آخر الأخبار

التّوتّرات تتصاعد (١٨) كندا والبنديريّون

 


من اليسار إلى اليمين: سفير اوكرانيا في كندا اندري شيفشينكو، رئيس الحكومة الكندي جوستن ترودو، النّائب الأوكراني-الكندي بوريس فرجسنيوسكي. امامهم: جاسوس وكالة الإستخبارات المركزيّة المشهور خلال الحرب الباردة وزعيم التّتر المُناهضين لروسيا، مصطفى دجميليف (حزيران ٢٠١٦).


 

 

بقلم تييري ميسان

 

 

 

في المقالات السّابقة، أظهر تييري ميسان كيف وصل البنديريّون، أعوان النّازية في أسوء جرائهما، إلى كييف، في دولة أوكرانيا الفتيّة المُستقلّة. يظهر ميسان في هذا المقال أنّ البنديريّين، خلال ٨٠ عام، قد تمكّنوا من التّجذّر ضمن الحزب اللّيبرالي الكندي، وصولاً إلى مقعد نائب رئيس الحكومة الحالي جوستن ترودو.

 

عند بداية الحرب في شباط ٢٠٢٢، كان أول المقاتلين الأجانب الّذين قدموا من الخارج كنديّين. في ٣ ايّار ٢٠٢٢، كان أول ضابط أجنبي يأسره الرّوس هو جنرال كندي. بحسب الأدلّة، لِكندا ارتباطات مخفيّة في الصّراع، رغم وقوعها على مسافة ٦٠٠٠ كم من أوكرانيا.

 

في هذا المقال، سأُبرهن انّ جميع الحكومات اللّيبرالية الكنديّة كانت قد دعمت البنديريّين منذ بداية الحرب العالمية الثانية، الّتي لعِب الكنديّون فيها على الحبلَين، بحيث انّهم قاتلوا النّازيّين، لكنّهم دعموا البنديريّين. اليوم، حكومة كندا تضمّ رئيساً ليبرالياً، جوستن ترودو، وإلى جانبه نائبةً عنه: البنديريّة كريتسيا فريلاند.

 

كانت العلاقات بين وكالة الاستخبارات المركزية والنّازيّين أحد ميزات الحرب الباردة، ولم يتمّ الكشف عنها إلّا عام ١٩٧٥ مع لجنلت بايك، تشورتش، وروكفلر، أمّا قطعها فقد تمّ فقط في عهد الرّئيس جيمي كارتر. امّا العلاقات بين الحزب اللّيبرالي الكندي والبنديريين، فهي لا تزال قائمة. عدا عن أوكرانيا، كندا هي الدّولة الوحيدة في العالم الّتي تضمّ وزيرةً بنديريّة، وفي منصبٍ رفيع: نائبة رئيس الحكومة.

 

عام ١٩٤٠، أي بينما كانت المملكة المتحدة في حالة حرب، ولكن قبل أن تنضمّ الولايات المُتّحدة إليها، أسّست حكومة وليام كينغ اللّيبرالية الكونغرس الأوكراني الكندي، بهدف دعم المُهجّرين المُناهضين للبلشفية في وجه مناصري السّوفيات (جمعية الأوكرانيّين الكنديّين المُتّحدين) واليهود (الكونغرس اليهودي الكندي). تمّ منع مكاتب مُناصِرة للسّوفيات وبيوت عبادة يهودية.

 

لم يُؤسّس الحزب اللّيبرالي في مملكة كندا ليحمل لواء العقائد الفرديّة في وجه العقائد المُحافِظة، بل ضدّ فكرة الجمهورية .

 

خلال الحرب العالمية الثانية، كان مواطنو رئيس الحكومة كينغ يقدّرونه جدّاً، ولكنّه كان يتعرّض للشّتم من جنوده عند زيارته لهم في اوروبا. منذ تأسيسه، لم يتوقّف الحزب اللّيبرالي عن اتّخاذ مواقف مناهضة لروسيا، نكّرها حتّى عام ١٩٩١ بزيّ مُعاداة السوفيتية، كما أنّه يعتبر منذ تأسيسه أنّ المسيحية مُعاكسة لليهودية.

 

عند انتهاء الحرب العالمية الثانية، كانت كندا ملجأ البنديريّين الأساسي (٣٥٠٠٠ مُهَجّر) والنّازيّين البلطيقيّين. تواجد بينهم فولوديمير كوبيجوفيتش و "مايكل تشومياك"، الإسم الّذي استخدمه ميخايلو تشومياك، وكانا مُحرّرَي الجريدة النّازيّة الأساسية في أوروبا الوُسطى: كركيفسكي فيستي.

 

لم ينكر تشومياك تاريخ تعاونه مع النّازيّين، هو الّذي يعمل تحت سيطرة وزير البروباغاندا النّازية جوزيف غوبلز المُباشرة. على العكس، لم يتوقّف يوماً عن دعم منظّمة القوميّين الأوكرانيّين (ب). بهذه العقليّة قام بتربية حفيدته كريستيا فريلاند، نائبة رئيس الحكومة الحالي. بعيداً عن إدانة جرائم البنديريّين، بدأت هذه الأخيرة مسيرتها الصّحافية في عمر الثّامنة عشر، مع "الأنسيكلوبيديا الأوكرانية" التّابعة لِكوبيجوفيتش. ثمّ عملت لصالح "أخبار أوكرانيا"، جريدة البنديريّين الكنديّين، و"الأسبوعية الأوكرانية"، نظيرتها الأمريكية المُتّصلة بوكالة الاستخبارات المركزية وكتلة القوميات المعادية للبلشفية. سافرت فريلاند إلى الإتّحاد السوفيتي عند نهايته. قامت السّلطات السوفيتية بمُساءلة الحكومة الكنديّة فيما يتعلّق بدعمها للبنديريّين، ومنعت فريلاند من العودة. إلّا أنّ هذه الأخيرة، بعد انهيار الإتّحاد السوفيتي، قد أصبحت مديرة مكتب جريدة "فاينانشل تايمز" في موسكو، ثمّ رئيسة تحرير "غلوب & مايل" و"تومسون رويترز ديجيتال".

 

في مقالاتها وكتابَيها، "بيعة القرن: انتقال روسيا الوحشي من الشّيوعية إلى الرّأسمالية" و "بلوتوقراطيّون: صعود نجم كبار الأغنياء العالميّين وسقوط جميع من تبقّى" ، طوّرت كريستيا فريلاند افكاراً عزيزةً على قلب جدّها:

 

انتقدت كبار الأغنياء، موجّهةً تركيزها إلى اليهود فقط، تقريباً.

أدانت في كلّ فرصةٍ لها الإتّحاد السوفيتي، ثمّ روسيا.

 

يجب أن نتذكّر أنّ الفاشيّة كانت محاولةً لِحلّ أزمة ١٩٢٩ الاقتصادية عبر اقتراح حلف قومي بين الطّبقات ومع الشّركات. أضاف النّازيّون والبنديريّون بُعداً عرقيّاً مُروّعا للنّظريّة. عبر تركيزها على كبار الاغنياء، تعالج فريلاند، بكلّ صوابيّة، المشكلة الكبيرة في يومنا. ولكنّها تنصرف بخباثةٍ نحو قراءة عرقيّة، عبر مُلاحظتها أنّ اليهود مِمثّلين أكثر من العادة في هذه الطّبقة، وإعطائها فكرة أنّ هذا التّلازم مُهمّ جدّا.

 

عام ١٩٩١، تدخّل بوريس فرجسنوسكي، النّائب اللّيبرالي ذات الأصول البولّندية-الأوكرانية، لكي يضمن أن تكون كندا أوّل المُعترفين في العالم بِاستقلال أوكرانيا. بِاستخدام ثروته العائلية ("مخابز المُستقبل")، أسّس خدمةً تعمّم أخباراً عن أوكرانيا ما بين يَدَي كلّ عضوٍ في البرلمان الكندي. كذلك موّل النّائب عمليّة أرشفة المستندات المُتّصلة بالقوميّين الأوكرانيين خلال الحرب العالمية الثانية، على يد كوبيجوفيتش وتشومياك. يتوجّب الاعتراف بأنّ "الأنسيكلوبيديا الأوكرانية" ليست عملاً علميّاً، بل إعادة اعتبار للبنديريّين وتزوير للتّاريخ. نظراً لعلاقاته العائلية، ادخل النّائب رئيس أوكرانيا المستقبلي فيكتور يوشتشينكو في عالم كندا.

 

عام ١٩٩٤، أتفق رئيس الحكومة اللّيبرالي جان كريتيان مع أوكرانيا على معاهدة صداقة وتعاون، مُطالِباً مند عام ١٩٩٦ بضمّها إلى النّاتو.

 

في كانون الثاني ٢٠٠٤، في عهد رئيس الحكومة اللّيبرالي بول مارتِن، شاركت كندا في التّحضير، من واشنطن، للثّورة البرتقاليّة. نظّم سفير كندا في كييف، اندرو روبنسون، اجتماعات مع نظرائه من ٢٨ بلد، بهدف حمل فيكتور يوشتشينكو إلى الرّئاسة. كان الأمر يتعلّق بكسر سياسة الرّئيس كوشما، الّذي قبِل بالغاز الرّوسي بدلاً عن تفضيل البحث الأمريكي عن النّفط في البحر الأسود .

 

موّل السّفير الكندي إحصاء مركز اليكساندر رازومكوف الأوكراني للأبحاث الاقتصادية والسّياسية، الّذي وصل إلى خُلاصة أنّ الانتخابات قد تمّ تزويرها. كذلك، دعم جمعيّة "بورا!" (حان الوقت!)، التّابعة لخبير النّاتو الإستراتيجي جين شارب، بمبلغ ٣٠٠٠٠ دولار .

 

بناءً على نتائج الإحصاء المذكور فقط لا غير، نظّمت بورا! احتجاجات، تمّ إلغاء نتائج الاقتراع، وأُجرِيت انتخابات جديدة. صرفت كندا ٣ ملايين دولار وأرسلت ٥٠٠ مراقب انتخابي. أسفر الاقتراع الجديد عن انتصار فيكتور يوشتشينكو. كوّن هذا الأخير فريقه، الّذي ضمّ فلاديسلاف كاسكيف (موظّف جورج سوروس وقائد بورا!) بصفة مستشار خاصّ واناتولي غريتسينكو (عسكريٌ تدرّب في الولايات المُتّحدة ورئيس مركز رازومكوف) وزيراً للدّفاع.

 

كان النّائب اللّيبرالي بوريس فرجسنوسكي شديد النّشاط خلال هذه فترة الثّورة البرتقالية؛ أخته روسلانا مقرّبة جدّاً من زوجة فيكتور يوشتشينكو، كاتارينا شوماشينكو. صرف النّائب ٢٥٠ ألف دولار كندي لدعم الحركة واستخدم شقّته في وسط كييف لينظّم سير التّظاهرات بين الإقتراعَين. كانت جموع بورا! تهتف "كندا!" وترفع الرّاية الكنديّة.

 

بدأت كريستيا فريلاند مسيرتها السّياسية عام ٢٠١٣ في الحزب اللّيبرالي. تمّ انتخابها نائبةً عن تورونتو. عام ٢٠١٤، دعمت فريلاند "ثورة الكرامة" في كييف (أي الانقلاب البنديريّ)، والتقت بالقادة الرّئيسيّين للانقلاب. أدانت فريلاند استقلال القرم، والتقت بمصطفى دجميليف، الجاسوس الأمريكي الشّهير خلال الحرب الباردة وقائد التّتر. في النّهاية، منعها الرّئيس فلاديمير بوتين من دخول بلاده.

 

عُيّنت فريلاند وزيرةً للتّجارة الخارجية من قِبل جوستن ترودو عام ٢٠١٥، ثمّ وزيرةً للشّؤون الخارجية عام ٢٠١٧، ثمّ وزيرةً للعلاقات مع حكومات الولايات الكنديّة عام ٢٠١٩، مع لقب نائبة رئيس الحكومة. أصبحت فريلاند وزيرة الماليّة عام ٢٠٢٠.

 

عام ٢٠١٤، زار وزير الخارجيّة المُحافِظ جون بيرد ساحة المايدان والتقى بالقادة الرّئيسيّين فيها. أعتبر التّلفزيون الكندي أنّ بيرد يقوم بذلك بإعطاء مصداقيّة لرواية الرّئيس بوتين، الّتي تقول أنّ الثّورة ليست أكثر من مؤامرة غربية.

 

كانت المتحدّثة بِاسم السّفارة الكنديّة، إِنّا تساركوفا، من بين مسؤولي حركة اوتومايدان. كانت السّفارة القريبة من ساحة المايدان تلعب دور الملجأ للمتظاهرين الّذين خيّموا فيها لأسبوع. في ١٨ شباط، خلال المجزرة، إلتجأت مجموعة "س١٤" النّيونازيّة إليها .

 

عندما تمّ إسقاط طائرة رحلة الخطوط الجوّيّة الماليزيّة ١٧ في ١٧ تمّوز ٢٠١٤، فوق أوكرانيا، أرسلت منظّمة الملاحة الجويّة المدنيّة الدّولية (ومركزها في مونتريال) أربعة خبراء إلى مكان تحطّم الطّائرة. قبل أن يبدأ التّحقيق، أطلقت كريستيا فريلاند حملةً دوليّةً بهدف إدانة روسيا. لاحقاً، استخدمت فريلاند منصبها الوزاري لترمي أكبر كمّيّة من الزّيت على النّار.

 

بعد الإطاحة بالرّئيس يانوكوفيتش ووصول البنديريّين إلى الحكم، أطلقت كندا عمليّة "يونيفاير" ("المُوحِّد"). تعلّق الأمر بتدريب العسكريّين الأوكرانيين وتطوير شرطتهم العسكرية. تمّ تنفيذ العمليّة تحت أوامر لندن وواشنطن. تضمّنت العمليّة إرسال ٢٠٠ خبير وعتاد غير فتّاك. انتهت العمليّة في ١٣ شباط ٢٠٢٢، قبل بداية العمليّة الرّوسيّة بقليل، لكي لا تجد كندا نفسها في حالة حرب.

 

خلال ٨ أعوام، صرفت كندا ما يقارب ٩٠٠ مليون دولار لمساندة أوكرانيا.

 

عام ٢٠١٦، نظّم رئيس الحكومة الليبرالي جوستن ترودو استقبالاً شرفيّاً لمصطفى دجميليف، الّذي كانت فريلاند قد سبق أن التقت به. عام ٢٠١٥، كان دجميليف قد أصبح قائد لواء إسلامي دولي مموَّل من أوكرانيا وتركيا بهدف استرجاع القرم .

 

خلال الفترة ذاتها، ناقشت فريلاند اتّفاق التّبادل الحرّ بين كندا وأوكرانيا.

عندما قامت صحيفة "روسيا إنسايدر"، عام ٢٠١٧، بكشف ماضي جدّ فريلاند الإجرامي وصِلاته المستمرّة والوثيقة بالبنديريّين، أنكرت فريلاند جميع الوقائع وأدانت "البروباغاندا" الرّوسية. ولكن، في ٢٧ شباط الماضي، ظهرت فريلاند مع مجموعة من البنديريّين التّابعين لمنظّمة القوميّين الأوكرانيّين (ب)، خلال احتجاجٍ ضدّ الهجوم الرّوسي. تمّت وبسرعة إزالة الصّورة الّتي كانت فريلاند قد نشرتها على حسابها الشّخصي في تويتر.

 

فى وجه العملية العسكرية الرّوسية وبالتّعاون مع حلفاء النّاتو، عدّلت كندا ميزانيّتها لكي تحجز ٥٠٠ مليون دولار موجّه للجيش الأوكراني، بما فيه البنديريّين. سبق أن أرسلت كندا رشّاشات، مسدّسات، بندقيّات حربيّة، ١.٥ مليون رصاصة، قنّاصات، وكمّيّة من العتاد المُتّصل بذلك (١٤ شباط)، نظّارات ليليّة، خوذات عسكرية، وسترات واقية من الرّصاص (٢٧ شباط)، ١٠٠ قاذفة صواريخ كارل غوستاف م٢، ٢٠٠٠ قذيفة عيار ٨٤ مم (٢٧ شباط)، ٣٩٠ الف حصّة غذائية عسكرية وتقريباً ١٦٠٠ سترة واقية من الشّظايا (١ آذار)، ٤٥٠٠ قاذفة صواريخ م٧٢ و٧٥٠٠ قنبلة يدويّة، واشتراك في خدمات صور الأقمار الصّناعية التّجاريّة بمبلغ ١ مليون دولار (٣ آذار)، كاميرات لِمُسيّرات المُراقبة (٩ آذار)، مدافع م٧٧٧ وذخيرة لها، بالإضافة إلى صواريخ لقاذفات الصّواريخ المُضادّة للدّبّابات كارل غوستاف م٢ (٢٢ نيسان)، ٨ مدرّعات من طراز تجاري، وعقد صيانة وتصليح الكاميرات المُخصّصة للمسيّرات (٢٦ نيسان)، وتدريب الجنود الأوكرانيين على كيفيّة استخدام مدافع م٧٧٧.

 

في ٢ آذار، قام جوستن ترودو، المُؤمن بالولايات المتحدة، بإقناع ٢٠ دولة بأن تُوقّع على إعلان إدانةٍ التّضليل الإعلامي الرّوسي. تعلّق الأمر بمنع انتشار المعلومات المُتعلّقة بالبنديريّين الأوكرانيّين والكنديّين.

في ١٠ آذار، تمكّنت كندا من إقناع ٣٠ دولة بان توقّع على إعلانٍ أورويليانيٍ يحتفل، بِاسم حرّيّة الصّحافة، بحجب قناة روسيا اليوم ووكالة سبوتنيك عن الغرب.

 

منذ وصول البنديريّين إلى الحُكم، فرضت كندا عقوبات على ٩٠٠ شخصية وشركة روسيّة او أوكرانية مُعارِضة، ثمّ أضافت لِلّائحة مقرّبي الرّئيس الرّوسي وأفراد من عائلاتهم.

 

بالرّغم من ادّعاء كندا أنّها تحرص على حماية ودعم المساوات في الحقوق بين جميع البشر، ها هي تدعم دون شرط البنديريّين، أصحاب نظريّات تفوّق الأوكرانيّين العرقي على الرّوس.



إرسال تعليق

0 تعليقات