محمود جابر
فى البداية أحب أن أنبه القارئ العزيز أن كلمة" إسلاميين" ليست
صفة لمن يعتنق الإسلام، بل هو مصطلح اتفق الباحثون على أنه تسمية لجماعات متعددة
هم ورثة الخوارج، الذين ادعوا الإيمان لأنفسهم حصرا بإطلاقهم شعار" لا حكم
الا لله" مكفرين كل من رفض منهجهم، حتى وإن دلس البعض فى هذا الادعاء ولكن
الواقع يشي بأنهم مستعلين على غيرهم من المسلمين مثلهم كمثل الخوارج وكأنهم أحفاد
لهم وورثة منهجهم وسلوكهم.
أما السفسطة هو منهج فلسفى قائم على الاستدلال الصحيح في ظاهره المعتل في حقيقته، والذي تكون غايته
المغالطة والتمويه على الخصم في المبارزات الحوارية أو المخاطبات العامة، إنها إذن
نوع من العمليات الاستدلالية التي يقوم بها المتكلم وتكون منطوية على فساد في
المضمون أو الصورة قد لا ينتبه إليه المخاطب فيقع ضحية هذه الحيل السفسطية فيعتقد
في الكذب صدقا وفي الباطل حقا. وابلغ تسميه لها كما يسميها المصريين ((الفزلكة)) !!
أما العلمانية، فهى
تلك التى يحلونها بوجه ويحرمونها بوجه آخر، وهم يؤمنون ببعضها ويكفرون ببعضها، وإذا
سألتهم قالوا أن العلمانية تعنى فصل الدين عن السياسة، وهى وليدة ثورة الأوربيين
على الكنيسة ونحن – الإسلاميين- ليس لدينا كنيسة ولا كهنوت، وهذا كلام من يدعى
العقلانية منهم، أما البعض الآخر من الإسلاميين فيرى ان كلمة علمانية كلمة مرادفة
للكفر والفسوق والعصيان والخروج من الدين، مستشهدين بآيات فى غير محلها، مثل قول
الله عز وجل ( ومن لم يحكم بما انزل الله فاؤلئك هم الكافرين) ..
ومعركة الإسلاميين مع
العلمانية لم يكن (على المؤمن) أول المتصدين لها، بل سبقه فى هذا الصدد كثيرين، وكل
حاول أن يقدم نفسه باعتباره انه أبنا بارا لتياره ومذهب أو جماعته من اجل خطب الود
أو شحذ الهمم المتعصبة، دون ان يقدم لنا حلا أو بديلا أو رؤية بديلة .
المهم بدأ على المؤمن
سلسلة مقالاته فى نقد العلمانية بـ " "العَلمانية"، هي عقيدة أوروبية، نشأت
على قاعدة تفكيك التحالف بين سلطة الدولة والسلطة الدينية، وهو التحالف التخادمي
الموروث الذي أسسه الإمبراطور الروماني قسطنطين الأول (272 ـــ
وللأسف فإن استخدام
المؤمن لكلمة " عقيدة" فى وصف العلمانية، وهو نوع من أنواع التكفير
الخوارجى الذى يعد المنهج الأصلي للخوارج فى تكفير كل من يخالفهم، فكلمة عقيدة
تعنى أن كل من يعتنق العلمانية فقد خالف الإسلام كدين !!
ورغم شرح المؤمن
لظروف نشأت هذه العلمانية وهو الصراع بين المثقفين والكنيسة، ومحاولة الخروج من
نفق الاستبداد، ولكن منهج الرجل جعله يقدم كلاما غير مفهوم ولا يفهم منه إلا ان
العلمانية تعنى الخروج على الدين أو منه على حد سواء ...
وحاول المؤمن ان يشرح
لنا أسباب وجود ثورة على الكنيسة حيث ذهب الى ان الأوربيين استحدثوا دينا أوروبيا
مخالف للمسيحية التى جاء بها عيسى المسيح عليه السلام، لهذا كانت النتيجة هى عدم
تناسب المسيحية الأوربية مع الفطرة فكانت الثورة ومن ثم كانت العلمانية كرد فعل
لتزيف المسيحية، ولكن هذه الثورة أنتجت دين أو عقيدة جديدة اشد انحرافا من
الاستبداد الكنسي !!
ولإثبات ما حاول شرحه
فى المقال الأول والثاني قال المؤمن: " لاتوجد ايديدلوجية دينية على مر
التاريخ، انتشرت بالسيف والقهر؛ كما انتشرت المسيحية القسطنطينية، بل أن هذه
الايدولوجيا قمعت مسيحيي الشرق الأصلاء، وذبحتهم، ودمّرت كنائسهم، وفرضت عليهم
أتباع المسيحية الأوربية. وبمراجعة سريعة لما فعلته الجيوش المسيحية القسطنطينية
الرومانية بمسيحيي مصر وفلسطين والشام؛ يتبين مدى تعارضها البنيوي مع المسيحية
الأصيلة ومع تعاليم السيد المسيح".
سفسطائية المؤمن لم تغب كثيرا عن حصافة المتابع والقارىء فما حاول إخفاءه
فى المقالات الثلاثة الأولى، ظهر جليا فى مقاله الرابع شديد الصلة بما اقتبسناه فى
الفقرة السابقة، حينما وصف المسيحية الأوربية بأنها الإيديولوجية الوحيدة على مر
التاريخ التى انتشرت بالسف ...
واذا فى المقال الرابع يقول" هناك
تشابه كبير، الى حد التطابق أحياناً، بين العقيدة الأموية السلطوية التي بلور
معالمها معاوية بن أبي سفيان في الشام، وبين الديانة المسيحية الرومانية
القسطنطينية، من ناحية حجم الانحراف العقدي والأخلاقي، والسلوك الإمبراطوري
الاستبدادي، وصولاً الى محاولات مصادرة الإسلام الأصيل، وقمع المسلمين الحقيقيين
وذبحهم، والاستغلال الإيديولوجي الاستكباري بهدف توسيع رقعة الإمبراطورية الأموية
باسم الفتوحات الزائفة، على حساب أراضي الشعوب وحقوقها وحرياتها" ...
إذا لم يعد الاستبداد
والقهر والسيف حصريا من نصيب المسيحية الأوربية، بل أن لها شبيه عربى مسلم وهى (( الأموية))
التى اتهمت باختطاف الدين واستغلاله واستخدام السيف فى قهر الشعوب هى الأخرى،
فالرجل ينكر ما يثبته بقلمه وبيده...
فقد نفى عدم وجود
قاهر ومتجبر ومتسلط مثل المسيحية الأوربية، ثم جعل من الاموية المحسوبة على الإسلام
مثل السابقة، ولم يعد المسيحية تلك هى الوحيدة كما قال، ولم يتوقف المؤمن عند
الاموية، بل ضم الى الأمويين سلطة الخلفاء الثلاثة – دون الرابع- التى تلت وفاة
النبى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وبهذا يمكن تصنيف المؤمن بأنه من (الخوارج الشيعية)
بكل سهولة ويسر...
ولكنه افرد مقاله
الرابع بشكل كامل لنقد الإسلام، غير الشيعى، وكال له كل الاتهامات التى وصلت بشكل
واضح الى حد اتهامه بالكفر الصريح ........
يتبع ..
0 تعليقات