آخر الأخبار

فلسطين (2)

 





 

تمهيد لبحث المشكلة

 

تقرير مقدم إلى الاتحاد البرلماني الدولي عن هجرة الجماعات
تأليف جفرى بطرس غالى القاهرة 1947

 

قوة الرأي العام ... وقوة الصحافة

 

ولا يخفى أن الرأي العام فى العالم هو القوة الكبرى، التى تنتخب البرلمانات، وتعين الحكومات وتسقطها، وتوجه السياسيين، وتلهم الهيئات الدولية، وتهيمن على إبرام المعاهدات التى عليها تقوم الأوضاع الدولية .

 

الرأى العام فى العالم إنما عضده قراء الصحف والنشرات والمستمعون إلى شتى الإذاعات.

 

والقارىء مطبوع على أن يصدق ما يقرأ ويسمع، ويكون رأيه وعقيدته على أساس" الوقائع" التى تصل الى علمه، و" البيانات" التى تبلغ إليه، بواسطة الصحف والنشرات والإذاعات.

 

فالنتيجة الحتمية لكل ذلك أن الرأي العام إنما تكيفه الصحافة، على الوجه الذى يتفق مع الإغراض التى يبتغيها أصحابها .

 

قصاصات .. وأساطير

 

لقد جمعنا من الصحف العالمية قصاصات لما نشر عن فلسطين فى المدة الأخيرة وقد لغ عددها المئات.

 

وفى خمسة وتسعين بالمائة منها دعاية سافرة لوجوب هجرة اليهود الى فلسطين بلا قيد ولا شرط .

 

والخمسة فى المائة الباقية تتظاهر بتعضيد العرب، وتصادقهم، إما عن عقيدة، وهذا أقل القليل، وإما مناوأة لسياسة بريطانيا العظمى وهو الأغلب، وإما عن كراهية سافرة لليهود والحمد لله قليل نوعا.

 

إلا أن هذه الصداقة المهداة إلى عرب فلسطين كثيرا ما تذكرنا بقول القائل : عدو عاقل خير من صديق جاهل .

 

قرأنا هذه القصاصات. فخرجنا منها، وقد اختلط الوقائع فى ذهننا والتبس الأمر .

 

خرجنا بأن كثيرين من اليهود لا يزالون يعذبون اليوم فى أوربا شر عذاب .

 

وهذت إثر عذاب أمر وأدهى، وأنزله بهم هتلر وأعوانه، لسنوات سبقت. فجرد اليهود فيها من حقوقهم المدنية والسياسية والاجتماعية وجعلهم فى حكم المنبوذين، يدنسون كل من يدنون منه، ثم ألقى بهم فى معتقلات، وألهبت فيها ظهورهم بالسياط، وذاقوا من ألوان العذاب الأخرى ما تقشعر لذكره الأبدان، عاشوا عرايا جياعا مستقذرين، يأكلهم الدود وهم أحياء، ومن أدركه الموت منهم عد سعيد وحسد.

 

الآن وقد تغلبت الديموقراطيات، فإذا باليهود الذين بقوا على قيد الحياة، لا يزالون فى ألمانيا، والنمسا، وأوربا الوسطى، مكروهين منبوذين .

 

ولا أمل ولا طلب لكل منهم الا ان يباح له الهجرة إلى ارض الميعاد، الى فلسطين منبت أجدادهم، حيث وعدت بريطانيا العظمى يهود العالم أن توجد لهم منزلا قوميا.

 

مما يؤسف له – فى نظر اليهود الصهيونيين وعلى ما يرد فى الصحف- أن بريطانيا العظمى أصبحت تتنكر لهذا الوعج. فيجب الضغط عليها، بجميع الوسائل- والوسائل فى متناول اليهود كثيرة – لفتح أبواب فلسطين لجميع الراغبين فى الهجرة إليها من : أبنائها" اليهود .

 

والويل كل الويل لكل سياسى أمريكى أو بريطانى لا يشترك بقلبه فى هذا الغرض .

 

فالمعارك الانتخابية آتيه لا ريب فيها، وسوف تحاربه الصحافة حربا شعواء، فتسقطه فى الانتخابات، وتنجه سواه من الذين يعرفون لليهود حقوقهم، يقدرون أمانيهم، من مشروعة وغير مشروعة، حق قدرها .

 

فينادون بوجوب فتح أبواب فلسطين لهم، بلا قيد أو شرط .

 

هذا ما نقرأه فى الحافة البريطانية والأمريكية على مر السنوات.

 

والقارىء إذا استمر على الاطلاع على قصة معينة، تكررها الصحف والنشرات والإذاعات  يوما بعد يوم، ولم يتح له ان يسمع سواها لابد من أن ينتهى إلى تصديقها.

 

هذه حقيقة لا ينكرها أحد، من الذين تخصصوا فى علم نفسية الشعوب والجماهير .

 

وقد يرجع بعذ الفضل الى هتلر وأعونه فى إبراز الخطورة البالغة لسلاح الدعاية الشعبية، القائمة على انتخاب بعض النظريات، وتكريرها فى الحافة كلها وفى غيرها من وسائل الإذاعة، يوما بعد يوم، الى ان تكسب المغالطات، بفضل التكرار وانعدام ما يعارضها، رونق الحق الذى لا يرتقى إليه الريب.

 

القاضى الجاهل الجبار

 

وإذا اعتقد جمهور القراء- المكون للرأى العام، وهو صاحب كل سلطة فى البلاد المتمدينة- بعدالة قضية، وبوجاهة مطلب، فالويل لخصوم هذه القضية ولمعارضي هذه المجال ولو كان الحق فى جانبهم. فقد فصل فى قضيتهم قاض جاهل، لكنه جبار، لا راد لقضائه.

 

هذا هو الحاصل بالذات فى قضية فلسطين، وفى مطالب العرب فلسطين.

 

قضيتهم لا شك فى عدالتها... ومطالبهم لا شك فى وجاهتها.

إلا انه ليس لهم صوت يسمع، فى غير بلاد الشرق.

 

فالصحافة العربية هى وحدها التى تعرض على قرائها قضية فلسطين على حقيقتها، والشعوب الشرقية، وهى تطلع أخبار القضية الفلسطينية على وجهها الصحيح فى الصحف المصرية والشرقية، تكاد تعجز عن أن تدرك كيف أن ساسة أوروبا وأمريكا ينتهون فى كل يوم الى ما يصدرون من قرارات مجحفة ظالمة، فى قضية إنما هى واضحة فى الشرق، بفضل صحافة الشرق.

 

وهى مشوهة مقلوبة أوضاعها فى الغرب، وفى الولايات المتحدة خاصة، من جراء الخطة التى رسمتها واتبعتها الحافة البريطانية والأمريكية جاصة . وعنهما تنقل الحافة فى الدنيا كلها، فيما عدا اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، حيث للحافة الروسية حكم خاص، ورسالة وحيدة هى النطق بلسان الحكم .

 

الواقع أن الشرق كله إنما يطمع فى ان يدرك الرأى العام العالمى أجمع الحقائق البسيطة الاتى بيانها عن قضية فلسطين.

 

 فلسطين (1)

 

إرسال تعليق

0 تعليقات