حسن مطر
حين تسكن مجموعة
أفراد في مبنى واحد بشكل منفصل ولا يتشاركون إلا في المصعد أو السلم، يكون الوضع
مختلفا كثيراً عن حال
كون هذه المجموعة أكثر تشاركاً
في مرفقات المبنى كالمطبخ والحمامات والسطح. في الحالة الأولى لا يوجد نوع من
الاحتكاك بخلاف الثانية اذ سينجم عن الاحتكاك تعارضات وتوترات بسبب اختلاف وتعارض
الحاجات والمصالح والأمزجة والظروف الموضوعية لكل فرد. فالتجاور يفضي إلى الجور
والتجاوز بنحو ما.
هذه الفكرة البسيطة
والمبسطة محور كتاب (مقدمة عن توتر القرآن) لمؤلفه جمال عمر، حيث أن نقطة الارتكاز
هي أن القرآن كخطاب مشافه تفاعلي نزل على مدى 23 سنة في مناسبات وبأسباب عدة، حين
تم تدوينه وجمعه فيما بعد بين دفتين صار نصاً مقروءاً ذات سلطة يحمل في بذوره روح
الدلالة الشفهية الخطابية التفاعلية المناسباتية ولكن بنصوصيته الحالية تجمدت تلك
الروح لتبدأ روحاً أخرى، هي روح الدستور المستنطَق عبر عشرات التفسيرات والتأويلات
والتفاسير التي خرجت لتفكك الإشكاليات وتضع حلاً لتوتر المعاني والمضامين فيه
الناتجة عن تجاور الآيات في مصحف واحد، فبرزت قضايا العام والخاص، الناسخ
والمنسوخ، المقيد والمطلق، المحكم والمتشابه ونحو ذلك.
الكتاب في حوالي 288 صفحة هو مقدمة لأزمة العقل الديني القديم
والمعاصر في رؤيته القرآنية التي ينطلق منها نحو فهم الدين والحياة، وقد قد زادت
الأزمة ضراوة مع عصر الحداثة حيث جرت محاولات عدة لتقديم فهم "عصري" لتفسير
القرآن مع ضغط الاكتشافات وتقدم العلوم الزاحف من الغرب وذلك من خلال الهروب
للأمام عبر تكلفات وتمحلات تغفل عن الأشكال الجوهري لحظة نزول القرآن أو ما يسميه
البعض" الظاهرة القرآنية" والمتمثل بالشفاهية وديناميتها الخطابية
المفتقَدة في صورة النص.
في رأيي البسيط، إن
هذا العمل بصفته مقدمة مفترضة لأعمال كبيرة أخرى يختزل موضوعات حرجة لعقل المسلم
وتوترات يريد المؤلف أن يبقيها داخل جو العمل بحيث ينفتح القارئ عليها بهدوء - بحسب
فهمه - لاكتشافها لا أن يُظهرها
في الجو الخارجي فتضيع الرسالة بين شد وجذب وتكفير وملاحقة، كما حدث لنصر حامد أبو
زيد ، صديق المؤلف!
0 تعليقات