مارك مجدي
كتبت سابقًا أن اقتصاد الخدمات والمراهنة عليه هو السبب الرئيسي في
تضررنا من الأزمة العالمية اللي كانت حتصيبنا لا مفر، كان التركيز على القطاعات
المنتجة هو اللي حيحقق ميزة في استيعاب الأزمة، في ظل البرهان الواضح إن
الاقتصاديات الأقل تأثرًا كانت اقتصاديات الصناعة من جانب واقتصاديات المواد الخام
من جانب ٱخر.
والتحول نحو الاقتصاديات الإنتاجية مش مجرد إنشاء مصانع كبرى وتوسع
في الرقعة الزراعية، في الحقيقة المصانع اللي بتبدأ كبيرة مش هي اللي بتحول
المجتمع وتجره نحو العلاقات الاقتصادية الاجتماعية الأرقى بشكل شامل، لأنها تشبه
تحميل رأس إنسان على جسم إنسان أخر، ولنا في مصانع الستينات خير دليل، اللي كانت
مصانع كبرى محاطة بالريف من كل جهة، واللي عمالها كانوا مزارعين أصلًا وظلوا
مزارعين حتى مع عملهم في المصنع وده اللي سبب في تشوه وعيهم وبقاء الريف متراجع من
حيث تكويناته الاجتماعية.
التحول الشامل للاقتصاد الإنتاجي يتطلب مشروع قومي لنشر الصناعات
المتوسطة والصغيرة في أنحاء البلاد وإدارتها تكامليًا في ظل خطة من الدولة وتدخل
منها لتنظيم وتقسيم العمل، وقبل ده تدعيمها للمشروعات بالتسهيلات من أول التصنيف
والدراسة لحد التمويل والتدريب، ده النموذج الصيني بالضبط، وهو مجرد محاكاة مخططة
للتطور البرجوازي في أوروبا اللي بدا مع برجوازيات ناشئة متوسطة وصغيرة في المدينة
ثم تحول لنمط شامل في حرب البرجوازيات الصاعدة دي مع شكل الإنتاج الإقطاعي، لكنه
حصل بشكل عفوي مش مخطط بينما دول العالم الثالث لازم تخططه (تناولت العملبة دي في
الفصل الأول من كتاب أزمة الليبرالية في مصر بالتفصيل).
نمو الإنتاج المتوسط والصغير هو اللي حيفتت البنى المتخلفة في
المجتمع ويرفع درجة تطور العلاقات معاه أثناء تطوره، لأن المصالح الناشئة دي
والمحمية من الدولة(اللي كانت بتضرب المشروعات الناشئة تلقائيًا عبر التاريخ لصالح
توسع نشاط الدولة الاقتصادي المباشر) حتقوم بتسييد شكل إنتاجها مع توسعها وحتنجح
في كسر الأشكال المختلطة ( خليط بين البنى الرأسمالية والما قبل رأسمالية) يعني
حتنشأ من داخلها، وبكدة تكون التنمية من الأسفل للأعلى، لأن التنمية الصناعية من
أعلى مبتنجحش معانا في ظل التطور اللامتكافئ.
كل الكلام ده على خلفية حديث الرئيس المقتضب أمس في افطار الأسرة
المصرية عن التنمية الصناعية ودعم المشروعات المتوسطة والصغيرة، الطريق ده هو
مفتاح التقدم الشامل للمجتمع من المستوى المادي للمستوي الثقافي. ولازم يكون مشروع
الدولة القومي ونتبناه بنفس جدية الصين في تسخير موارد الدولة لتطبيقه، كل ده يتوج
منجزات البنية التحتية اللي أنجزناها الفترة الأخيرة، اللي التنمية الصناعية كانت
حتبقى مستحيلة من غير البنية التحتية دي وبالأخص فيما يتعلق بالطاقة.
لكن لو فضلنا نتعامل مع التحول الصناعي باعتباره مجرد جزء من مشروع
الإصلاح الاقتصادي وبس يعني قطاع اقتصادي من بين قطاعات أخرى، وفضلنا معتمدين على
القطاع الخاص الحالي( المشروعات الصغيرة والمتوسطة حتخلق فئات برجوازية ثانية ومن
نوع جديد) اللي حيفضل مستمر في الاستثمار العقارات والاتصالات والخدمات فإحنا
حنفضل نحوم حوالين المشكلة من غير اصابة جوهرها، مفيش دولة بحجم مصر حتقوم على
اقتصاد الخدمات، الدول المتقدمة اللي قايمة على الخدمات عندها تراكمات رأسمالية
عملاقة حققتها من حقبتها الصناعية السابقة على الخدمات، مش حنيجي إحنا نبدأ من
الأخر، لأن مفيش حد بدأ بدون مقدمات ونجح.
وتمويل هذا المشروع الضخم ممكن دلوقتي بسبب التراكمات اللي نجحنا
في تحقيقها السنين الأخيرة واللي موجودة في مؤسسات الدولة وصناديقها المالية
والبنوك الحكومية الثلاثة والمؤسسة العسكرية وغيره.
وده يوديني لخطاب الرئيس اللي اعتبر مشكلة مصر كلها محورها سنتي
٢٠١١ و٢٠١٢...
مشكلة مصر الاقتصادية لا يمكن تلخيصها في الكام يوم بتوع يناير
اللي استنفزوا الاحتياطي النقدي، الاقتصاد المصري مكانش شغال صح قبل ٢٠١١ والأرقام
اللي بتقول كده أرقام مستنتجة حسابيًا ولا تعبر عن حقيقة الأمر.
الاقتصاد المصري كان اقتصاد ضعيف البنية وحركته بطيئة وتوسعه في
قطاعات محدودة، ومش مشكلته بس إن ميزانية الدولة كان واكلها الدعم والأجور، لكن
مشكلته إن موارد الميزانية ضعيفة ومش معتمدة على الإنتاج، ولو فهمنا ده حتبقى
يناير مجرد نتيجة منطقية لأزمة وصلت لذروتها، وده يخليني أكرر كلام كتبته قبل كده
عن أن الرئيس مش من مصلحته ربط مجمل الأزمة بأحداث تظاهرات يناير، الرئيس اللي هو
نفسه قال في عدة مرات إن في ناس (كهنت مصر عشان تقعد على الكرسي) في إشارة لعصر
مبارك، السيسي مش مبارك والنظامين مش نفس التركيبة ولا التوجهات، ليه يتم الربط
بين الإثنين على أساس الهجوم على يناير؟ مين قال أصلاً إن مصر كانت ماشية في
الاتجاه الصحيح وجات أحداث يناير عطلتها. الخطاب ده مليان تناقضات وفي حاجة
لمراجعة لأنه بيضر بقائله، حتى لو قال "أنا مش محسوب على حد" لتأكيده
على اختلافه عن مبارك.
0 تعليقات