محمود جابر
مفتتح :
للحقيقة لم يكن يدور فى ذهني وأنا أحاور أحد الإخوة حول أحد النظريات
الفلسفية الجديدة التى تجمع ما بين العرفانيين الشيعية والصوفية السنية، والغنوصية
أن الموضوع له علاقة سياسية ما، بيد ان الحوار مع الدكتور وسام الدين محمد فتح
أفاق جديدة لم أكن أتصورها أثناء الحوار، وبعد هذا الحوار طلبت منه أن يقوم بعمل
يربط فيه الفكرة بالمشروع السياسي، ولكن حماسي للموضوع أطبق عليا ولم يترك لى فرصة
الانتظار فقمت بعمل دراسة فى الموضوع وها هى بين يديك ما علاقة نظرية الفيض الإلهي
بالإبراهيمية الجديدة ؟!!
مقدمة
لا يستطيع أحد أن ينكر اثر الفلسفة الآراء الفلسفية على الحياة السياسية
والصراعات، فمما لا شك فيه إن ميكافيللى يعبر الأب الروحى للنظام الجمهوري، وهو
فيلسوف مسكونا بحب القومية الايطالية وتوحيدها، وما من نظام سياسيي حديث إلا وكان
ميكيافيللى وكتابه الأمير عمده فى بناء الدولة الحديثة.
كما كان جون لوك
واحدا من أهم مفكرى عصر التنوير الانجليزى، والثورة الفرنسية، وكذلك خلال بناء
وتوحيد الولايات المتحدة الأمريكية.
كذلك أن نيتشه يعتبر
الفيلسوف الرسمى للنظام النازى، ويتمتع من ثم بقداسة خاصة، كما كان هايدجر لفترة
محدودة أشد الفلاسفة حضورا فى ألمانيا، ومثلما كان لنيتشه تأثيره فى النظام النازى.
والنماذج فى هذا تطول
... ان النظم السياسية تحتاج الى تصور وتنظير فكرى وهذا الدور يقوم به الفلاسفة،
سواء على مستوى التنظير الفكري أو التنظير الروحي الدينى .
وفكرة التثليث نفسها،
كانت جزء من فلسفات ومعتقدات قديمة موجودة فى الهند، وفى اوربا وفى مصر وكل معتقد
تثليثى له شكل مختلف لكن الكل كان يعتقد بالتثليث من هنا وجد الإمبراطور الرومانى
الحل فى توحيد هذه الشعوب فى التثليث المسيحى ومن هنا تبنى المسيحية بهذه الصيغة .
إذا الفلسفة منذ أمدٍ
بعيد عملت على تقديم أجوبةٍ وتصوراتٍ منطقية ومعقولة، عن الأسئلة والإشكاليات
الميتافيزيقية الأكثر إلحاحاً على العقل الإنساني، وأيضا كان لها دور فى
المشروعات السياسية وبناء الدول والنظم الجديدة .
الإبراهيمية الجديدة مشروع سياسي بثوب فلسفي دينى :
(
إبراهيمية) أو (الإبراهيمية) أو ( اتفاق إبراهيم/ إبرام) أو ( الدبلوماسية الروحية)
... كلها مفردات لمشروع سياسيي واحد، ينطلق من أرضية فلسفية وروحية معا، والهدف
منه هو صياغة العقل الشرق أوسطى لتقبل مشروع سياسي صهيوني جديد نعم صهيوني جديد !!
والموضوع ليس مزحة بل
واقعًا لا تخطئهُ العينُ المبصرة، مراكزُ أمريكية وصهيونية وعربية وإسلامية تعملُ
بجهدٍ ودأبٍ، منْ أجلِ صناعةِ دينٍ رابعٍ، يفرِّغُ الأديانَ السماوية الثلاثةَ منْ
مضامينِها، وينزعُ عنْ كتبِها المُقدَّسة قدسيتَها، يلعبُ على وترِ الخلافاتِ التي
اصطنعها البشرُ في كلِّ دينٍ.
هذا المشروع الجديد أو ( الدينُ الجديدُ) يحملُ أهدافًا سياسية بحتة،
إذ يسعى لتمكينِ الولاياتِ المتحدةِ وإسرائيلَ منْ بسطِ سيطرتِهما وتحقيقِ
أطماعهما في العربِ والمسلمينَ الذين تحوَّلوا بإرادتِهم إلى فريسةٍ سهلةٍ،
واللافتُ أنَّ رسلَ الدينِ العالمىِّ الجديدِ نسبوه زورًا وبُهتانًا، إلى نبىِّ
اللهِ إبراهيمَ،، لإدراكهم منزلته عند أهل المنطقة من المسلمين والمسيحيينَ ..
وهذا مخطط غربى خطير
لتغيير شكل المنطقة، وتصفية الصراع العربي الإسرائيلي من جذوره .. هذا المخطط، بدأ
فى هدوء مع بداية الألفية الحالية، ويرفع شعارات براقة لا تثير الشكوك، إذ تركز
على جهود ومحاولات من جانب منظمات دولية ومدنية على مكافحة الفقر وتحقيق التنمية
فى المناطق التى تمزقها الصراعات، وفى قلبها الصراع العربي الإسرائيلي، وعبر
استخدام الدين، بدلا من الساسة ورجال الثقافة يعمل هذا المخطط من الاستعانة برجال
دين من الأديان الثلاثة لدعوة خطيرة تنادى بـ(دين جديد) هو (الدين الإبراهيمي(.
وحينما نقول ان بداية
المخطط والتبشير به كانت مع بداية الألفية، فإننا لابد أن نتذكر حادث هام فى
المنطقة وهو غزو العراق ...
وللعراق أهمية كبرى سوف نعود لها لاحقا... ومع بداية الألفية الثالثة التقطتها الإدارات الأميركية
المتعاقبة من ديك تشيني، نائب الرئيس بوش الابن، إلى بيل كلينتون، الذي حول الملف
لزوجته آنذاك هيلاري كلينتون، مرورا بإدارة اوباما ووزيرة خارجيته المذكورة أنفا،
إلى إدارة ترامب، وبالتكامل والتنسيق مع بريطانيا وإسرائيل لتحقيق الهدف الصهيو
أميركي البريطاني، والمرتبط ارتباطا عميقا مع وعد بلفور الصادر في الثاني من
نوفمبر 1917، وقبله إتفاقية سايكس بيكو 1916 ومؤتمر سان ريمو 1919..
بيد ان المدخل الرابط فى كل هذه الفكرة هو فكرة الدبلوماسية الروحية، من
خلال نظرية فلسفية تعد نظرية رابطة بين الديانات الثلاثة، تم تسلسلها عبر هذه
الديانات من خلال الاخويات الغنوصية التى اخترقت اليهودية والمسيحية والإسلام على
السواء، الغنوصية هى الجسر الواصل بين كل هذه المعتقدات والتى يمكن من خلالها بناء
الإبراهيمية الجديدة، وسوف يكون أعمدتها من يقبل بالمشروع الابراهيمى ومن يرفضه
لان الجميع يؤمن بنظرية صدور
العالم وخلقه، وفق نظرية الفيض تلك النظرية التى لم تبق أسيره داخل حيز ميادين
الفلسفة والمنطق، بل تمكنت من الرواج والانتشار داخل العديد من مجموعات مختلفة الدين والمذهب والعرق، واستطاعت
ان تبنى وتشكل ذهنيتهم الاعتقادية والمذهبية والدينية وبالتالي يمكن أن يكون كل
هؤلاء أسس لبناء سياسيي فلسسفى جديد من وافق هذا المشروع منهم ومن رفض ...
يتبع
0 تعليقات