آخر الأخبار

الجن إنسان بشر من الناس........2

 




 

مصطفى طه الراوى

 

 

أى شىء خفى عن الإنسان يعنى لا يرى بالمطلق فلا يمكن ان يذكر لنا الله عنه شىء لان المخفى عن الناس يعتبر غيب ولكن عندما ذكر لنا (يؤمنون بالغيب) هنا الله لم يقل عن نفسه انه غيب بل الله حاضر كلى الحضور ولا يعقل ان نقول انه غيب ولكن يؤمنون بالغيب هو ما سيذكره لنا ولا نراه من احداث تاريخية سابقة مثلا ً فهى غيب عن الحاضر لأنه من الماضى فعلينا ان نؤمن بما ذكره الله لنا من هذا الغيب طالما آمنا به وبالتالى سنصدق ما سيذكره لنا ، وأيضا ً تصديقنا باليوم الآخر والذى هو غيب بالنسبة لنا الأن والجنة والنار غيب ايضا ً .

 

الجن إنسان بشر من الناس .... 1

والدليل على ان الله لا يمكن ان يضع نفسه فى خانة الغيب ما جاء فى الآية 285 من سورة البقرة والتى يخبرنا فيها الله إيمان الرسول وهنا إشارة للنبى الإنسان البشر محمد فى صفته الرسولية .

 

(ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّن رُّسُلِهِۦۚ وَقَالُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ غُفۡرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ٢٨٥) البقرة

 

نلاحظ ان الآية لم تذكر الغيب بالمطلق ولكن لماذا فى أول سورة البقرة ذكر لنا (الذين يؤمنون بالغيب) ؟

 

من خلال تدبرنا لسياق سورة البقرة سوف نجد هذا الغيب فى قصة خلق أدم وقول الله للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة ، والحوارات التى دارت بين موسى وقومه وما حدث من آيات صنعها الله على يد موسى فكل هذا غيب بالنسبة لنا .

 

ومن خلال الآية 56 من سورة الذاريات نجد نص صريح بأن الله خلق الجن والأنس لعبادته ، ومعنى عبادته يعنى لابد ان يرسل عليهم رسل وكتب وهكذا .

 

(وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ٥٦) الذاريات

 

الله قص علينا اخبار عن الجن وذكر الجن فى سور عديدة لدرجة ان هناك سورة بأسم سورة الجن فكيف لا يذكر لنا الرسل الذين أرسلهم لهؤلاء لكى تتحقق العبادة ؟

 

لو كان الجن مخفى اثيرى لا يرى فلماذا يذكره لنا الله ؟

 

هل لان الجن يؤثر فى الناس ويشاركهم حياتهم ؟

 

طيب لو كان يؤثر فى الناس ويشاركهم حياتهم وهم لا يروه فهل يكون من العدل ان يحاسب الله الناس على ما يحدث لهم من خلق خفى عنهم لا يروه ولكن يؤثر فيهم فما ذنب من أخذه الجن للشر وهو لا يرى هذا الجن أو الشيطان ؟

 

الحقيقة كل هذه المفاهيم عن حقيقة الجن والتى جاءت لنا من التراث ليست حقيقية بل هى ضلال والغاية هى السيطرة على الناس والسلطة من رجال نصبوا أنفسهم بأنهم رجال دين ولكن المشاكل التى نحن فيها من مشاكل اقتصادية وطغيان وديكتاتورية حكام وخرافات تراثية من حواديت وحكاوى لا أصل لها كل ذلك اثر فى نفسية المسلم المذهبى فأصيبت نفسه بالازدواجية والانفصام والإحباط عند كل فشل فى زواج او طلاق او حتى دراسة او فى عدم وجود عمل فكل هذا لابد ان يجد له سبب فمن السهل ان يرمى هذا على المخفى عنه الجن ..

 

وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون فمن هنا لابد ان يكون هناك رسل وأنبياء ولو كان الجن والأنس مخلوقين مختلفين فى التماثل الخلقى فالمفروض لك فريق رسله وأنبياءه ولكن نجد ان القرآن لم يذكر لنا اى شىء عن انه أوحى لغير البشر بل ولم يرسل رسل إلا للناس، ونفس القرآن يخبرنا ان الجن استمع للقرآن وآمن به بل وكان يؤمن بكتاب موسى وهذا يدل على ان هذا الخلق بشر من نفس الجنس ولكن الفرق هو الطاقة فقط والتى تتمثل فى طاقة النفس من ذكاء وفطنة وسرعة بديهة وحركة ونشاط وغيره من هذه الطاقة التى تفرق بينه وبين الإنسان العادى .

 

وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡيًا أَوۡ مِن وَرَآيِٕ حِجَابٍ أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولٗا فَيُوحِيَ بِإِذۡنِهِۦ مَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ عَلِيٌّ حَكِيمٞ٥١) الشورى

 

أين ذكر الجن فى الآية ، لا يوجد ذكر للجن المكلف بعبادة الله وطالما هناك عبادة فلابد ان يكون هناك وحى ورسل وأنبياء وغيره .

(ٱللَّهُ يَصۡطَفِي مِنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ رُسُلٗا وَمِنَ ٱلنَّاسِۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٞ٧٥) الحج

 

أين ذكر الجن هنا والمكلف بالعبادة ؟

 

ما جاء ذكره فى القرآن عن ان الجن آمن بما انزله الله من آيات القرآن والكتاب هذا دليل على أنهم بشر من الناس بل ومن قوم النبى وإلا كيف يخالف هذا الخلق أمر الله ويؤمنوا بما ليس هو مقرر عليهم ، فلو كان ذلك كذلك لأصبحوا من الكافرين بما أمر به الله وخالفوا طبيعة خلقهم بإيمانهم برسل ليسوا منزلين عليهم .

 

(ثُمَّ بَعَثۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ رُسُلًا إِلَىٰ قَوۡمِهِمۡ فَجَآءُوهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِۦ مِن قَبۡلُۚ كَذَٰلِكَ نَطۡبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلۡمُعۡتَدِينَ٧٤) يونس

 

كل رسول ارسله الله لقومه فقط وهذا لكى يبين لهم ما نزل إليهم فالرسول لابد ان يكون بلسان قومه وليس من خارجهم فاللسان هو الطبيعة الحياتية الكاملة للقوم من عادات وتقاليد ومفاهيم فهذا هو اللسان للقوم .

 

(وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوۡمِهِۦ لِيُبَيِّنَ لَهُمۡۖ فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ٤) إبراهيم

 

ثم نجد ان الجن يستمع إلى القرآن ويؤمن به بل ويقر انه لن يشرك بربنا احد .

 

نفس اللسان وبالتالى هو من نفس القوم ونفس العادات والتقاليد والسلوك الإنسانى .

 

(قُلۡ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسۡتَمَعَ نَفَرٞ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَقَالُوٓاْ إِنَّا سَمِعۡنَا قُرۡءَانًا عَجَبٗا١) الجن

 

الرسول المبعوث من أنفسهم مقرر عليهم يعرفوا لسانه فهم من القوم وليسوا من خارجه بل ووعوا الخطاب وآمنوا به وصدقوه .

 

(يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلرُّشۡدِ فَ‍َٔامَنَّا بِهِۦۖ وَلَن نُّشۡرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَدٗا٢ وَأَنَّهُۥ تَعَٰلَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَٰحِبَةٗ وَلَا وَلَدٗا٣ وَأَنَّهُۥ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى ٱللَّهِ شَطَطٗا٤) الجن

 

هذا دليل كبير على ان هؤلاء من نفس قوم النبى ونفس اللسان بل ومنوط لهم بالإيمان بما انزل الله فلو كانوا خلق آخر فهنا قد خالفوا طبيعة خلقهم فكيف يخبرنا الله ان هؤلاء قد آمنوا بعد ان استمعوا للقرآن والمفروض انهم كفروا لانهم خرجوا عن طبيعة خلقهم بدلوا الخلق ولم يرضوا بما نزل إليهم واتجهوا لمنحى آخر يخص الأنس وهذا لم يحدث وإلا لذكر الله لنا انهم بإيمانهم بما ليس لهم قد حالفوا الله .

 

(وَإِذۡ صَرَفۡنَآ إِلَيۡكَ نَفَرٗا مِّنَ ٱلۡجِنِّ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوٓاْ أَنصِتُواْۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوۡاْ إِلَىٰ قَوۡمِهِم مُّنذِرِينَ٢٩) الأحقاف

 

الآية واضحة بأن هؤلاء بالفعل أعلى طاقة وبالتالى يعتبروا كبراء القوم بما لديهم من فكر أعلى من القوم فهم حكام قومهم مسيطرين على القوم بما أوتوا من طاقة نفسية وعقلية وذكاء وغيره كما ستوضح الآيات ..

 

(قَالُواْ يَٰقَوۡمَنَآ إِنَّا سَمِعۡنَا كِتَٰبًا أُنزِلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٖ مُّسۡتَقِيمٖ٣٠ يَٰقَوۡمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ وَءَامِنُواْ بِهِۦ يَغۡفِرۡ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُجِرۡكُم مِّنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ٣١) الأحقاف

 

نلاحظ أنهم قاموا بعمل مقارنة بين ما انزله الله على النبى محمد وما كان قبله من كتاب موسى فوجدوا ان ما انزله الله حق مثلما كان الحق فى كتاب موسى فالمشكاة واحدة التى جاء منها الكتاب بل علموا انه يهدى إلى الحق وإلا الطريق المستقيم ، فهم أهل فكر عالى ووعى ويستخدموا العقل فى ما يعرض عليهم .

 

لهم سلطة وسيطرة على القوم فهم يخاطبوا القوم بالإيمان بما انزل الله وهذا دليل على أنهم كبراء فى القوم ولهم سلطة عليهم وكلمتهم مسموعة او يملكوا حق الخطابة فى القوم وليسوا من الضعفاء الذين لا يلتفت لهم الناس او لا يحق لهم ان يتكلموا فى قومهم ..

 

ويستمر السياق فى الآيات ليبين لنا أنهم بالفعل لهم سلطة الخطابة فى القوم وينذروا القوم بأنه من لا يجيب داعى الله فليس بمعجز فى الأرض .

 

هنا فقط نفهم ان القوم يسعون فى الأرض مثلهم مثل اى إنسان بشر ويكدوا ويتعبوا ويشقوا فى سعيهم والدليل ما جاء فى الآية من النص بمعجز فى الأرض ..

 

(وَمَن لَّا يُجِبۡ دَاعِيَ ٱللَّهِ فَلَيۡسَ بِمُعۡجِزٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَيۡسَ لَهُۥ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءُۚ أُوْلَٰٓئِكَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ٣٢) الأحقاف

 

قدرتهم هنا أصبحت محدودة المساحة والحركة حسب الأرض ككوكب نعيش عليه فمعنى انه (فليس بمعجز فى الأرض) اى انه لا يمكن ان يصنع لنفسه حول ولا قوة إلا بالاستجابة لدعوة الداع فكل القدرة من رزق وخير ونعم وفرج لله سبحانه .

 

هذا يدل على ان الجن بشر لهم مساحة سعيهم المحدودة على الأرض فهم ليسوا بمعجزى فى الأرض ولكن طاقتهم الفكرية من خلال ما جاء فى الآيات عالية فهم على وعى وفهم كبير وأذكياء ويعوا الخطاب جيدا ً .

 

إلى هنا سأكتفى بهذا القدر والذى يعد فهم منطقى لموضوع الجن ، فما ذكرته من آيات تأخذنا إلى فهم منطقى بأن الجن من البشر من الناس المكلفين بالرسالة وهم من القوم أنفسهم والرسول بعثه الله إليهم مثلهم مثل باقى الناس من الأنس فهى فقط صفات طاقة ليس إلا وليسوا خلق مخفى عن الأعين .

 

فى المقال القادم سوف نأتى بالأدلة على أنهم مرئيين تماما ً وسوف نستعرض بعض من قدراتهم الإبداعية التى تنم على أنهم أعلى طاقة من طاقة الأنس فالموضوع كله هو الطاقة التى منحوا إياها ليس إلا ولكن بشر من لحم ودماء كما سنثبت وان هناك علاقات بينهم وبين الأنس ولكن ما يميزهم هو طاقتهم فقط وإلى الآن منهم كثير من الناس وما وصلنا إليه من تقدم فى الصناعة والتكنولوجيا والعلم هو نتاج هؤلاء البشر من الناس ولولاهم لما وصلنا لهذا القدر من ما عليه العالم من تقدم ..

 

إرسال تعليق

0 تعليقات