آخر الأخبار

الذبح والذبيح بين رؤية القرآن ورؤية الحداثة

 

 


 

 

محمود جابر

 

 

لست ضد الحداثة مفهوما وسلوكا معرفيا ومنهجا للقراءة، ولكن بما أن الحداثة منهجا، فهي بالتالي ليس عقيدة، ومحاولة مصادمة هذه المنهج بالعقيدة أشبه بمن يريد أن يضع الحصان أمام العربة، فمناقشة تاريخ الأنبياء والرسل من منظور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وحقوق الطفل والمرأة، أو وفق مواثيق الأمم المتحدة، واتفاقية جنيف للأسرى، فهذا نوع من أنواع العبث، والخروج عن مقتدى المنهج والبحث .

 

ومنذ بدء موسم الحج بدأ العديد من الكتاب والباحثين بكتابة مقالات يقولون فيها أن ما فُهم من قصة إبراهيم بذبح ولده مخالف للأعراف والعقل وان الله تعالى لا يأمر بذلك وان وان ...

 

كان أشهره من تناول ذلك احمد القابنجى، وحسنى المتعافى وقد تناول ذلك الأستاذ سعيد شعيب فى قناته ...

 

فهل فهم اليهود والمسيحيين والمسلمين قصة الذبح على خلاف حقيقتها؟ كما ذهب هؤلاء وغيرهم ؟

 

إبراهيم الخليل وذبح ابنه :

 

قال تعالى فى سورة الانعام (وَكَذَٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ ۖ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137 (وَقَالُوا هَٰذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَّا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَن نَّشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَّا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ ۚ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (138) وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَٰذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَاجِنَا ۖ وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ ۚ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ ۚ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ ۚ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140(

 

هذه الآيات تتحدث عن سنة جاهلية وشركية اتخذها المشركين بذبح أبنائهم، والأبناء تشمل الذكر والأنثى، والذبح هنا يتم قربان لما يعبدون بدون علم وهى حالة من السفه التى يقوم بها الرجل بذبح ابنه إرضاء لمعبودهم الذى يعبده من دون الله تعالى .

 

وبما أن إبراهيم هو أبو البشرية التوحيدية، فقد كان دوره كرسول ونبى هو القيام بعمليات إصلاح واسعة على مستوى السلوك الاعتقاد، والسلوك الاجتماعي، فى مستوى السلوك الاعتقاد واجه عبادة الأوثان والأصنام بالهدم مرة ومناظرة المشركين الوثنيين مرة أخرى حتى ألزمهم حجتهم، بأن يسألوهم إن كانوا ينطقون، وهنا خسر المبطلين.

 

ثم واجه عباد الشمس وعباد القمر، حتى إذا افل قال ان إله الكون لا يغيب، وما فعله مع الشمس فعله مع القمر حتى اثبت لهم بطريقة عملية ان الشمس والقمر ليس إلها بل مخلوقا لله تعالى .

 

ثم واجه إبراهيم، بشكل إبتلائى وتكليفيا من الله تعالى مسألة ذبح الولد، التى كانت سنة بشرية لعباد الأوثان وفقا لسياق آيات سورة الأنعام، وفى إبطال السنن قد يبتلى النبى نفسه ، وهم ما حدث مع النبى صلى الله عليه وآله فى قصة زينب بنت جحش التى تزوجت ربيب النبى زيد بن حارثة، وكان المشركون يحرمون زواج الرجل من طليقة ابنه بالتبني لما اقتضت حكمة الله تعالى على إبطال هذه السنة الجاهلية وان يدعى الولد إلى أبيه (ادْعوهمْ لِآبَائِهِمْ هوَ أَقْسَط عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَموا آبَاءَهمْ فَإِخْوَانكمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكمْ وَلَيْسَ عَلَيْكمْ جنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قلوبكمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفورًا رَّحِيمًا)، 5/ الأحزاب .

 

جاء الإذن من الله تعالى بزواج النبي من زينب رغم الحرج الذى جرى للنبى وفق لما حكاه القرآن فى الأحزاب الآية (37). (وَإِذْ تَقول لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّه مبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّه أَحَقّ أَن تَخْشَاه فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكونَ عَلَى الْمؤْمِنِينَ حَرَج فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْر اللَّهِ مَفْعولًا(.

 

فإذا جاء أمر من الله تعالى إلى النبي بإبطال سنة عدم زواج الرجل من طليقة ابنه بالتبني لقال الناس لماذا لا يفعل ذلك، لذا كان التطبيق على نفسه للاقتداء به .

 

وعودا على بدء... لما كانت سنة المشركين والوثنيين هو التضحية بأبنائهم، إلى ما يعبدون، فلو دعاهم إبراهيم لإبطال هذه السنة، لقالوا إبراهيم يخشى على ولده وحيده لهذا لا يفعل ذلك البت ويريدنا أن نفعل مثله ونحن لدينا عشرات الأبناء ونريد التقرب بأحدهم الى الإله !!

 

لكن لما كان يعلم الناس أن إبراهيم رزق بمولده فى الكبر، وبعد مرور سنوات كثيرة، وان إقدامه على ذبح ابنه ضرب من المستحيل إلا ان يكون أمرا قاهرا له، لهذا جاء أمر الله تعالى وابتلائه لإبراهيم، وكان ابتلاء وفق ما ورد فى القرآن ابتلاءا عظيما، بعدها مدحه الله تعالى بأنه صدق الرؤية، ومر من الامتحان والبلاء العظيم فاستحق إبراهيم مقام المحسنين، والمحسن هو من اخلص لله تعالى فى السر والعلن ومن رضى بقضاء الله تعالى، ومن ألزم نفسه طاعة الله تعالى والإحسان الى الوالدين والولد والاقربون والجيران والمحتاج والفقير .


وانقاذ الولد من الذبح بهذه السنة التى فعلها هو ابلغ مراتب الاحسان .......

 

وللحديث بقيه

 

إرسال تعليق

0 تعليقات