علي الأصولي
المعرفة المعاصرة
وبمختلف مجالاتها واتجاهاتها هي نتيجة تراكيمة من المعارف السابقة، بالتالي هي
ليست وليدة اللحظة والفراغ،
وعلى ضوء هذا التقريب
يقال: المعرفة الدينية ليست ببدعا عن التراكمية التي ولدت وتطورت وتبلورت بعد أجيال
متطاولة، ويمكن التمثيل على ذلك بباب الاجتهاد وفهم النصوص الشرعية، فالفهم عند
المتأخرين وبالتالي اجتهاداتهم ليس هو نفس فهم واجتهاد متأخري المتأخرين في الجملة،
نعم" لا يمكن
اخذ فهم القدماء وإجتهاداتهم
ما لم يستند هذا الفهم إلى ما
يعززه من دليل تحت اليد، بالتالي الأصل
لا حجية للفهم
القدمائي على من جاء بعدهم ما لم يكون الفهم القدمائي معززا ببرهان متين، ومن حاول
الخروج من هذا الأصل فهو ينحو منحى سلفيا بقصد او بدون قصد، لأن الفصل المقوم
للسلفية هو اعتبار ان أقوال وأفعال السلف بقضها وقضيضها حجة على طول عمود الزمان،
ادعى بعض أشباه
السلفية بأن (الشهادة الثالثة) في الأذان والإقامة لم تكن لها حضور في عصر النص
وبالتالي لم يعرفها أصحاب الأئمة، ولم يعهدها قدماء المحدثين أمثال الشيخ الصدوق
ولم يفتي بها أمثال الشيخ الطوسي، بالتالي وجود الشهادة الثالثة اختراع متأخر فحسب،
فالشيخ الطوسي ذكر في
كتاب [ النهاية في مجرد الفقه والفتاوى] لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن بن
علي الطوسي المتوفى (385-460 هـ) صفحة - 79 - من كتاب الصلاة ما هذا لفظه : [
والأذان والإقامة
خمسة وثلاثون فصلا : الأذان ثمانية عشر فصلاً والإقامة سبعة عشر فصلاً ..ويقول
المؤذن في أذانه : [ الله اكبر ،الله اكبر ، الله أكبر ،الله أكبر ،أشهد أن لا اله
إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمد رسول الله ، أشهد أن محمد رسول
الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، حي على
خير العمل ، حي على خير العمل ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، لا إله
إلا الله ]..والإقامة مثل ذلك إلا انه يقول في اول الإقامة مرتين (الله اكبر ،
الله اكبر ) ويقتصر على مرة واحدة (لا اله الا الله ) في آخره ويقول بدلا من
التكبيرتين في أول الأذان (قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة) بعد الفراغ من قوله :
(حي على خير العمل ،حي على خير العمل )… وهذا الذي ذكرنا من فصول الأذان والإقامة
هو المختار المعمول عليه وقد روى سبعة وثلاثون فصلا في بعض الروايات وفي بعضها
ثمانية وثلاثون فصلا ،وفي بعضها اثنان واربعون فصلا……… الخ
ومن ثم يكمل قائلا :
[ وأما ماروي من شواذ الأخبار من قول (اشهد أن عليا ولي الله وآل محمد خير البرية) فمما لا يُعمل عليه في الأذان والإقامة فمن عمل عليه كان مخطئًا ..] .أنتهى"
وعلى ضوء ما أفاده الشيخ في - النهاية
- يجب الإلتزام به حرفا بحرف،
ولعمري إن هذه الدعوة
عبارة عن دعوة تقليد للسلف الصالح وأخذ افهماهم واجتهاداتهم بنحو مسلم وبلا كلام
وبالتالي لا فرق بهذه الناحية بين هؤلاء الدعاة وبين دعاة السلفية السنية المعاصرة،
وبالجملة: قول الشيخ
الطوسي بعد عرض فصول الأذان لا نقاش فيه، وبعد غض النظر عن المرويات الشاذة،
وبالتالي كان العمل - الأذان - و - الإقامة - لا يتعدى حدود المنصوصات، حجة على
الشيخ ومقلدته، بل وحجة على من وصل لنفس دليله، واما فرض حجية فهم الشيخ الطوسي
على الكل بما فيهم فقهاء هذه الأعصار غلط لا يتصور صدوره من عاقل فضلا عن من يدعي
نفسه فاضل، وكيف كان" الأذان والإقامة ان تعدت الى الشهادة الثالثة بعد فهم
عدم الجزئية ليس خطأ كما تصوره من لا دراية له، بل فرض الخطأ وعلى حد تعبير الشيخ
الطوسي بقول - فمن عمل عليه - اي على الزيادة بالشهادة الثالثة - كان مخطئًا - هو
قول بلحاظ من استند على - شواذ الأخبار - على ما صرح به نفس الشيخ الطوسي، بينما
نحن نشهد الشهادة الثالثة لا بهذا اللحاظ بل بلحاظ آخر ذكرناه في غير هذا المقام ...
0 تعليقات