مصطفى طه الراوى
قبل أن نأتى على الآيات التى استشكلت على الناس فى موضوع الجن فقد
جاء فى سورة الحجر ان الجان خلقه الله قبل الإنسان يعنى الجان مرحلة متقدمة فى الخلق
عن خلق الإنسان .
(وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ
مَّسۡنُونٖ٢٦ وَٱلۡجَآنَّ خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ٢٧) الحجر
وقالوا فى التراث ان الجن هو المخلوق الخفى ومن هذا الفهم جاءت
كلمة جنة كخلق خفى علينا إلى الآن فهى جنة وكذلك الجنين والتى جاءت أجنة فى سورة
النجم ولكن كل هذا فهم خاطىء حسب فهمى أنا ولا افرض هذا على أحد ولكن لى الحق ان أتدبر
وافهم بل وانقد ايضا ً اى فهم لا أراه مقنع أو متوافق مع ما فهمته أنا عن نفسى ولا
أقول انى افرض فهمى على احد ولا حتى أريد من احد ان يقول أمون أو أمين بل يتدبر
ويوازن ما كتبته بالآيات وما قاله الآخرين .
الجن خلقه الله قبل الإنسان وطبعا ً حسب ما جاء فى قول الملائكة
بأنه أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء هذا مما يعنى وإطلاع الملائكة على
الساكن فى الأرض فهذا اخذ وقت طويل جدا ً لكى يكون هناك تنافس بين الجن وبعضه
البعض ففسد واسفك الدماء ، فمن هنا الجن قد وكل إليه إعمار الأرض والخليفة عليها
فكانت الأرض ملك للجن فهم القائمين عليها ولكن تنافسهم بما لديهم من طاقة وبعضهم
البعض ادى للفساد وسفك الدماء فكان لابد من مرحلة تهدءة على الأرض فجاء خلق أدم
والذى يمثل مرحلة التهدءة والتى كانت طبيعة خلقه هى التى تبين لنا ذلك فالطين مادة
لينة ، تراب وماء فمن هنا كانت التهدءة على الأرض بالمادة التى منها ولكن وصف الله
لمادة خلق الجن فكان الأساس النار والنار لا يمكن ان تكون نار إلا من خلال مادة
معينة تؤدى للاشتعال وتنتج النار فلا يوجد فى الدنيا نار خاصة بذاتها بل لابد ان
تكون نتاج مادة ما فجاء ذكر نار السموم والسموم مواد طبيعية من طبيعة الأرض ومن
نفس عناصر الأرض فعندنا مادة الكبريت والفسفور والمنجنيز والزنك وغيره من هذه
العناصر التى تعد مركبات من الأرض نفسها بل والتى تشكل ايضا ً عناصر خلق أدم فهذه
العناصر مجتمعة وتفاعلها يؤدى إلى إشتعال النار وأطلق عليها نار السموم ، والسموم
تعود إلى هذه المركبات ثم مرحلة المارج والتى تعنى اختلاط هذه المواد بالماء لكى
تدب فيها الحياة فكل شىء حى دون استثناء الماء هو ما يجعل فيه حياة وهذا حسب منطوق
الآية 30 من سورة الأنبياء .
(أَوَ لَمۡ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ
وَٱلۡأَرۡضَ كَانَتَا رَتۡقٗا فَفَتَقۡنَٰهُمَاۖ وَجَعَلۡنَا مِنَ ٱلۡمَآءِ كُلَّ
شَيۡءٍ حَيٍّۚ أَفَلَا يُؤۡمِنُونَ٣٠) الأنبياء
والجن مخلوق حى بل وعاقل ، فلابد ان يكون الماء مادة أساسية فى
تكوينه وإلا لجاء فى الآية استثناء بأنه جعل من الماء كل شىء حى إلا الجن .
والأدلة عقلية لابد ان نستنبطها من خلال السياقات فإبليس كان صاحب
عقل كبير بل وقارن من خلال ميزان العقل بأنه لا يسجد لما هو اقل منه فى طبيعة
الخلق فأول خطأ وقع فيه إبليس هو عصيان أمر الله فهنا وصفه الله بالفاسق .
(وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ
فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلۡجِنِّ فَفَسَقَ عَنۡ أَمۡرِ
رَبِّهِۦٓۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُۥ وَذُرِّيَّتَهُۥٓ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمۡ
لَكُمۡ عَدُوُّۢۚ بِئۡسَ لِلظَّٰلِمِينَ بَدَلٗا٥٠) الكهف
إلى هنا مازال إبليس ظالم لنفسه ولم يطلق عليه الله وصف الكافر
ولكن فى السقطة الثانية استخدم العنصرية والتى هى من العنصر المكونة له والتى
تعالى بها وتكبر على الله بعد عصيانه .
(قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسۡجُدَ إِذۡ أَمَرۡتُكَۖ قَالَ
أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِينٖ١٢) الأعراف
هنا الفهم يأخذنا إلى ان إبليس كان على درجة كبيرة من الوعى والفكر
فقد قارن ووازن ولكن العنصرية التى تعامل بها مع أمر الله فقد صدر عنصره وهذه هى
بداية العنصرية والتى هى التعالى والكبير على خلق الله والذى نجده واضح جلى فى اهل
المذهب بل وكل المذاهب ، فكانت العنصرية والتى هى التمايز والتمييز بالتعالى
والتكبر على خلق الله بأنهم الفرقة الناجية دون غيرهم بل وجاءت صريحة فى احد أحاديث
القوم بأنه كل الفرق هالكة إلا فرقة واحدة والتى هم عليها فهنا تمثل القوم بنفس ما
تمثل به إبليس من تكبر وتعالى هذا غير أحاديث كثيرة فيها تفصيلات لهذه العنصرية
على خلق الله مثل يضع الله ذنوب المسلمين على اليهود والنصارى وانه الخلافة من
قريش والعشرة المبشرين فكل هذه عنصرية وتعالى وتكبر على الله وعلى خلق الله
والكثير والكثير فى كتب القوم وإلى الآن يزكون انفسهم فصفة إبليس متأصله فى أهل
المذهب تأصيل واضح .
وهذا يأخذنا إلى ان إبليس مخلوق مرئى تماما ً لانه لو كان مخلوق
خفى لما ميز نفسه بطبيعة خلقه فلا يحق له التكبر والتعالى فالذى يحق له التكبر هو
الله وحده والذى هو مميز عن خلقه فالتكبر فى حد ذاته ليست صفة سيئة لان التكبر حسب
ما جاء فى السياق يكون لله وحده فهى إحدى صفات الله ولا ينفع ان يصف بها مخلوق
نفسه ويميز نفسه عن الآخرين .
(هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ
ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلۡمُؤۡمِنُ ٱلۡمُهَيۡمِنُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡجَبَّارُ
ٱلۡمُتَكَبِّرُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشۡرِكُونَ٢٣) الحشر
المتكبر صفة لله وحده لأن التكبر تمايز وتمييز عن باقى الخلق فالله
متكبر لأنه ليس كمثله شىء فى الأرض ولا فى السماء فلا ينفع ان يتكبر مخلوق على
باقى خلق الله فهذا يدل على ان إبليس مخلوق مرئى غير متمايز او مميز عن باقى خلق
الله .
والتميز والتمايز بين البشر هو بأعمالهم وأخلاقهم فهى صفة لما يجب
ان يكونوا عليه ، والتمايز هوما يقوم به البشر فى حركة سعيهم من نفع للناس بل ولكل
خلق الله ولأنفسهم ..
إبليس ميز نفسه عن من سيخلقه الله فكان التميز بعنصره المخلوق منه
والعنصرية هى ان تميز نفسك عن الآخرين وهذا يأخذنا إلى بشرية إبليس وإلا لو كان
هناك فرق لما ميز نفسه فالمادة مختلفة ولكن من الأرض فما ان مادته من الأرض فلا
يحق له ان يميز نفسه بعصره حتى لو كان أعلى طاقة من طاقة الإنسان فالأرض واحدة
والمختلف فقط المادة التى استخدمت منها ..
ثم لم يكتفى إبليس بظلم نفسه ولكن استمر فى العناد فغوى أدم وهنا
فقط تم استدعاء صفة شيطان ، فالشيطان هو من يغوى غيره على الضلال وهذا ايضا ً نجده
أصل متأصل فى أهل المذهب فكثير من كبراء القوم وسادتهم لم يكتفوا بالعنصرية التى
هى التعالى والتكبر على خلق الله بأنهم العالمين وانهم المتخصصين فى دين الله
وانهم الفرقة الناجية بل ومن خلال خطابهم فى الناس بهذا الفسق والعنصرية فقد
اتصفوا بصفة الشيطان لأنهم اغووا الناس بمذاهب صنعوها واخترعوا طقوس ما انزل الله
بها من سلطان وفرضوها على الناس فرضا ً .
فكان إبليس منهج فكرى اعتمد على العصيان والتعالى والتكبر من خلال
عنصره الذى خلق منه ونسى ان الخلق البشرى كله متساوى فجميعهم من الأرض .
فصفة الشيطان ظهرت عندما أغوى إبليس ادم فظهرت لنا هذه الصفة ..
كل هذا يأخذنا إلى ان الأرض قبل خلق أدم كانت تحت سيطرة الجن فهم
من صنعوا فيها وأبدعوا فمن هنا كان الحقد من إبليس على هذا المخلوق الجديد الذى
سيشاركه الأرض وكيف لهذا المخلوق ان يكون شريك فى ما تعبنا فيه وأصبح حق أصيل لنا .
وهذا ايضا ً يأخذنا إلى فكر أهل المذاهب والتعالى والتكبر بأنهم هم
وحدهم المؤمنين دون غيرهم ، وهم وحدهم من لهم الحق فى الأرض وفى كل شىء ولابد ان
نقتل الآخرين أو نستعبدهم ونأخذهم عبيد وجوارى فالأرض ملكنا وحدنا ...
إذا ً إبليس أول من وضع منهج فكرى مخالف لمنهج الله ولابد ان نعلم
ان عصيان إبليس وإغواء ادم كان قبل اى رسالة أو حتى تعاليم إلهية لأدم يعنى
الموضوع كله يتلخص فى العصيان على طاعة الأمر ..
اكتفى بهذا وسوف أعاود لشرح ما استشكل علينا من آيات واعرف ان
الموضوع معقد ومتغلغل فى رؤوس الناس بصورته التراثية التى اعتبر اهل المذهب ان
الجن مخلوق خفى اثيرى وهذا منطقيا ً لا يعقل ولا حتى قرآنيا ً فإبليس اسم علم
والجن صفة بشر ولكن العناصر التى خلق منها الجن هى نفس العناصر التى خلق منها
الإنسان ولكن طبيعة العناصر هى فقط المختلفة كما نقول مثلا ً كثافة المادة بما
تحتويه من ذرات هذا ما فهمته من خلال الآيات ولكن كل البشر من عناصر الأرض ولا
يوجد هناك مخلوق اثيرى طالما سيسكن الأرض فلابد ان يكون منها .
0 تعليقات