مصطفى طه الراوى
فيما سبق شرحت الآية 30 من سورة البقرة والتي اخبر فيها الله
الملائكة انه جاعل فى الأرض خليفة ثم رد الملائكة على الله فى هيئة سؤال استفهامي
بأنه أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ثم بينوا لماذا سؤالهم هذا وفى هذا
البيان قد قاموا بمقارنة بينهم وبين ساكنى الأرض عموما ً فالموضوع كل الموضوع ان
الملائكة لم تعلم الغيب بالمطلق وهذا حسب منطوق الآية نفسها ، فالآية تخبر عن ذلك
بصورة قاطعة (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك)
ويأتى رد الله على هذا الاستفهام (إنى اعلم ما لا تعلمون) من هنا الملائكة لا تعلم
الغيب بالمطلق وفيما سبق ايضا ً أتيت بالآية 12 من سورة الأنفال والتى تقول ان
الملائكة يوحى لهم من الله مثلهم مثل باقى الأنبياء والرسل يعنى الله لم يراه احد
ولن يراه احد بالمطلق لا ملائكة ولا الحبيب نبى التراث ولا غيره ويتلقى الملائكة
وحيهم بما سيقوموا به من أعمال .
الملائكة تعلم طبيعة الأرض وبالتالى طبيعة من يستطيع السكن على
الأرض .
لو نظرنا إلى كل الكائنات الحية التى تعيش على الأرض سواء طير أو
حيوان أو حشرات وحتى الإنسان سنجد هناك عدة عوامل مشتركة بينها وبين الإنسان سواء
فى هيئة تكوينهم وبنيتهم العضوية الداخلية أو فى الشكل الخارجى للأعضاء ولا أتكلم
عن شكل مظهرى ولكن عن عمل الأعضاء ، فم فى كل هذه الكائنات سواء على هيئة منقار أو
على هيئة خراطيم ماصة أو حتى الفم الذى نعرفه فى الإنسان والمشترك فى الشكل
التركيبى مع كثير من الدواب والأنعام لدرجة أن أسنان الضأن والماعز وبعض الأنعام
تماما ً كما هى أسنان الإنسان بل ووظيفة السن والضرب والناب فى جميعها عمله واحد
فى حالة الطعام .
مشتركات كثيرة جدا حتى فى المادة التى يتناولها كل هذه المخلوقات
من طعام تكاد تكون مشتركة ولكن تختلف الأدوات فقط ونفس الهواء والماء الذى للجميع
بل ومادة أساسية لإستمرار حياة كل منهم ..
من هنا استنبط الملائكة ردهم فقد تنافس الجن فيما بينهم وبعضهم
البعض بما انهم أعلى طاقة وأهل فكر وإبداع فتنافسوا مع بعضهم البعض لدرجة الفساد
وسفك الدماء .
من اين علمت انا عن نفسى ان هذا قد حدث بينهم وكان هذا قبل خلق ادم
؟
هذا هو نفس ما نراه نحن الآن ربما فى رقعتنا العربية ولكن الصورة
مختلفة قليلا ً فهناك من هؤلاء الشياطين من استخدموا اسم الدين وصناعة نبى خاص بهم
لكى يتسلطوا على الناس ويستعبدوهم والغاية هى السلطة والإسترزاق والمكانة ثم تخرج
علينا طائفة اخرى تحت مسمى مذهب آخر لتنافس الطائفة الأخرى وهكذا فمن هنا حدث فساد
وسفك دماء وهو نفسه ما كان بين الجن من فساد وسفك دماء .
أدم يمثل مرحلة تهدئة على الأرض تماما ً كما هى مرحلة خلق عيسى ،
فقد افسد بنوا إسرائيل وسفكوا الدماء ووصل الفساد وسفك الدماء لذروته فخلق الله
عيسى الذى مثل خلقه كخلق أدم فهنا المثلية ولا تعنى مثلية عضوية او مادة او اى شىء
بل مثلية فى كونها مرحلة تهدئة على الأرض بعد ان اتجه القوم للماديات وابتعدوا عن
النفس عن المعنى فخلق الله عيسى لكى يعود بالناس للنفس للذات للمصير الإنسانى
والسلام على الأرض .
اتيت بآيات تثبت ان رجال من الأنس استعانوا برجال من الجن فهنا الاستعانة
يعنى المعونة والمساعدة وهذه المعونة والمساعدة بالطبع ستكون فى المتطلب الحياتى
والتى هى أدوات حركية حياة سعى الإنسان على الأرض من مخترعات فى كل مجالات الحياة
من طب وهندسة وزراعة وصناعة وغيره فالجن كما بينت سورة سبأ وسورة الأنبياء وسورة ص
قادر على ان يقوم بأعمال تفوق طاقة الإنس وتحتاج إلى ذكاء وسرعة بديعة وحركة ونشاط
وغيره من الأمور الإبداعية .
وسوف نأتى الآن بآيات ربما استشكلت علينا ولكن قبل هذا علينا ان
نعرف ان ساكنى الأرض والذين كان هو نفسه استنباط الملائكة لكل ساكنى الأرض ان
هؤلاء السكان جميعهم بينهم مشتركات كبيرة لا غنى عنها تخص طبيعة الأرض التى يسكنوا
فيها ومنها ان كل هؤلاء ليس فيهم مخلوق اثيرى ولا حتى الميكروب او الفيروس لانه من
خلال ادوات الخلق والمخترعات البشرية أصبحنا نرى هذه الكائنات فهى كائنات مرئية
ملموسة محسوسة طالما من ساكنى هذه الأرض فالجن لا يمكن ان يكون مخلوق اثيرى طيفى
مخفى بالمطلق وهذا لا يعقل اصلا ً .
وسوف نستدل ببعض الآيات التى تبين لنا ان الجن والأنس واحد فى
الخلق ومن طبيعة الأرض وبعد ذلك اكيد سوف نأتى بالآيات التى استشكلت على الناس وكانت
ركيزة لدجل الدجالين فى التدليس على الناس والموضوع كله كما قلت هو نفس رد
الملائكة الفساد وينتج عنه سفك الدماء لا صلاة ولا حج ولا كلام من هذا .
(يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٞ
مِّنكُمۡ يَقُصُّونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِي وَيُنذِرُونَكُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ
هَٰذَاۚ قَالُواْ شَهِدۡنَا عَلَىٰٓ أَنفُسِنَاۖ وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ
ٱلدُّنۡيَا وَشَهِدُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَنَّهُمۡ كَانُواْ كَٰفِرِينَ١٣٠)
الأنعام
الخطاب عن معشر الجن والأنس ، ومعشر يعنى عشرة ومعاشرة والذى هو
المسمى العام للعلاقات الإنسانية من شراكة وصداقة وزواج وكل العلاقات الإنسانية
فهى معشر والتى منها عشيرة وعشرة ومعاشرة ويعاشر وغيره من هذه المسميات .
إذا ً الخطاب عام وشامل لمعشر الجن والأنس بأنه قد جاءهم رسل منهم
، وطالما منهم فالجن آمن بكتاب موسى وصدق به ثم آمن بالقرآن وايضا ً ما جاء فيه من
آيات كتاب والتى تخص ما شرعه الله من دين وهذا جاء واضح وصريح فى سورة الجن ومن
هنا الرسول النبى محمد والذى أرسله الله بلسان قومه فالجن من قوم النبى ومن نفس
لسانه أى من نفس المنظومة الاجتماعية من عادات وتقاليد النبى نفسه وقومه فهم من
نفس القوم وليس من خارجهم .
(وَرَبُّكَ ٱلۡغَنِيُّ ذُو ٱلرَّحۡمَةِۚ إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ
وَيَسۡتَخۡلِفۡ مِنۢ بَعۡدِكُم مَّا يَشَآءُ كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ
قَوۡمٍ ءَاخَرِينَ١٣٣
إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَأٓتٖۖ وَمَآ أَنتُم بِمُعۡجِزِينَ١٣٤) الأنعام
لنرجع للسياق والذى استمر بعد الخطاب لمعشر الجن والأنس إلى ان
جاءت هذه الآية والتى تقول صراحة بأن الله من الممكن ان يذهبكم اى معشر الجن
والأنس ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنسأكم من ذرية قوم آخرين .
يعنى الجن والأنس جاؤوا من ذرية قوم آخرين وهذا يثبت ان الله دائم
الخلق وان الخلق أطوار فهناك من الخلق قبل هذا الطور أطوار كثيرة ولكل منها ساعتها
وقيامتها وجنتها ونارها ولن تتوقف أطوار الخلق فبعد ان ينتهى خلقنا سيخلق الله طور
آخر من الخلق ولكن من نفس الذرية اى من نفس طبيعة الأرض ومن الأرض .
(يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ لَا يَفۡتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ كَمَآ
أَخۡرَجَ أَبَوَيۡكُم مِّنَ ٱلۡجَنَّةِ يَنزِعُ عَنۡهُمَا لِبَاسَهُمَا
لِيُرِيَهُمَا سَوۡءَٰتِهِمَآۚ إِنَّهُۥ يَرَىٰكُمۡ هُوَ وَقَبِيلُهُۥ مِنۡ
حَيۡثُ لَا تَرَوۡنَهُمۡۗ إِنَّا جَعَلۡنَا ٱلشَّيَٰطِينَ أَوۡلِيَآءَ لِلَّذِينَ
لَا يُؤۡمِنُونَ٢٧) سبأ
الجن صفة عامة لصنف من البشر يخرج من هذه الصفة عفريت وشيطان ولكل
منهما قدرته فى العمل فلكل منهما قدرة معينة ولكن بشر فهى فقط صفات تميز كل منهم
بما يستطيع ان يقوم به من عمل سواء فى الخير او الشر .
الجن له مزاج معين فهو دائما ً فى نفسه لا يحب الاختلاط ، دائما ً
مع نفسه له فكر معين وخيال عالى جدا ً ودائما ً يحب الخيال ، فعندما يريد تحقيق
شىء فلابد اولا ً ان يتصور المشهد فى خياله ويجسد هذا المشهد فى عالم الخيال ثم
يبدأ فى تحقيقه على ارض الواقع فى هيئة مخترع او اكتشاف وغيره من هذه الأمور فهل
كان يتخيل احد اننا من الممكن ان نقابل أصدقاء بعيدين عنا بألاف الأميال أو الكيلو
مترات فى لحظة ونحن مرتاحين مضجعين على أسرة أو أرائك ونتحدث معهم ونشاهدهم هل كان
يتخيل احد هذا المشهد !!
ونفس الشىء فى الشر تجده يخطط فى مكر ودهاء إلى ان يعرف نقطة ضعفك
والتى تكون ظاهرة له تماما ً بما انه يستخدم العقل والتدقيق فى التفاصيل ومن هنا
ايضا ً يحاربك ويعرف كيف يفتنك فى دينك بل ويكشف لك سوءاتك وهنا تحضر صفة الشيطان
والتى تخص الأعمال الشريرة ولكن هناك ايضا ً أعمال إبداعية لهذه الصفة كما وضحنا
من سورة الأنبياء وسورة ص ولكن فى تعامله مع الأنس دائما تحضر أعماله الشريرة لانه
كما ذكرت من قبل ان إبليس لم يكن يرضى على ان يزاحمه ادم فى الأرض ولم يرضى على ان
يسجد لأدم اى انه لم يرضى ان يطيع الله فى هذا المخلوق الجديد فالسجود هو طاعة
وتنفيذ أوامر الله تجاه هذا المخلوق.
الجن بما انه عالى الطاقة والتى تمثل الذكاء وسرعة البديهة
والتدقيق فى التفاصيل فهو لا يميل ابدا ً لمخالطة من هم اقل منه فى الطاقة ، لانه
لن يرضى نفسه فهو يتعامل مع من يقابله ويماثله فى الطاقة فهى عملية إشباع نفسى
فالوقت عنده غالى ثمين لا يضيعه مع من هو اقل منه فلن يستفيد منه بشىء .
والآية من سورة سبأ والتى بينت لنا ببعض الأعمال الإبداعية التى
كان يقوم بها الجن لنبى الله سليمان هى نفسها التى تبين لنا ان الجن مخلوق مرئى
وليس مخفى او اثيرى فالآية تقول (يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم)
نلاحظ الآية قالت من حيث (لا) ترونهم ولم تقل من حيث (لن) فلو كانت
لن إذا ً مستحيل ان نراهم ولكن لا تعنى انه مخلوق مرئى ولكن نحن لا ندقق فى
التفاصيل ولا ننتبه لمن هم من حولنا ولكن الجن دقيق ويدقق فى كل من حوله لا يفوته
شىء .
وتروهم لا يعنى الرؤيا الجسدية المادية فحسب بل هى رؤية المتطلب الحياتى
وما بين السطور وتفاصيل الأشياء والتى نطلق عليها وجهات النظر ومعرفة المغزى من
الكلام يعنى الفراسة والفطنة ودراسة من امامك بعمق والذى فى كلامنا العام نطلق
عليه (يفهمها وهى طايرة) وهذا فى تعاملاته الإنسانية ولكن فى العلوم الإستنباطية
تجده دقيق جدا ً فى البحث والاكتشاف والتطلع للمستقبل فيتخيل ويتصور ثم يخترع
ويبدع لكى يحقق ما دار فى خياله .
يراكم هو وقبيلة اى المقابل له فى الطاقة والتى هى من قبائل اى
المتناظرين فى الطاقة والمثلية الفكرية العلمية والأدبية والثقافية وغيره من هذه
التناظرة .
أعود واكرر علينا ان ندقق فى المفردات ولا نقرأ الآية قراءة سطحية
بل ندقق فى حروف الجر ودلالة الكلمة فالآية تقول (من حيث ...لا ... ترونهم) ولم
تقل من حيث (لن) فهناك فرق كبير ولا تعنى أنهم لن يروا بالمطلق ولكن لا تعود عليك أنت
وعدم انتباهك أنت ، فأنت ولا على بالك أنت تعيش ليومك ونفسك فقط إنسان سطحى
سفسطائى انانى لا ترى شىء من حولك ..
سوف نكمل فى هذا الموضوع لننتهى منه ولن يبقى إلا ما استشكل علينا
من آيات يستخدمها الدجالين من كهنة الدين لضلال الناس وهذا للأسف ما وقعنا فيه
ومازلنا.
0 تعليقات