آخر الأخبار

جولة فى كتاب قناة السويس لمحمود يونس (2)

 

 


 

محمود جابر

 

لم يكن كل ما سبق هو الضرر الذى وقع على مصر جراء منح الوالى محمد سعيد صديقه دى لسبس امتياز حفر قناة السويس .. بل إن ما لحق اقتصاد مصر كان افدح، وهذا الخسارة لم تكن على محور واحد بل على عدة محاور، ومع هذا لم يكن هذا هو الاسوء فى قضية امتياز قناة السويس ...

 

محور الزراعة:

 

لقد تعرضت الزراعة المصرية لضرر بالغ مع استمرار حاجة الشركة للعمال، فقد انت الشركة تسوق جموع الفلاحين الى أماكن العمل وأحيانا يصل تعداد العاملين فيها الى مائة ألف رجل، مما أدى الى خلو الاراضى من الفلاحين علما بان الشركة كانت تقدر احتياجاتها سنويا بنحو 25 الف فقط ولكن لسوء العاملة وظروف العمل كانت تسوق كل هذه الأعداد التى كان يموت بعضها فى الطريق وبعضها فى ظروف العمل القاسية وعدم توفر اى نوع من الرعاية .

 

وليست النكبة ان السخرة كانت تحتاج الى 60 ألف عاملا، بل النكبة فى أنها استنفذت طاقة مصر العمالية والفلاحية، وفى الحقيقة ان الذين كانوا يعودون الى بيوتهم وقراهم من ساحات الحفر كانوا لا يستطيعون القيام بأعمالهم بعد ذلك الا بعد فترة طويلة جدا، ذلك لان الشركة اعتصرت كل ذرة قوى فى نشاطهم !!

 

فقد كانت تستخدم الفلاح حتى يصبح عديم النفع فتلقى به جانبا كما يلقى الإنسان علبة الثقاب الفارغة.

 

وقد خسرت مصر من عدم زراعة القطن سنويا ما يقدر بحوالى مليون ونصف جنيها سنويا، اى ما يقدر بحوالى ستى وثلاثين فرنكا فرنسيا .

 

وعلى الرغم من كل هذه التضحيات التى قدمتها مصر وقدمها الشعب المصرى فغن سجلات الشركة كانت تخلوا من اى وجود للعمالة المصرية بعد افتتاحها.

 

لقد حرمت الشركة وظائفها على المصريين بحجة عدم وجود كفاءات بينهم. وظل هذا الأمر ساريا الى ان صدر قانون الشركات المساهمة سنة 1947 ونص على تمصير رأس مال نسبة معينة من الشركة وتمصير مجلس الإدارة بنسبة معينة، وان يكون هناك نسبة من العمال مصريين، ولكن الشركة ابت واستكبرت وام تر الحكومة المصرية بد الا بالدخول مع الشركة فى مفاوضات وكان شركة القناة دولة داخل الدولة ..

 

بدأت المفاوضات بين الدولة المصرية ممثلة فى ممدوح رياض والشركة ويمثلها المسيو فرانسو شارل رو ..

 

ممدوح رياض : لا أدرى ان كنتم تعلمون ان مصريا واحدا لم يلحق بخدمة الشركة طوال الخمسين عاما الماضية، وانى لا ألقى بالمسئولية على احد !!

 

شارل رو: لقد ظلت شركة قناة السويس خلال الحقبة الماضية مؤسسة فرنسية محضة فى بلادكم، يديروها فرنسيون فقط، وذك بموافقة الحكومة المصرية .

 

ممدوح رياض: ولكن آن الأوان للعناصر المصرية ان تدخل العمل فى الشركة...

 

ثم الحق بالإدارة ثلاثة مصريين فقط !!

 

شارل رو: أما عن تطبيق القانون، فإنى أتنحى كلية... وأقول لكم بمنتهى الصراحة واكرر لكم، انى اعتبر بل اوكد أن القانون لاينطبق علينا .. ان شركة القناة شركة مصرية ذات طابع استثنائي مبنى على اتفاقية خاصة وعندما تدعوننى ان أنفذ القانون أقول لكم بصراحة اننى لا استطيع تلبية دعوتكم ...

 

فإن قانون بلادكم لا يسرى على الشركة !!

 

هذا هو وضع القناة منذ الامتياز وهى تتعامل مع الحكومة المصرية كدولة داخل الدولة، ومن اجل ذلك فان كل أوراقها الإدارية كانت باللغتين الانجليزية والفرنسية، واذا كان هناك سمة عنصرا مصرية يعمل فى الشركة فإن هذا العنصر لم يكن مصريا الهوية بل من المقيمين فى مصر او مما يحملون جنسية بلد آخر .. وبعد ضغوط من الحكومة المصرية فى وقت متأخر استطاعت مصر ان يكون لها خمسة أعضاء فى مجلس الإدارة من عدد 32 عضوا وكانوا مقسمين كالتالى:

-                   16 فرنسا

-                   9 بريطانيين

-                   5 مصريين

-                   هولندى

-                   امريكى

 

فهذه هى القناة التى تم حفرها بسواعد مصرية وبرأس مال اغلبه مصرى، ولم تنتهى المأساة عند هذا الحد بل لقد وضعت الخزانة المصرية كلها تحت تصرف صديق سعيد المسمى مسيو دى لسبس وهذا ما يمكن ان نعرفه فى الحلقة القادمة ..

 

هل تخيلت ...... مشهد حسن حسنى فى ناصر 56 وهو يقول : بحثت عن السفارة المصرية فى بورسعيد فلم أجدها .......

 

إنه تصوير بليغ لوضع المدنية قبل التأميم فقد كانت مدينة مستعمرة او مستعمرة فرنسية من قبل شركة قناة السويس ..



جولة فى كتاب قناة السويس لمحمود يونس

إرسال تعليق

0 تعليقات