آخر الأخبار

ردا على على المؤمن : و سفسطة الإسلاميين الخوارج ( إن الدين عن الله الإسلام)... (5)

 

 


محمود جابر

 

 

استكمال فى الرد على الكاتب على المؤمن فى أطروحته ( العلمانية)، ورغم انه عنون مقاله السابق بـ (العلمانية بين شريعة محمد وشريعة عيسى/ 7

 

ولما كان هناك فرق بين كلمة ( دين) وكلمة (شريعة)، فإننى أقول وبضرس قاطع ان على المؤمن تعمد التدليل عامدا متعمدا، لانه عنون بشيء وأكمل متنه بشيء آخر، فرغم انه قام بعمل إيحاء للقارئ أنه سوف يتحدث عن الفرق بين الشريعة المحمدية والشريعة المسيحية، ولكن طول مقاله يتحدث عن الفرق بين دين الإسلام ودين المسيحية، مرتكبا بذلك خطأ منهجى ومعرفى لا يقع فيه من هم أقل منه شأنا فى عالم الكتابة والبحث.

 

ورغم ادعاء المؤمن انه رجل شيعى الا انه ترك كلام الإمام على بن أبى طالب فى مفهوم الإسلام، والتزم بحديث عمر بن الخطاب المروى فى صحيح مسلم، وكلا المفهومين متصادمين، بيد ان المفهوم الأول يتفق مع المنهج القرآني والثاني لا يتفق، واعتقد ان المؤمن انحاز فى منهجه الكتاب نحو جماعة الإسلام السياسى وعلى رأسهم الإخوان المسلمين الذين يمثلون القاعدة له ولجماعته .

 

وعودا إلى شرح مفهوم الإسلام كدين نقول :

 

الإسلام هو أن تؤمن بأن لهذا الكون اله واحد أحد لا شريك له ولا ولد، وان هناك معاد يوم بعد الموت، فهذا هو الإسلام القرآني. الذى يعترف بإسلام كل من يؤمن بالله وبالموعد بعد الموت، وهم من يسميهم القرآن لآهل الكتاب، فأهل الكتاب والمؤمنين بمحمد جميعهم مسلمين .

 

أما غير المسلمين، فهم المجرمين الذين لا يؤمنون برب العالمين ولا يؤمنون بيوم الدين..

 

وهذه المظلة القرآنية تتسع للمسلمين فى التعريف الكلاسيكي وغيرهم الكثير من أصحاب الديانات...

 

وهذا لا يخفى على قارئ القرآن، أن الإسلام لم يبدأ مع النبى محمد صلى الله عليه وآله، بل اكتمل برسالته، فالله تعالى حكى عن إيراهيم بأنه أول من أطلق هذه التسمية قال تعالى (مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ) 78الحج .

 

وحين بدأ إبراهيم وإسماعيل فى رفع القواعد من البيت كان يدعوا الله تعالى ان يقبل عملهما مسلمين له تعالى هم وذريتهما من بعده قال تعالى (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ) البقرة .

 

وقد أمر الله تعالى إبراهيم أن يسلم فأقر بالإسلام، وأمر أبناءه من بعده بالإسلام وكانت تلك وصية إبراهيم من بعده وهى التى وصلى بها بنيه من بعده إسحاق، وإسماعيل، ويعقوب الذى وصى بنيه من بعده ان لا يموتوا إلا وهم مسلمين، وقد أكد يعقوب وصيته لبنيه وهو على فراش الموت محذرا لهم أن لا يموت احدهما إلا وهو مسلم بالله تعالى إلها واحدا.

 

لهذا جعل الله الإسلام هو المحاججة بين النبى صلى الله عليه وآله وأهل الكتب قال تعالى (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ۗ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ۚ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ ۗ) آل عمران.

 

لهذا دعاهم النبى صلوات الله تعالى أن تجتمع كلمتهم على الإسلام الذى أمرهم الله تعالى بإتباعه قال تعالى (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)64 آل عمران.

 

ودعاهم للتخلى عن التسميات المصطنعة والاجتماع على تسمية واحده وهى التسمية التى ارتضاها إبراهيم لنفسه طاعة لله وهى الإسلام قال تعالى (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)67 آل عمران .

 

وهذا ما كان عليه داود وسليمان ومن امن معهم كملكة سبأ حينما قالت (فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ ۗ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) 44 النمل.

 

وكذلك كانت دعوة موسى هى الإسلام قال تعالى (وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ) 84 يونس.

 

فالإسلام هو دين الله تعالى الذى أمر الله به عباده من إبراهيم حتى نبينا صلى الله عليه وآله قال تعالى (وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ) القصص.

 

حتى فرعون اعترف بالإسلام دينا قال تعالى (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (يونس 90)، وكيف سيصح إسلام فرعون وهو لم يلتق إلا بموسى ولم يصم رمضان ولم يحج البيت؟ كذلك فالحواريون لم يعرفوا سوى عيسى بن مريم فكيف أسلموا وهم لا يقيمون الصلاة (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) 52آل عمران .

 

فالإسلام هو الشهادة بأن الله تعالى واحد لا شريك له ولا ولد، وان الله تعالى جاعل للناس يوما للحساب والجزاء، وأن الإسلام غير الإيمان وسابق عليه، فالإيمان بالنبى محمد صلى الله عليه وآله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت، هى من شعائر الإيمان لا الإسلام، فالإسلام كما وصفه الله تعالى (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) 33 فصلت .

 

وقوله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) 62 البقرة.

 

والكثير من الآيات الأخرى فنفهم أن الإسلام هو التسليم لله الواحد الأحد واليوم الآخر، فإذا اقترن هذا التسليم بالعمل الصالح، كان صاحبه مسلماً، سواء كان من أتباع محمد (الذين آمنوا) أو أي من الملل الأخرى أو من صبأ عنهم من مجوس أو بوذيين أو غيرهم، فهو دين إنساني لكل أهل الأرض، وهو دين الفطرة والحنيفية (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) 30 الروم.

أما الفطرة التي فطر الناس عليها هي بر الوالدين والإحسان لليتيم وعدم قتل النفس وعدم الغش وعدم قول الزور، وقيمٌ أخرى تراكمت تدريجياً مع تطور الإنسانية حضارياً إلى أن وصلت إلى الوصايا العشر التي يشترك فيها كل أهل الأرض.

 

وأما اكتمال الإسلام بالنبي محمد فهى لخصائص هى:

 

الأولى : الخاتمية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) 3 المائدة .

 

الثانية : العالمية (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) 157 الأعراف.

 

الثالثة : الرحمة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) 107 الأنبياء.

 

فعالمية الرسالة المحمدية تعنى ان أحكامها تتوافق مع كل أهل الأرض مكانا وزمانا، فالعمل الصالح والإحسان المتمم للإسلام وللإيمان معا أمر متاحا للجميع وهو ما يرجح كفة الاعتقاد لدى أى مسلم بالله وهذه ميزة جديدة جاءت فى رسالة النبى محمد ليكتمل بها شمول الرحمة لكل من يعمل عملا صالحا وإحسانا فيكون من المقبولين يوم القيام قال تعالى (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) 112 البقرة، فمقياس الجزاء في الآخرة كما بلغنا به نبى الرحمة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) 13 الحجرات.

 

لهذا فإن ترك العمل الصالح محبط للإسلام ويجعل صاحبه فى عداد المكذبين بالدين قال تعالى (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ* وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) الماعون.

فأساس الإسلام هو العمل الصالح النافع ، وأن من يعمل صالحاً سيفوز بالجنة مهما كانت ملته ومعتقده ما دام مؤمن بالله تعالى مقرا بوحدانيته ..

 

ولهذا كان اكتمال الدين فى نسف معتقد اليهود والنصارى فى احتكار الجنة لصالحهما فقط والذى لم يقم عليه دليل قال تعالى (وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (111) البقرة

 

فالجنة جزاء مستحق لكل من يؤمن بالله تعالى واليوم الأخر وعمل صالحا .

 

يتبع



إرسال تعليق

0 تعليقات