آخر الأخبار

ردا على علي المؤمن: بين لاهوت الخوارج وناسوت العلمانية (2)

 

 

 


 

 

 

محمود جابر

 

فى الحديث المتواتر عند كل فرق الإسلام يحذر النبى صلى الله عليه وآله وسلم من أتباع سنن من كان قبلنا، وهذه السنن ذكرها القرآن الكريم، فى الإتباع السيئ لرجال الدين – الرهبان- الشيوخ – المراجع- فاتباع من هو اعلم منك أمر جيد وصحيح وعقلائى، ولكن الإتباع الأعمى والتعصب لهذا الإتباع هو أمر غير محمود ونتائجه كارثية، على الدين والدنيا معا .

 

النص الدينى نص مطلق، ورؤيتنا للنص وفهمنا له دائما نسبية تختلف من عقل إلى عقل، وبما أننا لا نملك وحيا أو معصومية على الفهم المطلق فعلينا أن نعتمد "رأى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب"..

 

وهذا هذا ما نطلق عليه المطلق والنسبى، وهو يعتبر من الموضوعات المهمة جداً؛ لأنه من الأمور التي تمس الدين خاصة في مجال العقيدة، فينبغي أن نتعرف على كل من النسبي والمطلق، وما المراد بهما. وهو أن المراد بالنسبي ما يقبل الاختلاف والتغيير وليس مقدساً، وكل ما كان نتاج العقل الانسانى فهو نسبى.

 

العلمانية، هو ذلك المصطلح الذى عبد الطريق للنسبية وفرق بين (الناسوت) و(اللاهوت)، أو بين (عالم الغيب) و(عالم الشهادة)، من خلال إطلاق العقل البشرى فى اكتشاف المعارف دون أن يضفى عليها مسحة لاهوتية مقدسة أو غيبية، وهذا هو المنهج العلمانى.

 

وهذا المنهج ليس مقابلا للدين أو ندّا له ولا بديلا عنه، وهو غير قائم على الحق الإلهي ولا على قاعدة مقدسة لفهم العالم وإدراكه.

 

فـ (الناسوت) أو (عالم الشهادة)، نفهمه بأدواتنا التي نملكها، وما يصاحبها ويعتريها بالضرورة من ذكاء وخبرة وتجارب وأهواء، وسموّ ومصالح وخطأ وصواب.. ما يجعلها دائما ليست يقينية وعرضة للمراجعة والتصحيح، ويجعلها أيضا نسبية؛ بمعنى أنها أفضل ما توصلنا إليه في هذه اللحظة، أو بالنسبة لما نعرفه ونشاهده. وبذلك، فإن العلمانية ليست في حال جدل أو اختلاف أو اتفاق مع الدين.

 

 يمكن أن يكون المتدين علمانيا، ويمكن أن يكون لدينا علمانية مسيحية أو علمانية إسلامية أو علمانية يهودية أو علمانية هندوسية

 ردا على على المؤمن : العلمانية و سفسطة الإسلاميين الخوارج

وحتى بالنسبة لأولئك الذين يعتقدون أن ثمة حقا نزل من السماء لتنظيم الحياة والعالم المشهود، فإنه وعلى نحو عملي تطبيقي، لا يمكن فهم وتطبيق هذا الحق إلا بمؤسسات وإفهام بشرية، وهذا يحوله حتما وبالضرورة إلى منتج بشري، ما يجعل فهم الدين وتطبيقه مسألة بشرية، عرضة للاختلاف والتعدد. بل إن فرص التعدد والاختلاف في فهم الدين وتطبيقه تساوي عدد المؤمنين، ولا مخرج من هذا الخلاف سوى الاحتكام إلى الانتخاب والاقتراع، أو السلطة الغالبة، ما يجعل بالضرورة نتيجة هذا التصويت قرارا أو فهما بشريا لتطبيق الدين لا نملك دليلا على صحته أو صوابه سوى قرار صندوق الانتخاب أو السلطة الغالبة. وهذا يقودنا إلى علمانية دينية؛ بمعنى فهم الدين وتطبيقه اعتمادا على أدوات ومناهج نسبية وغير يقينية.

 

إن الاحترام الحقيقي والفعلي للدين، لا يكون إلا باعتباره مسألة شخصية،لا يحق لأية جهة أن تتدخل فيه بالفرض والإكراه، فأن يؤمن الفرد أو لا يؤمن، ذلك شأنه وحقه ولا دخل لأي كان في هذا الشأن والحق، وهذا المفهوم العلمانى يتطابق تطابقا حرفيا من النص المقدس فى القرآن الكريم.

 

إن القول بالعلمانية، لا يعني إلغاء الدين من المجتمع، ولكن مناهضة استغلال الدين في الصراعات السياسية، واستثماره في إضفاء الشرعية على سلطة استبدادية، أو تبرير ممارسات منافية للديمقراطية.


العلمانية في المجال السياسي التطبيقي، تعني حياد الدولة تجاه الدين.  

 

وهذا لا يعني عداء للدين، ولا بالضرورة عدم تدين. وكل الدول التي لديها وزارة للأوقاف و/ أو تعلم الدين في مناهجها ومدارسها الرسمية و/ أو لديها دائرة رسمية للإفتاء، وسلطة دينية للقضاء.. هي دول ليست علمانية. وبذلك، فإن جميع الدول العربية ليست علمانية؛ على العكس، هي دول دينية وتبالغ في دورها الديني.

 

والعلمانية لا تعني بالضرورة الديمقراطية. ولكن، لا ديمقراطية بلا علمانية. إذ يمكن أن تكون هناك علمانية بلا ديمقراطية، ولكن الديمقراطية بالضرورة لا تتحقق إلا بالعلمانية. والأخيرة لا تعني بالضرورة التقدم أو الفشل، فيمكن أن تكون الدولة علمانية وفاشلة ومتخلفة في الوقت نفسه، كما أن الديمقراطية لا تعني بالضرورة التقدم أو الفشل، فقد تتقدم الدولة وتزدهر في ظل نظام سياسي استبدادي.


لكن، وفي غالب الأحوال، فإن العلمانية والديمقراطية تمثلان ملاذا للمجتمعات والأطراف المختلفة لبناء عقد اجتماعي يؤسس لعلاقات صحيحة بين الدولة والمجتمع، واختيار القيادات السياسية والاجتماعية على أسس عادلة، تنشئ غالبا العدل والازدهار والتقدم.

 

 

والعلمانية وحدها كرؤية وإطار تسمح وتقبل بهذا كله. إن خلق عمق فكري واجتماعي بهذا المنظور، ثم مأسسته ودسترته لأمر يفرض نفسه إن كنا فعلا نريد ترسيخ مجتمع علماني ديمقراطي، ليس فيه من المقدسات إلا حقوق الإنسان، وحقوق الانسان هو الخير الذى يمحو كل شر وهو ما يجعل الإنسان قيمة غير مهدرة وغير مستغلة وغير مستعبده، وهذا يحقق متى استعبدتم الناس وقد خلقتهم أمهاتهم أحرارا، ومن شاء فاليؤمن ومن شاء فاليكفر.

 


وتتضح ضرورة العلمانية في المجتمعات المتعددة الأديان، كلبنان ومصر والسودان وجنوب إفريقيا، فهذه البلدان لا يمكن أن تعرف الاستقرار إلا في إطار حكم علماني ديمقراطي، يتموضع فيه الأفراد على أساس المواطنة وليس على أساس العقيدة، ومن ثم يصبحون متساوين في الحقوق والواجبات. وغير هذا النهج في نظام الحكم، لن يؤدي إلا إلى الاستبداد والطائفية والحرب الأهلية.

 

وهذا ما نحيا فيه ليل نهار، ونحاول التصدى له بنفس الأدوات التى تعيد إنتاج الطبقة المستبدة والطائفية من اجل معالجة الطائفية والاستبداد، ونطلق عليهم النخب نموذج علي المؤمن!!

 

النهضة العلمانية ضد المسيحية الأوروبية/5

يتبع

إرسال تعليق

0 تعليقات