نصر القفاص
تتفق أو تختلف مع "جمال
عبد الناصر" لا تستطيع أن تنكر أنه مؤسس "النظام الجمهوري" الذى
قام على أنقاض "نظام ملكي" تأسس برعاية الاستعمار الانجليزي.. واعتقادي
أن "الجمهورية الأولى" بمشروعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري,
انتهت برحيل زعيم ثورة 23 يوليو.. واعتقادي أن "الجمهورية الثانية" أسسها
"أنور السادات" بعد أن تمكن من تصفية رجال "الجمهورية الأولى"
بما أطلق عليه "ثورة التصحيح" أو "ثورة 15 مايو" التي بقى من
اسمها عنوانا يحمله "كوبرى" كما تحمله إحدى المدن الجديدة!!
تتفق أو تختلف مع "أنور
السادات" يمكنك أن ترى جمهوريته الثانية مستمرة.. حكمها بعده "حسنى
مبارك" ثم كانت محاولتا هدمها – 25 يناير و30 يونيو – لكنها قاومت وتمكنت من
أن تبقى بمنهجها وتوجهها بفضل رجالها الذين ترعاهم الولايات المتحدة الأمريكية
والذين معها.. والحقيقة أن "الجمهورية الثانية" كان مشروعها هو هدم
أركان "الجمهورية الأولى" وطمس معالمها.. والمثير أنها لم تحقق هدفها
كاملا, وإن كانت قد انتصرت في عدة جولات!!
حمل "حسنى مبارك" راية
"الجمهورية الثانية" التي عاش وشاهدها تترنح أمامه.. وفيما يبدو أنه ترك
مسئولية استعادتها لابنه "مبارك جونيور" الذى أطل علينا مؤخرا ببيان
تدشين التحرك لتنفيذ ما بدا أنه مهمة أخذها على عاتقه.. وبما أنه يعرف – ويؤمن – المعادلة
المرسومة للحكم التي تقوم على طرفين هما "الفساد والإخوان" كما اختارت "واشنطن",
فسنجده أطل برأسه لحظة اعتقاده أن رموز نظام الرئيس الأسبق, قد نجحوا في أن
يتمكنوا من مفاصل مهمة في الدولة.. إضافة إلى نجاحهم في أن يكونوا أغلبية
بالبرلمان – شيوخ ونواب – فضلا عن نجاحهم بأن يحكموا قبضتهم على الإعلام!!
قامت "الجمهورية الأولى"
على "العدالة الاجتماعية"
نسفت "الجمهورية الثانية"
هذه العدالة لصالح ما أسمته "الانفتاح الاقتصادي" الذى احتاج إلى ما قيل
عنه "الإصلاح الاقتصادي" الذى سمعنا عنه عندما تولى "عاطف صدقى"
رئاسة الوزراء.. ثم استمر هذا "الإصلاح" أو قل تطور بتولى "عاطف
عبيد" رئاسة الوزراء.. وأخذ شكلا مختلفا بتولى "أحمد نظيف" رئاسة
الوزارة التي أسقطتها ثورة "25 يناير" ليختفى أي حديث عن هذا "الإصلاح"
حتى جاءت حكومة "مصطفى مدبولى" التي ذهبت في طريق هذا "الإصلاح"
إلى منعطف شديد الخطورة!!
قامت "الجمهورية الأولى"
على نظام الحزب الواحد فيما تم وصفه بتحالف قوى الشعب العامل.
نسفت "الجمهورية الثانية"
هذا النظام على مراحل.. بدأت بإطلاق ابتكار "المنابر" التى تحولت إلى "أحزاب"
إكتشفت أنه مطلوب منها أن تلعب دور أحزاب في مسرحية كوميدية.. قاومت وحاولت تقديم
عروضا جادة.. لكنها انكسرت ووافقت في النهاية على لعب دور فى مسرحية عبثية!! وفقدت
مصر الحزب الواحد كما فقدت تعدد الأحزاب رغم عشرات "اللافتات" التى تحمل
كل منها اسم حزب!!
أسست "الجمهورية الأولى"
قلاع "القطاع العام" الصناعية.
ذهبت "الجمهورية الثانية"
إلى تفكيك وبيع هذه القلاع, لصالح ما قالوا عنه "استثمار" يتولاه من قيل
عنهم "رجال أعمال" الذين ظهروا باحتشام في أواخر "زمن السادات"
ثم تكاثروا وتخلوا عن "الحشمة" في "زمن مبارك" وأصبحوا أصحاب
قول فصل في تحديد اتجاه اقتصاد البلاد.. ورغم جرائم كثيرين منهم طوال السنوات
الماضية, إلا أنهم يواصلون زحفهم.. هدوءا وسرعة.. حتى أصبحوا شركاء في الحكم عبر "جمال
مبارك" الذى صاغ لهم "شفرة سرية" يبدو أنها بدأ تفعيلها!!
نجحت "الجمهورية الأولى"
فى أن تكون بوصلة العالم العربى, وأن تكون قلب إفريقيا ودول العالم الثالث.
نجحت "الجمهورية الثانية"
فى عزل مصر عن محيطها العربى, ثم إبعادها عن إفريقيا ودول العالم الثالث.. وربطت
نفسها بالولايات المتحدة الأمريكية والذين معها.. ثم أصبحت مصر رهينة عند دول
الغرب إلى حد جعل البعض يتصور أنه قدرا محتوما.
إنحازت "الجمهورية الأولى"
للعمال والفلاحين والطبقة الوسطى.
إختارت "الجمهورية الثانية"
الرهان على الأثرياء والمغامرين من رجال المال.. وراحت فى مرحلة تراهن على دول
الخليج أملا فى أن تساعدها أموال النفط فى تحقيق التنمية.. وكانت النتيجة "إصلاح
اقتصادي" لا ينتهى.. وتسبب هؤلاء فى لجوء البلاد إلى "البنك الدولى"
و"صندوق النقد" اللذين قال عنهما "جمال عبد الناصر" خلال خطاب
تأميم قناة السويس عام 1956 أنهما "دليسبس العصر الحديث"!!
راهنت "الجمهورية الأولى"
على الشعب الذى لم يخذلها حتى فى لحظة الهزيمة!!
رهنت "الجمهورية الثانية"
نفسها لجماعة "الإخوان" ثم جماعة "رجال المال" فراحوا
يلاعبونها ويلعبون معها فى ضوء الإشارات التى ترد إليهم من وراء البحر والمحيط!!
الحديث عن "الجمهورية
الأولى" يطول.. كما الحديث عن "الجمهورية الثانية" وكليهما له من
يدافع عنه أو يختلف معه.. وتبقى حقيقة يصعب إنكارها, وهى أن "الجمهورية
الأولى" بسنوات عمرها القليلة لها جذور فى أرض مصر.. لكن يصعب أيضا إنكار أن "الجمهورية
الثانية" صوتها هو الأعلى بفضل نفوذ وثروات المستفيدين منها والمستثمرين فيها..
وإذا كان زعيم وقائد "الجمهورية الأولى" قد رحل فى لحظة صمت صاخبة.. لأنه
نام على سريره وفارق الحياة.. إلا أن رؤساء "الجمهورية الثانية" تركوا
السلطة بصور مختلفة, أقل ما يمكن قوله فيها أنها كانت مذهلة.. سواء رحيل مؤسسها أو
من حملوا الراية بعده.. دون داع للإسهاب فى الوصف لأننا مازلنا نتذكره بتفاصيله
كاملة!!
لا يمكننى قبول فكرة ظهور "جمال
مبارك" على النحو الذى اختاره أو اختاروه له!! بمعزل عن رؤيتى للجمهورية
الأولى والجمهورية الثانية.. خاصة أننا بصدد الحديث عن "الجمهورية الجديدة"
دون أن نتحدث عن مشروعها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والفكري.. ودون التورط في
القول أن "الجمهورية الجديدة" تمثل امتدادا للأولى أو الثانية.. لأن
النظام السياسى تحدد ملامحه إنحيازاته الاجتماعية والاقتصادية.. وبما أننا نتحدث
عن نظامين عكس بعضهما, وإن كان مؤسسيهما قد خرجا من عباءة واحدة.. لكن أحدهما
اختار البناء والثانى عقد العزم على الهدم.. وبقيت مصر فى حالة بحث عن مشروع حقيقى
وجاد ينقذها من عواصف عاتية داخليا وخارجيا.. فهل هذا المشروع يمكن إنجازه؟! أم
يتمكن حامل راية "الجمهورية الثانية" واسمه "جمال مبارك" من
استعادة تركة مؤسسها ووالده الذى حافظ عليها.. خاصة وأن الطرف الثانى في معادلة
الحكم – جماعة الإخوان – التى تنتظر عودته.. لأن الفساد لو لم يجد الإخوان
لاخترعهم!!
0 تعليقات