آخر الأخبار

وعاد إليكم "جمال مبارك"!! (1)

 






 نصر القفاص

 

قبل أيام قليلة تم إعلان نتائج انتخابات الرئاسة فى "الفلبين" بفوز "فرديناند جونيور" بأغلبية كبيرة.. هو ابن "فرديناند ماركوس" رئيس البلاد الأسبق.. الديكتاتور.. الفاسد.. حليف الولايات المتحدة الأمريكية من شعر رأسه إلى أخمص قدميه!!

 

غادر "ماركوس" السلطة بفعل ثورة شعبية عاصفة وتدخل الجيش.. ثم كان حديث الفضائح والفساد إضافة إلى جرائم أخرى تم نشرها فى حينه.. وضمن صفحات الفساد فى فترة حكمه، كانت فضائح السيدة الأولى "إيملدا ماركوس" التى بقى منها فى ذاكرة من تابع هذه الأحداث واحدة غريبة مثيرة..

 

فقد كانت قرينة الرئيس الفلبينى الأسبق مولعة باقتناء الأحذية.. وعند خلع زوجها "الرئيس" تم الكشف عن امتلاكها مئات الأحذية من أفخر وأغلى الماركات!! وقتها قالوا أن قيمة أحذيتها تقدر بالملايين من الدولارات.. بينما حالة الشعب لا تخفى على أحد!!

 

مضت سنوات طوال.. ثم عاد "فرديناند جونيور" كمرشح للرئاسة.. كان مثيرا ومدهشا أنه فاز باكتساح على منافسيه، وأبرزهم كانت تشغل موقع نائب الرئيس.. لكنها "معادلة الحكم" التى صاغتها الولايات المتحدة الأمريكية للفلبين.. وتقوم المعادلة على ديمقراطية تنتج فساد.. وإذا ثار الشعب يتدخل الجيش، ليتولى فترة انتقالية ثم يأتي رئيس منتخب يكرر ما سبق إنتاجه.. فهم الرئيس السابق "المعادلة" بعد صدام عنيف مع الولايات المتحدة ورئيسها، لدرجة أنه كان يسب "أوباما" بأقذع الألفاظ وكل ألوان السباب.. ترتب على ذلك إعداد "طبخة" لخلعه بثورة سابقة التجهيز!!

 

 لكن الرجل الذى تعلم الحكمة من رؤوس الذئاب الطائرة.. اختار ترك السلطة وترك الساحة لعودة "فرديناند جونيور" باتفاق معه أن تكون ابنته نائبة للرئيس الجديد!!

 

ما علاقة هذه القصة بالعنوان الذى اخترته!

 

الإجابة.. إنها المدخل المنطقى الذى يأخذنى "لحكاية جمال مبارك" الذى فاحت رائحة أن يكون مثل "فرديناند جونيور" فى الفلبين.. رغم فارق المسافة والبيئة والجغرافيا، فضلا عن فوارق التاريخ ومكانة كل من مصر والفلبين فى محيطهما.. لكن هناك وجه شبه وحيد.. ظنى أنه كان فى "معادلة الحكم" التى استقرت عليها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها لمصر.. وهى معادلة تختلف عن "معادلة الفلبين" قليلا.. لأنها منذ وضعت أساسها أيام "أنور السادات" تقوم على طرفين.. أحدهما لا يختلف عن الفلبين وهو "الفساد".. أما الطرف الثانى فهو "الإخوان" منذ أن زرعتهم "بريطانيا" فى مصر.. لذلك سنجد أن هذه الجماعة اصطدمت بكل من الملك "أحمد فؤاد" فى نشأتها.. ثم كان صراعها حتى الصدام مع ابنه الملك "فاروق" وبعد ثورة 23 يوليو اصطدمت مع "جمال عبد الناصر" إلى حد محاولة اغتياله.. لم يواجههم "عبد الناصر" بالجيش.. لقدرته على أن يواجههم بشعبيته الطاغية، فضلا عن إمكانياته وقدراته السياسية الرفيعة.. وكادت هذه الجماعة أن تلفظ أنفاسها الأخيرة.. لكن "أنور السادات" أعطاها قبلة حياة، وأعادها إلى الواجهة.. ثم انقلبت عليه كعادتها،  فكان ذهابها إلى هندسة عملية اغتياله بطريقة يصعب كشف تفاصيلها.. وهذا يشير إلى أصابع خفية شاركت فى العملية!!

 

ولما جاء "حسنى مبارك" للحكم كان قد فهم وتمرس،  فى إدارة وتشغيل "معادلة الحكم" التى تقوم على طرفين هما الفساد والإخوان.. وحقق نجاحا مكنه من الاستمرار فى الحكم ثلاثين عاما.. كأطول حاكم جلس على كرسيه بعد محمد على فى العصر الحديث.. وكان يمكن لمبارك أن يستمر أكثر، ما لم يترك الأمور للذين حوله بقيادة "مبارك جونيور" وشهرته "جمال"!!

 

أطاحت ثورة "25 يناير" بنظام "حسنى مبارك" وتركت بقاياه تقاتل للعودة، فكان الطرف الثانى.. السابق الإعداد والتجهيز مستعدا ولديه الضوء الأخضر مع توافر الظروف والبيئة، اللذان سمحا لجماعة "الإخوان" أن تمسك بخناق البلاد والشعب.. لكن الشعب المصرى فهم بسرعة ما تعرض له من خداع ومؤامرات، فكانت ثورة "30 يونيو" التى خلعت نظام الإخوان.. وتركت بقاياها فى الجحور تحاول لملمة أشلائها!! اختارت مصر أن تعيش فترة انتقالية قصيرة.. تمسكت بعدها بأن تعلق المسئولية فى رقبة "عبد الفتاح السيسى" قائد الجيش الذى انحاز لإرادة الشعب.. ولعل من يقرأ التاريخ الحديث يلاحظ أنه لم يسبق للشعب أن فرض حاكما بأغلبية كاسحة سوى مرتين.. كانت الأولى مع "محمد على" والثانية كانت مع "عبد الفتاح السيسى".. وهنا يلزم توضيح أن "جمال عبد الناصر" صنع شعبيته الطاغية بعلاقة ممتدة مع الشعب.. كانت ومازالت مستمرة رغم مرور أكثر من نصف قرن على غيابه.

 

عشنا فى ظل حكم الرئيس "عبد الفتاح السيسى" ثمان سنوات – حتى الآن – فإذا بنا أمام صورة لافتة تم نشرها مؤخرا.. كانت الصورة لمبارك الابن.. ظهر فيها يقدم واجب العزاء والتهنئة للشيخ "محمد بن زايد"!! والصورة تثير أسئلة كثيرة، وتكشف بعضا من المستور.. فهذا ليس مواطن مصرى وفقط.. لأنه بدا كما بدا كل الرؤساء والملوك الذين توافدوا على دولة الإمارات لتقديم الواجبين!! واكب ذلك ما قيل عن تبرئته من كل ما ناله من تهم فساد مع العائلة.. كما واكب ما تم وصفه بأنه "حوار وطنى" لتحقيق ما يسمى بالإصلاح السياسى.. وبما أننا نتحدث عن إصلاح فهذا يعنى أن ما سبقه لم يكن صالحا.. وكفى!!

 

المهم.. أنه عاد إلينا "جمال مبارك" وقد التقط الصورة صديق فى العالم الافتراضي أقدره – تامر شيرين – وصدمنى أن ما كتبه يمكن قبوله على أنه منطق.. لأن رؤية الصديق قامت على حقائق ووقائع واضحة شكلا.. لكننى أختلف معه تماما فى المضمون.. واختصارا هو يقول أنه ظل رافضا تولى "جمال مبارك" السلطة كوريث.. وحتى بعدها بسنوات.. ثم راجع نفسه فى ضوء ما تعيشه مصر منذ أربع سنوات.. فأصبح يرى قبول ما كان مرفوضا!!

 

ماذا حدث لكى نقبل ما رفضه الشعب لحد الثورة؟!

 

راجع ما حدث فى "الفلبين" لتجد أن "معادلة الحكم" التى أصبحت "دائرة مغلقة" يدور داخلها الشعب الفلبينى.. لتجد أن "معادلة الحكم" السابقة الإعداد لمصر عاد أحد طرفيها، متمثلا فى الفساد الذى عاد رموزه إلى الواجهة نوابا ورجال مال وإعلام.. وسقط منهم بعض الذين تولوا منصب الوزير والمحافظ.. ولنا أن نتذكر وزير الزراعة الأسبق، الذى يقضى عقوبة فى السجن.. دون ذكر "وزيرة الصحة" التى تركت موقعها شاغرا، ولا وزير الدولة للإعلام الذى مازال موقعه شاغرا.. وتكفى الإشارة إلى محافظ المنوفية الأسبق الذى يقضى فترة عقوبة فى السجن.. أما رجال الأعمال فمازلنا نتابع قضايا بعضهم.. وهناك بعض آخر نجح فى أن يتبوأ مكان ومكانة تثيران غيظ.. بل غضب الشعب الذى يغلى لهذا السبب، ولأسباب أخرى فرضت إطلاق ما يوصف بأنه "الإصلاح السياسى" بعد "الإصلاح الاقتصادي" الذى اكتوى بناره أغلبية ساحقة من الشعب!!

 

الحقيقة أن عودة "جمال مبارك" فى صورة رئيس بدولة "الإمارات" سبقها وقائع وأحداث مهدت طريقه لهذا الظهور.. كان تتويجها بمشهد رحيل الرئيس الأسبق.. ولما كانت العلاقات مع الذين يتولون رعاية جماعة "الإخوان" قد اتجه للتطبيع – قطر وتركيا – فلنا أن نذهب إلى احتمال إعادتهم للمشهد.. أؤكد احتمال مهما كانت مؤشراته قوية!! ولا ينفى ذلك مجرد تصريح بالنفى من هنا أو هناك.. باعتبار أن نفى المنفى يثبته.. وإذا كان ذلك يحدث دون إدراك.. أو مع سبق الإصرار والترصد.. سيكون ممارسة للعب بالنار التى تحرص "واشنطن" أن ندور حولها!!

 

إعتقادى أن هذه مقدمة لرؤيتى.. واعتقادى أنها تفرض تناولها بمزيد من التفاصيل والشرح والتوضيح.. لكنها محاولة تعليق على ما كتبه "تامر شيرين" وله منى كل الاحترام والتقدير وإن اختلفت معه عميقا!!..

 

 يتبع

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات