آخر الأخبار

التّوتّرات تتصاعد (١٣)- الحرب العقلية شكل جديد لبروباغاندا الحرب

 

في المجتمعات الدّيموقراطية الحديثة، البروباغاندا تشبه خدعة السّاحر: يجب إلهاء الجموع لحجب عنها ما يجب أن تتجاهله.





بقلم تييري ميسان

 


إذا كان الجيش الرّوسي قد انتصر في حربه ضدّ البانديريّين في أوكرانيا، فإنّ النّاتو قد انتصر في حربه النّفسية على مواطنيه في الغرب. لقد تمكّن الحلف الأطلسي من تطبيق شكلٍ جديدٍ للبروباغاندا، يستند فيه إلى ما كان يندّد به سابقاً: الأخبار الزّائفة، أي ليس تلك الّتي تحمل معلومات خاطئة، بل متحيّزة. كيف نحتمي؟

 

سلاح النّاتو

 

قال سان تزو، في كتاب فنّ الحرب، أنّ "ذروة فنّ الحرب ليست في إخضاع العدو عبر استخدام القوّة، بل دون إراقة قطرة دم".

 

يدير الجنرال الفرنسي فيليف لافين من "مركز تحويل قيادة الحلف"، التّابع للناتو، الأبحاث المتعلّقة بأساليب البروباغاندا الجديدة.

 

تضمّ قيادته ٢١ مركز إبداع، أحدهم مختصّ بالبروباغاندا: مركز الإبداع المتعلّق بالاتصالات الإستراتيجية، في ريغا (لاتفيا) .

 

تقرير النّاتو عن الحرب الفكرية (تشرين الثاني ٢٠٢٠). إضغطوا على الصّورة لتحميل الملف.

 أسّس لافين ملتقى الابتكار (أي هوب) التّابع للناتو، بإدارة الفرنسي فرانسوا دو كلوزيل، وهو بروفسور سابق في كلّيّة كويتقيدان الحربية. يموّل لافين عبر قيادته أبحاثاً في جامعة جون هوبكينز وجامعة لندن الإمبراطورية، تتعلّق بالقدرات العقلية، أي بمجموع النّظام التّفكيري، وتتشعّب إلى تطبيقات عديدة، من الجندي البيوني، إلى بروباغاندا الحرب.



فكرة النّاتو هي إضافة مسرح عمليات جديد يضاف إلى المسارح الاعتيادية (بر، جو، بحر، فضاء، سايبر): العقل البشري. بحسب فرانسوا دو كلوزيل، "العمليات الّتي تتمّ في الإطارات الخمس تهدف إلى إحداث فرق في الإطار الإنساني، بينما تهدف الحرب الفكرية إلى جعل كلّ فردٍ سلاح".

 

خلال الحرب العالمية الأولى، كانت بروباغاندا الحرب مبنية على معلومات كاذبة روّجها أهمّ كتّاب العصر؛ خلال الحرب العالمية الثانية، استندت البروباغاندا إلى تكرير رسائل مُختارة. أمّا اليوم، فهي مثل خدعة السّاحر. يتعلّق الأمر باللّعب على عواطف النّاس لإلهائهم وحجب عنهم ما لا يجب أن يرونه. بذلك، يحكم النّاس بالاستناد إلى المعلومات المعدومة الفائدة الّتي يُسقَون بها. دون أن نكذب، نتمكّن من إيهاهمهم كلّيّاً وحملهم على رؤية الأسود على أنّه أبيض.

 

إنّنا نعيش بمناسبة حرب أوكرانيا أَول تطبيق لهذه التّقنية.

 

لكي تفهمون قصدي، سأتكلم عن بعض المعلومات الّتي يريدونكم أن تنسوها، ثمّ سأعود إلى تغطية التّلفزيون الفرنسي للحرب. الأمر مشابه إذا أخذنا التّلفزيون الألماني، البريطاني، أو الأمريكي.

 

عدد الهجمات المسجلة في دونباس (14-22 فبراير 2022) يمكن لكم أن تحمّلوا تقريرات منظّمة الأمن والتّعاون اليومية على هذا الرّابط:

مسؤولية القادة الغربيين في حرب أوكرانيا في الغرب، تحمّل الرّواية الرّسمية كامل المسؤولية على الرّئيس الرّوسي وحده، فلاديمير بوتين، وفرعياً بعض الشّخصيات السياسية والمالية في نظامه. ولكنّ هذه الرّواية تبدو خاطئة كلّيّاً إذا ما نظرنا إلى تقريرات منظّمة الأمن والتّعاون اليومية. تشير التّقريرات إلى سماع هجوم من قبل قوّات كييف على الدّونباس، في ١٧ شباط، بعد الظّهر.

 

جميع وكالات الأنباء تحدّثت عن هرب ١٠٠ ألف مدني على الأقل، إلى داخل الدّونباس أو إلى روسيا. كذلك، سمع قائدو النّاتو الأساسيون خطاب الرّئيس الأوكراني زلنسكي، في مؤتمر ميونخ، حيث أعلن أنّه يريد أن يتحصّل على السّلاح النّووي ضدّ روسيا.

 

من هنا نرى أنّ كييف هي من أطلقت شرارة القتال، وليس موسكو.

 

بالطّبع، لا أحد يعتقد أنّ كييف قد أطلقت شرارة القتال ضدّ عدوّ أقوى بكثير دون أن تكون قد تحصّلت مسبقاً على تطمينات من حلفاء قادرين ظاهرياً على حماية البلاد من روسيا. لا يمكن أن يتعلّق الأمر إلّا بالنّاتو أو الولايات المُتّحدة، وبالقوى النّووية الأخرى، فرنسا وبريطانيا.

 

بحسب علمنا، أوّل لقاء أُعرِب فيه عن استحسان قيام هذه الحرب هو في غرفة الممثّلين في الكونغرس الأمريكي، في ٥ أيلول ٢٠١٩. تمّ تنظيم الاجتماع من قبل مؤسّسة راند، المعهد الفكري التّابع للّوبي العسكري-الصّناعي الأمريكي. تعلّق الأمر بتقديم تقريرَين: "نشر روسيا وإفقادها توازنها" و"نشر روسيا: المنافسة من موقعٍ مؤاتٍ". الفكرة الرئيسية هي استخدام الميزة الّتي تبني روسيا إستراتيجية دفاعها عليها، ولكن ضدّها. بما أنّ أراضيها شاسعة وأن الرّوس يدافعون عنها عبر التّراجع واستخدام "إستراتيجية الأرض المحروقة"، يكفي أن نجبرهم على التّنقّل خارجها لكي يتمّ إنهاكَهم.

 

أهمّيّة هذا الحدث تظهر لنا مع الواقعة الّتي طالت زميلنا، عالم الجغرافيا الإيطالي مانليو دينوتشي. قامت الجريدة الّتي يكتب لها، إل مانيفستو، بحظر مقاله المتعلّق بهذا الموضوع، واضطُرّ إلى ترك منصبه .

 

ثلاث أحداث تؤكّد تورّط الولايات المُتّحدة، المملكة المتحدة، وفرنسا في التّحضير السّرّي لهذه الحرب.

 

في ٢٤ آذار ٢٠٢٢، تمّ نشر فيديو محادثة هاتفية، مدّته ٢٢ دقيقة، بين بين والاس (وزير الدّفاع البريطاني) والكوميديّين الرّوسيّين فلاديمير كوزنتسوف (فوفان) وألكسي ستولياروف (ليكسوس). قام أحدهما بانتحال شخصية رئيس الحكومة الأوكرانية دنيس شميهال، الّذي لم يتلقِ به والاس يوماً.

 

أجاب والاس على مسألة مساعدة لندن لكييف في تحصّلها على السّلاح النّووي، بأنّ ذلك يستلزم استشارة رئيس الحكومة بوريس جونسون وأنّه، مبدئياً، "سنساند أوكرانيا، كونها صديقة، في أيّ خيارٍ تقوم به". إذاً، بجملة واحدة، قضى والاس على معاهدة منع انتشار الأسلحة النّووية.

 

بالنّسبة للصّواريخ الخفيفة المضادّة للدّبابات (إن لاو) الّتي أرسلتها المملكة المتحدة، اعترف والاس أنّها غير فعّالة وأنّه قد تمّ إرسال قطع غيار أيضاً.

 

ولكنّ ذروة ثرثرة والاس كانت فيما يتعلّق بالنّاتو، بحيث انّه قام بدعوة أوكرانيا مجدّداً للانضمام إلى الحلف الأطلسي. وكشف دون قصد إرسال لندن لخبراء عسكريين طوال عدّة سنوات لتجهيز الجيش الأوكراني.

 

فعلت حكومة جونسون كلّ شيء بوسعها لحجب، أو بالأحرى تقليص هذه الاعترافات. تمّ التّظاهر بأنّ الحديث لم يدم أكثر من ١٠ دقائق ومُنع غوغل/يوتيوب من نشر الفيديو كاملاً. دُعيت وسائل الإعلام البريطانية إلى التّركيز على عثرة السّلاح النّووي وتجاهل النّقطتين الثّانيتَين. هذه طريقة البريطانيين المعهودة: لا ينفون كلّ شيء بالكامل، ولكنّهم يخفون النّقاط الأكثر خطورة.

 

في ٢٥ آذار ٢٠٢٢، توجّه الرّئيس بايدن إلى قصر الاجتماعات في جيشوف (بولندا)، مصطحباً معه مديرة وكالة الولايات المتّحدة للتنمية الدولية ساملنثا باور (سفيرة إلى الأمم المتّحدة سابقاً) والرّئيس البولندي أندري دودا. فلنتذكّر، بالمناسبة، أنّ دودا قد استحصل على قانون ينفي مسؤولية الدّولة البولندية في جرائم النّازية ويفتح الباب أمام مداعاة من يذكرها قضائياً. تحدّث بايدن مع عدد من المنظمات الغير حكومية وشكرها على دعمها للمهجّرين الأوكرانيين. بعد ذلك خاطب بايدن جنود الكتيبة ٨٢ المظلّيّة في مواقعهم. ثمّ توجّه إلى قاعة طعامهم وتكلّم دون كاميرا أو شاشة تلقين. في هذه الحالة، كما هو الحال في كلّ مرّة يُترك فيها دون مراقبة، كشف الرّجل العجوز (٧٩ سنة من العمر) أسرار الدّولة.

 

بحسب الشّهود، شكر بايدن الجنود على عملهم في أوكرانيا منذ فترة طويلة، بالرّغم من موقف الولايات المتحدة الرّسمي الّذي ينفي تواجد أي جندي أمريكي على الأراضي الأوكرانية.

 

في ٢٩ آذار ٢٠٢٢، تمّ طرد الجنرال إريك فيدو، مدير المخابرات العسكرية الفرنسية. لم يتمّ تقديم أي تفسير رسمي. يبدو أنّ فيدو، في الواقع، قد نشر رجالاً، بأمرٍ من هيئة أركان الرّئيس ماكرون الخاصة، في ٢٠٢١، عندما كان قائداً لفرع العمليات الخاصّة، بهدف توجيه فرقة أزوف البانديرية. فوراً، حاولت خمس مروحيات أوكرانية أن تهرب من ماريوبول، عاصمة فرقة أزوف، وتمّ إسقاط مروحيّتين في ٣٠ آذار. أسر الجيش الرّوسي النّاجين، وتكلّموا فوراً. جنود قيادة العمليات الخاصّة هم، في المسائل اللّوجستية تحت إمرة قائد هيئة أركان الجيوش المشتركة، الجنرال تييري بوركارد، ولكنّهم يأتمرون مباشرةً من قائد القوات المسلّحة، الرّئيس إيمانويل ماكرون.

 

بردت العلاقات بين الرّئيسين ماكرون وبوتين فوراً.



كيف تحجب بروباغاندا الحرب الحقيقة؟


في فرنسا، تملك الدّولة قناة "تلفزيون فرنسا"، الموجّهة إلى شعبها (فرانس-٢ هي القناة الأكثر شعبية)، و "فرانس ميديا موند" الموجّهة إلى الخارج. هذه الأخيرة موضوعة تحت سلطة وزارة الخارجية المباشرة وتبثّ فرانس-٢٤ بعدّة لغات.

 

إقترحت فرانس-٢ نشرة صحافية مباشرة من لفوف (أوكرانيا)، تذيعها نجمة القناة، آن- صوفي لابيكس، في ١٤ آذار ٢٠٢٢.

 

تقريبا، ٢٠٪ من الجموع يشاهدون هذه النّشرة. تطرّقت النّجمة إلى حجم الدّمار واللّاجئين المنهكين، وتجوّلت في المدينة، لكن دون أن تلاحظ التّمثال الكبير الّذي يمجّد ذكرى ستيبان بنديرا، قائد معاوني النّازية الأوكرانيين. ثمّ طرحت أسئلة على عمدة المدينة، أندري سادوفي، دون أن تشير إلى كونه أحد أهم أوليغارشيّي البلاد، ولم تطرح أيّ سؤال عن مجموعته الإعلامية، الّتي تديرها زوجته. هذا مهم، لأنّها تجاهلت بذلك المواضيع الّتي تمّ بثّها على القناة التّابة له "٢٤ كانال"، خلال اليوم السّابق، حيث تمّ التّشجيع على قتل جميع الرّوس، بما فيهم النّساء والأطفال، تبعاً لنصيحة أدولف أيخمان (المسؤول في منظّمة الشّوتستافل). لم تشير الصّحافية ابداً إلى أنّ بثّ هذا البرنامج كان يعود لمبادرة سادوفي وزوجته، كلاهما زبونَين لوكالة " بوبليسيس"، التّابة لآرثر سادون، زوج آن-صوفي لابيكس.

 

المشاهد الّذي يجهل كلّ شيء عن تمجيد النّازية في أوكرانيا والحثّ إلى اتّباع نهجها، سيبكي بطبيعة الحال امام كمّيّة الآلام الّتي يراها، وسيعتبر، دون أن يتردّد، أنّ الرّوس كاذبين ومجرمين، وأنّ الأوكرانيين ضحايا دون ذنب.

 

في ٢٥ آذار، تطرّقت قناة فرانس-٢٤، في برنامجها "صحيح أم زائف"، إلى مقابلة وزير الدّفاع البريطاني بين والاس مع كوميديَّين روسيَّين. متّبعةً تعليمات مكتب بوريس جونسون، أعطت القناة كامل انتباهها إلى مسألة السّلاح النّووي، لكي تبتعد عن عدم فعالية الصّواريخ المضادّة للدّبابات، خصوصاً تواجد خبراء عسكريين بريطانيين في اوكرانيا منذ عدّة سنوات. قدّمت القناة الكوميديَّين على أنّهما مجرّد شخصيّتَي يوتيوب، لكي تتناسى أنّهما يعملان لصالح قناة إن تي في، ممّا يسمح لها بعدم التّطرّق إلى واقع أنّهما محظورين من على يوتيوب في بلد حرّيّة التّعبير والتّعديل الأول للدّستور. أعدّت هذا البرنامج الصّحافية كاتالينا مارشان دو ابرو، المختصّة في مجال معالجة "المعلومات المزيّفة" (أي المتحيّزة).

 




بلغت الأمور ذروتها في ٣١ آذار، مع نشرة فرانس-٢ . قام "تلفزيون فرنسا"، الّذي كان حتّى تلك اللّحظة ينفي أيديولوجية فرقة أزوف، بنشر تقرير عن هذه المجموعة. اعترفت القناة أنّه، عام ٢٠١٤، تسرّب بعض النّيونازيّون إلى هذه الفرقة، بحسب قائدها أندري بيليتسكي، ولكنّها أكّدت على تغيّر ذلك، وتحوّل الفرقة إلى مجموعة دفاعية محترمة. لم تتطرّق فرانس-٢ إلى أحد المؤسّسين الآخرين، دميترو ياروش، عميل النّاتو ومنظّم سابق للتّعاون بين النّيونازيّين الاوروبيين والجهاديين في الشّرق الأوسط، ضد روسيا ، الّذي أصبح مستشاراً لقائد القوات المسلّحة الأوكرانية .

 

تطرّقت فرانس-٢ إلى تقريراً قديماً لمنظّمة الأمم المتّحدة، يثبت وقوع أعمال تعذيب، ولكنّها تجاهلت اكتشاف الجيش الرّوسي لسجونٍ خاصّةٍ [9] وبيانات الأمم المتّحدة الحديثة فيما يتعلّق بهذا الموضوع. لم يفسّر التّقرير من هم البنديريين ولم يحدّد دورهم في تاريخ اوكرانيا، كما أنّه قلّص أهمّية تواجد النّيونازية إلى لبس الصّلبان المعقوفة. بعد أن قامت القناة بحجب المشكلة عن المشاهدين، قدّرت عدد النيونازيين بحوالي ٣٠٠٠ إلى ٥٠٠٠ شخص.، بينما تؤكّد وكالة رويترز أنّ عدد المجنّدين البنديريّين هو تقريباً ١٠٢٠٠٠ رجلٍ يتوزّعون في عدّة ميليشيات تمّ دمجها ضمن قوّات الدّفاع الرّسمية .


التّوتّرات تتصاعد (10) — أضرار تبعيّة Nouvelle traduction : إسرائيل مصدومة بالنّيونازيّين الأوكرانيّين

إرسال تعليق

0 تعليقات