حمدى عبد العزيز
5 يونيو 2022
دائماً ماكنت انظر إلي الفنان أو المبدع علي أساس القيمة التي
تحتويها أعماله وأسلوبية إبداعه وآدائه ، ولهذا لا اهتم كثيراً بالحكايات الخاصة
والأسرار والسلوكيات الشخصية للمبدعين ، وإن كنت اتخذ موقفاً من أحدهم حينما يأتي
بموقف أو تصريح صادم للمشاعر الإنسانية أو الوطنية (والحمدلله قلما يحدث ذلك) ،
وإن كنت اتخذ موقفاً شديداً ممن يجني علي الإبداع ذاته ..
.. ولكن لفتت نظري مأساة بطلها المطرب الجميل الراحل عبد الغني
السيد ، عبر سيرته التي رواها إبنه محمد عبد الغني لجريدة صوت الأمة في أغسطس 2018
وقال فيها أن والده قص عليه أنه في شبابه قد أحب ابنة أحد الوزراء في عهد الملك
فاروق ..
ذلك العهد الذي يعتبره البعض عهداً ذهبياً لليبرالية والتمدن
والحريات وماإلي ذلك من مسميات لها بريقها لدي الأجيال المتعاقبة .
هذا بالرغم من ان نسبة غير قليلة من هؤلاء المبتهلين بالملك
والملكية لاتعرف عن عهود الملكية سوي صور شارع سليمان باشا وقصور وبنايات واسفلت
وسط القاهرة اللامع .
، ودعك من قصص الاحتلال الانجليزي ومآسيه ، وكتب التاريخ وماقالت ،
وما إلي ذلك بكل ماسلف وماعرف من قصص وحكايات .. فأنا من جيل شاهد أجداده الذين
نشأوا في أقاليم مصر المختلفة وكانوا لايجرؤن علي مجرد التطلع لحياة الأسفلت ..
فمنهم من لم يلبس عبر كل حياته في قدميه سوي (الحدوة) وهي كانت عبارة عن نعلين من
جلد كاوتش بقايا الإطارات التالفة للسيارات ، والذي كان يتم إعداده يدوياً علي يد
(الصرماتي) في الريف ليلبس في القدم بديلاً عن الحذاء الذي كان رفاهية لايقدر علي
امتلاكها ملايين من المصريين) وكانت هذه الحدوة - بمرور الوقت - تؤدي إلي إدماء
القدمين وتقرحهما بالجروح والكالوهات لأنها كانت شديدة الخشونة علي القدم وكانت
المسامير المدببة تشكل عنصر الضم بالنسبة لأجزائها وذلك لاستحالة خياطتها وصعوبة
استخدام مادة لاصقة لإتمام التئام أجزائها التي تمسك بأصابع القدمين وكاحليها ..
فالحدوة في نهاية الأمر كانت تصنع بطريقة شديدة البدائية تتناسب مع ردائة خاماتها
وسعرها الزهيد الذي يمكن أن يكون متاحاً للفلاحين والعمال الزراعيين والصيادين
والحدادين والسقايين وأصحاب الحرف الأخري ..
، والحدوة كانت هي والقبقاب (الشبشب الخشبي) يشكلان البديل الوحيد
للحفاء لدي الغالبية الكاسحة من الشعب المصري والذي كانت ظاهرة المعاناة منه قد
لفتت أنظار بعض النخب السياسية النافذة ممادفعها وقتها لتبني حملةً لجمع التبرعات
تحت عنوان (مكافحة الحفاء) ..
علي أهمية هذا الكلام ..
نتركه جانباً ونعود إلي بطل قصتنا المطرب الأشهر والأجمل في هذا
العصر والذي لاتزال أعماله خالدة في وجدان الكثيرين من المصريين الفنان عبد الغني
السيد ..
قلنا أن عبد الغني السيد أحب إبنة أحد الوزراء وهي أحبته وتزوجا في
حفل عائلي بسيط ولم يكن الملك فاروق علي علم بهذا الزواج ، ولكن ماإن علم بعد أسبوع
واحد من إتمام الزواج إلا وقد استشاط غضباً اعتراضاً علي زواج عبد الغني السيد
القادم من صفوف عامة الشعب لإبنة الباشوات ، واعتبر أن هذا سيفتح الباب فيما بعد
لزواج من يصنفون لدي علية القوم علي أنهم (الدهماء والرعاع) أو علي أفضل تسمية
(العامة) من أبناء الباشوات ، وهذه إساءة كبري ومساس بطبقة أبناء الباشوات ،
واختلاط الحابل بالنابل.
، وهكذا اعتبرت رغبة الملك فرماناً لايرد ، وتم تطليق إبنة الوزير
من عبد الغني السيد رغماً عن أنفه ، ورغم الحب الذي جمع الزوجين واذبهما معاً في
زواج (علي سنة الله ورسوله) كما يقولون وبرضا الأهل كماهو واضح من الحكاية ..
هذه حكاية اسوقها لهؤلاء الذين يناضلون من أجل إثبات أن عصر
الملكية كان هو العصر الذهبي الذي لم تشهد مصر مثله عصوراً من الرفاه والحرية
والتمدن والمعاصرة والحضارة ، ويتباكون بصور لشوارع تعد علي أصابع اليد في بقعة
واحدة من مدينة واحدة بامتداد طول مصر وعرضها ، ويترحمون علي زمنها كماترحمت
فيفيان لي بطلة الفيلم الأمريكي الشهير (ذهب مع الريح) علي مااسمته بأطلال حضارة
الجنوب الأمريكي الذي تمسك بأقصي مظاهر العبودية العنصرية فأطاحت الحرب الأهلية
الأمريكية بأحلامه في الانفصال والاستمرار كمجتمع بني حضارته علي أساس العبودية
المقيتة ..
، و(عجبي !!!)
علي رأي الرائعين العظيمين صلاح جاهين مؤلفاً وسيد مكاوي ملحناً ومنشداً
لتلك الرباعيات العظيمة ..
___________
0 تعليقات