عز الدين البغدادي
حزب الدعوة ومثله الإخوان
المسلمون في أصلهما حزبان بعيدان عن الطائفية في أساس بنيتهما الفكرية، إلا أنهما
في حال احتاجهما للخطاب الطائفي يمكن بكل بساطة ان تجدهما أكثر تطرفا وطائفية من
السلفية السنية والشيرازية الشيعية.
وقد آثار استغرابي مقال باسم
علي. م. الذي يطرح نفسه كمفكر لحزب الدعوة، وقد أعلن فيه تأييده وحثه على إزالة الأسماء
والنصب التي ترمز لبعض الخلفاء العباسيين ومنهم مؤسس بغداد الخليفة أبو جعفر
المنصور. طبعا أنا كتبت مقالة عن موضوع "المظلومية" في كتاب "الذريعة
الى نهضة الشيعة" وبينت أنها مقولة غير دقيقة في وصف التاريخ الشيعي وبالأدلة
القطعية الواضحة، وهنا لا بأس بأن نقف عند بعض النقاط التي تتعلق بالموضوع:
أولا: الجدل المثار الآن هو جدل
إعلامي فقط، والهدف منه إثارة الجانب الطائفي من قبل جهات طائفية فاشلة سياسية
تريد استثمار بعض القضايا التاريخية لإرباك الوضع السياسي والاجتماعي لصالحها فقط.
ثانيا: عندما نتعامل مع
الشخصيات المؤثرة فإننا نتعامل معها تعاملا حضاريا، أي من خلال ما قدمته حضاريا
إيجابا أو سلبا وليس من خلال رؤيتنا الدينية لها، لذا ننظر بإعجاب الى سرجون
الاكدي كرمز كبير وحد العراق، وحمورابي باعتبار منظومته التشريعية، ونبوخذ نصر
باعتبار آثاره وفتوحاته، وامرئ القيس والمتنبي وأبي نؤاس، ننظر باعتزاز الى سعد
الوتري كطبيب متميز ومحمد باقر الصدر كفيلسوف وانسان وعلي كاظم كرياضي كبير وزها
حديد كمعمارية متميزة ويوسف العاني كممثل رائع جدا وجواد سليم كفنان كبير، ونفس
الشيء ينطبق على كثير من الشخصيات العامة ولها سلبياتها بالتأكيد. قطعا لست من
عشاق المنصور فهو ملك كغيره من الملوك لكن يجب أن نفهمه تاريخيا لا عقديا.
ثالثا: التعامل مع التاريخ
كحاضر أمر خطير يعكس اختلالا عقليا وليس فكريا، وهو ما يذكرنا بمحاكمة هشام بن عبد
الملك قبل سنوات في محكمة الكوفة في مسرحية هزيلة مخزية في وقت يتلاعب فيه
الفاسدون بمليارات الدولارات دون ان يجدوا من يقف في وجوههم.
رابعا: سبق وان تحدثنا عن حديث "ما
منا إلا مقتول أو مسموم" وبينا ضعفه، وان الأئمة (ع) فيهم من قتل مسموما
ومنهم من قتل بالسيف ومنهم من مات موتا طبيعيا وقد بينا ذلك في كتاب "نظرية الإمامة"
ولا دليل معتبر تاريخيا على ان وفاة الإمام الصادق (ع) كانت اغتيالا من قبل
المنصور العباسي.
وقد ترجم المفيد للإمام الصادق (ع)
فقال: ".... ودفن بالبقيع مع أبيه وجده وعمه الحسن عليهم السلام" ولم
يذكر شيئا عن كونه قتل مسموما، رغم ان هذا الكتاب هو من أهم ما كتب في تراجم الأئمة
(ع).
وفي الكافي في باب " باب
مولد أبي عبدالله جعفر بن محمد عليه السلام " قال: ومضى (عليه السلام) في
شوال من سنة ثمان وأربعين ومائة، وله خمس وستون سنةً، ودفن بالبقيع".
كما روى عن أبي بصير، قال:
"قُبض أبو عبد الله جعفر بن محمد وهو ابن خمس وستين سنةً في عام ثمان وأربعين
ومائة، وعاش بعد أبي جعفر (عليه السلام) أربعاً وثلاثين سنةً.
ولم يذكر انه قتل أو مات
مسموما، نعم ذكر ابن طاووس في "مهج الدعوات" أن المنصور عزم على قتل الإمام
الصادق (ع) ورفض وساطة بعضهم في ذلك وقال: الملك عقيم، لكن الرواية تذكر أن
المنصور استدعى الإمام الصادق ودعا بسياف و قال له إذا أنا أحضرت أبا عبد الله و
شغلته بالحديث و وضعت قلنسوتي فهو العلامة بيني و بينك فاضرب عنقه، الا ان القصة
التي رواها تقول بأن المنصور سرعان ما غير موقفه عند دخول الإمام بسبب الهيبة التي
دخلت على قلبه منه.
كما أن أبا الفرج الاصبهاني وهو
الذي تتبع مقاتل آل البيت (ع) لم يذكر في كتابه "مقاتل الطالبيين" شيئا
عن تعرضه للقتل مسموما.
بل والأدهى من ذلك أن اليعقوبي
وهو مؤرخ شيعي معروف، ذكر رواية عن إسماعيل بن علي: "دخلت على أبي جعفر
المنصور وقد اخضلّت لحيته بالدموع وكأنه متأثر من مصيبة وألمّه أمر جلل" وقال
لي: "أما علمت بما نزل بأهلنا؟" فقلت: "وما ذاك يا أمير المؤمنين؟!"
قال: "فأن سيّدنا وعالمنا وبقية الأخيار منا توفي!!"
فقلت: "ومن هو
يا أمير المؤمنين؟" قال: "ابن عمنا جعفر بن محمد" قلت: "أعظم
الله أجر أمير المؤمنين! وأطال بقاءه" فقال: "إن جعفراً ممن قال الله
فيهم: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾،
وكان هو من السابقين في الخيرات.
بأي حال وبغض النظر عن صحة
رواية اليعقوبي، فإنه لم يأت في مصدر معتبر ناهض ما يدل على انه المنصور هو من قتل
الإمام الصادق (ع)، فتأمل قيمة كثير من أفكارنا الدينية التي ندافع عنها ونحب
عليها ونبغض عليها…..
والله المستعان
0 تعليقات