علي الأصولي
من أراد إسقاط
المرجعية العلميّة المعصومية للنبي (صلى الله عليه وآله) أو أحد أئمة الدين (عليهم
السلام) فلا مناص إلا والسماع منهم مباشرة أو من ثقاتهم وما تواتر من أحاديثهم في
عصورهم، مع توفر البيانات العلميّة القطعية المختبرية ومقررات أهل التخصص في
مجالاتهم وفنونهم وعلومهم،
وأما محاولة إسقاط
مقولة العلم بعرض حديث هنا أو خبر هناك وأنت لم تعاصر أي معصوم منهم، وفق السنة
المحكية المعنعنة، وتعرضها على نتائج العلم الحديث بقطعياته ونظرياته وفرضياته،
فهذا جهل مكعب لا يقتحمه إلا كل عاطل بطال،
أورد العسر مقالا
ادعى فيه بما نصه:
من أوضح براهين نفي
العصمة العلميّة للأئمّة المعروفين في المذهب الاثني عشريّ هو تنصيصهم على الفرق
بين حليب الرّضيع والرّضيعة وبولهما؛ وذلك بسبب: أنّ حليب الرّضيعة يخرج من مثانة
أمّها، ومن ثمّ يجب تطهير الثّوب منه ومن بولها،
أمّا حليب الرّضيع
فيخرج من العضدين والمنكبين، ومن ثمّ فلا يجب تطهير الثّوب لا منه ولا من بوله.
وهذا ما أكّدته
الرّواية الّتي رواها شيخ الطّائفة الطّوسي المتوفّى سنة: "460هـ"،
بإسناده الصّحيح عنده والمعتبر عند غيره، عن السّكوني، عن جعفر، عن أبيه، إنّه قال:
«إنّ عليّاً "ع" قال: لبن الجارية وبولها يُغسل منه الثّوب قبل أن
تُطعم؛ لأنّ لبنها يخرج من مثانة أمها، ولبن الغلام لا يُغسل منه الثّوب ولا بوله
قبل أن يُطعَم؛ لأنّ لبن الغلام يخرج من العضدين والمنكبين». [تهذيب
الأحكام: ج1، ص250.
وقد أفتى مشهور
الفقهاء الاثني عشريّة وفق هذه الرّواية، وخصّوا الحكم بالصبيّ دون الأنثى، ولهذا
نصّ المرحوم محسن الحكيم المتوفّى سنة: "1390هـ" في المستمسك قائلاً: «عن
المشهور الجزم به، بل عن المختلف الإجماع عليه، وفي الجواهر: «لعله لا خلاف فيه»؛
للأمر بالغسل من بول الأنثى في رواية السكوني...». [مستمسك العروة الوثقى: ج2، ص45ـ46].
ويرد عليه:
أولا: إن فتوى
المشهور بل حتى مع فرض الإجماع لا يلازم صدور النص الروائي من المعصوم وهذا أصل
منهجي يجهله المستشكل، لأنه أوضحنا مرارا وتكرارا في المقالات وفي درس خارج الفقه،
ان صحة السند جزء علة لصحة النص لا علة تامة،
ثانيا: المشهور إنساق
وفقا لسلامة السند لاعتبار النص، ولم يكن تحت يد المشهور القدمائي مختبرات طبية
وعلمية او دراسات من شأنها ترد وتكذب النص لتقاطعه مع المجزوم العلميّ، بالتالي
ترد الرواية على راويها،
ثالثا: تقول المستشكل
على المحقق الخوئي ما لم يقل إذ نص الخصم بقول:
ورغم تنصيص المرحوم
الخوئي المتوفّى سنة: "1413هـ" على عدم معقوليّة مضمون هذه الرّواية في
بحوثه الفقهيّة، لكنّه لم يستطع مخالفته في مقام الإفتاء، وأفتى على أساس الرّواية
قائلاً في رسالته العمليّة: «يكفي الصّبّ في تطهير المتنجس ببول الصبي ما دام
رضيعاً لم يتغذّ وإن تجاوز عمره الحولين، ولا يحتاج إلى العصر، والأحوط استحبابا
اعتبار التّعدّد، ولا تُلحق الأنثى بالصّبي». [منهاج الصّالحين، المسألة رقم:
"463"؛ موسوعة الخوئي: ج4، ص72]. أنتهى"
ويرد عليه: ناقش
وحاكم المحقق الخوئي هذا النص إذ قال:
وفيه، أولا: ان لازمه
وجوب الغسل من بول الغلام إذا ارتضع من لبن امرأة ولدت جارية، لخروج لبنها من
مثانتها، كما انه ينعكس الأمر في الجارية إذا ارتضعت من لبن امرأة ولدت غلاما،
لخروج لبنها من منكبيها، فيكتفى فيه بالصّب، و هذا مما لم يقل به أحد من أصحابنا.
وثانيا: ان التفصيل
المذكور في الرواية بين مخرج لبن الغلام، ولبن الجارية مما نقطع ببطلانه، لاتحاد
طبائع النساء حين الولادة من هذه الجهة، سواء ولدن ذكرا أو أنثى، فإذا سقط التعليل
المذكور عن الاعتبار يسقط الحكم المترتب عليه جزما، انتهى"
وكما ترى لم يركن
المحقق الخوئي لدعوى ولا تُلحق الأنثى بالصّبي كما توهم المعترض على رواية السكوني
إنما لأن الدليل الدال على وجوب الغسل في المتنجس بالبول يقتضى وجوب الغسل حتى
بالمتنجس ببول الرضيعة وإنما الخارج بالدليل بول الرضيع على ما رواه الحلبي في - الوسائل
باب 3 من أبواب النجاسات ح 2 - قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن بول الصبي
قال : ( تصب عليه الماء فإن كان قد آكل فاغسله بالماء غسلا ..) وأما استثناء بول
الرضيعة فلم يثبت. وكيف كان" وبعد ما ذكرناه أعلاه يلزم سقوط ما رتب الخصم من
تذيل طويل في مقاله وإلى الله تصير الأمور ..
0 تعليقات