تدخل روسيا لحماية ما تراه أمنها القومى.. وبغض
النظر عن صواب الموقف الروسى أو خطئه.. إلا أن عقلى لا يمكن أن يقبل بأى حال أن هذه
الدول تدافع عن الديمقراطية, وتقاتل لأجل ما تسميه القيم الغربية.. لأن هذا الغرب
مع أمريكا هو الذى دمر العراق وليبيا وسوريا.. وقدم كافة التسهيلات لتدمير اليمن
وتفكيك الصومال وتقسيم السودان.. وهذا الغرب مع أمريكا يمارس كل ألوان الكذب
والتدليس, لأجل زرع إسرائيل ومحاولة شطب فلسطين من على الخريطة.. وكل مرة كان مجلس
الأمن يلعب الدور نفسه, دفاعا عن قانونهم الدولى والإنساني.. ويرفعون "الصوت
الحيانى" دفاعا عن "الديمقراطية" و"الليبرالية" إضافة
إلى "حقوق الإنسان" ودائما ينجحون فى أن يقفزوا بنا للأمام لخداع شعوبهم
وكافة شعوب الأرض.. بل إنهم يحاولون طمس "مهزلة" خروجهم المهين من
أفغانستان وبيعهم لعملائهم لحظة أن هرولوا تاركين "كابول" بمساعدة قطر
وتركيا!!
فى "موقعة أوكرانيا" سقطت "ورقة التوت" عندما
وجدنا أمريكا مع عواصم الغرب, يهبون دفاعا عن نظام تمت "فبركته" ودولة
أرادوها نسخة جديدة من "إسرائيل" على حدود روسيا التى وضح فهمها
واستعدادها لتلك المواجهة.. وقد تكون حسابات صانع القرار الروسى لم تضع فى
اعتبارها هذا الموقف الأمريكى – الغربى.. وقد يكون وضع فى اعتباره كل هذا وجهز
نفسه للمواجهة.. وستكشف الأيام والشهور القادمة نتائج أضخم صراع عسكرى واقتصادي
وسياسى.. بل امتدت جبهاته إلى الرياضة والثقافة والإعلام.. لكن ما بدا واضحا هو أن
"روسيا" كانت جاهزة بسلاح الإعلام الذى يحتكره الغرب.. فقد فوجئت أمريكا
والغرب بقوة الإعلام الروسى وقدرة نخب جديدة وضح أن إعدادها احتاج إلى سنوات
طوال.. لأن الذين ظهروا على الشاشات يدافعون عن "المنطق الروسى" كانوا
أكثر فهما ووعيا وإبداعا.. بكل اللغات.. فلم تجد "دول الغرب الديمقراطى"
غير خنق الصوت الروسى بقرارات حظر تجاوزت ما كانت تفعله الأنظمة الشيوعية سابقا..
تحركت أوروبا واستراليا وأمريكا لمنع صوت "روسيا" من أن يصل إلى الرأى
العام الغربى.. ثم حجبت قناة R.T ووكالات الأنباء الروسية وحرمانهم من التواصل عبر
"فيسبوك" و"تويتر" و"جوجل".. ثم صدرت التعليمات إلى
أبواق أمريكا من "خدم الاستعمار" فى الإعلام العربى بأن يتحدوا خشية أن
تستعيد الذاكرة العربية جرائم الغرب فى منطقتنا العربية طوال عشرات السنوات.. فهذا
الحصار المضروب على "روسيا" سبق أن عاشت فيه مصر لسنوات منذ تأميم
"قناة السويس" وحتى رحيل "جمال عبد الناصر" وكانت
"روسيا" فى مقدمة الدول التى وقفت مع مصر.. رغم خلافات كثيرة وعميقة
بينهما.. وربما لم تغفر لها بريطانيا تهديدها باستخدام السلاح النووى ونسف لندن ما
لم يقف العدوان على مصر.. هذا الحصار تم فرضه على العراق وسوريا وليبيا وغيرهم
بشكل نسبى من الدول العربية.. تحت لافتة الدفاع عن القيم الغربية, وحرصا على
"الديمقراطية" التى جعلتهم يحمون كل "ديكتاتور" يمضى فى ركابهم!!
الحرب دائرة فى "أوكرانيا".. وقرارات محاصرة
"روسيا" وعزلها لا تتوقف.. لكن نتيجة واحدة ظهرت حتى الآن, وهى أن
أمريكا والغرب قد تبعثرت أوراقهم.. انتهى زمن القطب الأوحد الأمريكى.. وتأكد
للعالم أن "الديمقراطية" و"الحرية" التى يتحدثون عنها لا تعدو
كونها حذاء يمشون به على جثة الحقيقة.. فالحقيقة المؤكدة أن حلفاء أمريكا
و"خدم الاستعمار" إستوعبوا درس "أفغانستان" المطلوب شطبه من
ذاكرة العالم.. والحقيقة أنهم لا يحتملون صوتا آخر يكتب أو يتكلم بمنطق يكشف
أكاذيبهم.. ولعل الرئيس الروسى "بوتين" إختصر المسألة فى قوله: "الغرب
إمبراطورية أكاذيب"!!
وللذين يحاولون خداعنا بأنهم أصحاب ضمائر حية, أرجوهم مراجعة مذابح
إسرائيل فى مصر وفلسطين ولبنان.. ونسف المفاعل النووى فى العراق.. أدعوهم إلى
قراءة ما فعلته أمريكا فى "نيكارجوا" حين غزت الدولة وقبضت على رئيسها –
وكان فيما قبل خادمهم – وأتمنى أن يرجعوا إلى ما حدث فى "البوسنة
والهرسك".. ولن أشير إلى "فيتنام" أو أذكر مليون ونصف المليون شهيد
فى الجزائر.. وإذا كانت ذاكرتنا فى مصر قوية, سنذكر أن بريطانيا إحتلت مصر وقالت
أن مهمتها الدفاع عن حاكمها – الخديوى توفيق – ضد "أحمد عرابى" الذى كان
يطالب بدستور للبلاد ومجلس نيابى.. وقتها قالوا أنه لن يطول بقاؤهم عن شهور,
فتحولت إلى أكثر من سبعين سنة!!
فى معركة "أوكرانيا" أطلقت "أمريكا" نداءها:
"يا رجال أمريكا. إتحدوا" بعد أن سقطت امبراطورية قامت على نداء:
"يا عمال العالم اتحدوا"!! والمفارقة أن أمريكا والغرب يطبقون
"المنهج الشيوعى" ضد دولة كانت شيوعية.. ويبقى فقط أن أشير إلى أنه هناك
عالم جديد يتشكل, وترفع راياته "روسيا" و"الصين" رغم كل
محاولات قتل الحقيقة.. ولا عزاء للذين يسكنون خنادق الخوف!!
0 تعليقات