آخر الأخبار

الجمهورية الثالثة !! بذرة التوريث (7)

 



 

 

نصر القفاص


كان يحلو لمؤسس "الجمهورية الثانية" أن يظهر أمام الشعب مرتديا "زى الفلاحين" ليتحدث عما أسماه "أخلاق القرية" حتى أنه جعلها واحدة من شعاراته.. وكان "أنور السادات" يحرص دائما على أن تشمل خطاباته بعض آيات القرآن الكريم.. صورته التى تحفظها ذاكرة التليفزيون, أصبحت فى يد ساحر اسمه "يوتيوب" تقدمها للذين لا يعرفون أو يتذكرون التفاصيل كاملة.. وبقى من أدوات حكمه حواراته فى قرية "ميت أبو الكوم" مع "همت مصطفى" وستعرفها كاملة إذا اجتهدت واستدعيتها وشاهدتها.. بعدها ستكتشف أن كل من حكموا مصر بعدها يمضون على دربه.. المهم التركيز على الشكل ومخاطبة العواطف, واستخدام كل المفردات الخادعة والكلام بمعانى فى الاتجاه العكسى لقرارات حكوماته المتعاقبة!!

 

يفسر ذلك ما ذهبت إليه بنظرية "الخداع الاستراتيجى" التى أسعفته على المدى القصير.. ثم جعلته يعانى ويرتبك على المدى المتوسط.. ودفع حياته ثمنا لها فى نهاية مشوار حكمه.. فإذا كان "السادات" قد حقق مكاسب كبيرة فى بدايات حكمه باعتماده على هذه النظرية.. فقد دفع ثمنا كاملا.. وفادحا.. يوم 6 اكتوبر عام 1981.. وبالنظرية ذاتها كسب "حسنى مبارك" عندما تولى السلطة وأصبح رئيسا وسط أجواء درامية مثيرة.. ودفع الثمن ذاته يوم 11 فبراير عام 2011.. مع اختلاف سياق الدراما.. وكان الفشل ذريعا لجماعة "الإخوان" بعجزها عن الحكم لعدة أشهر.. ودفعوا الثمن يوم 30 يونيو عام 2013.. وخسرت بعدها مصر كثيرا, بالعجز عن التخلص من هذه النظرية الساذجة ومنهج الحكم الذى فقد عمره الافتراضي.. لأن أزمة السلطة التى شاخت فوق مقاعدها, كما قال "محمد حسنين هيكل" فى منتصف التسعينات بقيت مستمرة!!
إتجه "أنور السادات" إلى هدم "الإصلاح الزراعي" باعتباره أحد أعمدة "الجمهورية الأولى"!!

 

راح يتحدث عما أسماه "الحقد" الذى لا يبنى.. كان واعيا فى الاعتماد على الدين, لتحقيق هدفه وإقناع الأغلبية بكلامه واتجاهه.. راح يدعم ذلك بإعادة جماعة "الإخوان" للحياة السياسية, ولكى تساعده فى ترويض مجتمع كان قد اقتنع بسياسات وتوجهات "الجمهورية الأولى" مستغلا سذاجة الذين قاوموه!! إضافة إلى إدراكه تفاصيل معادلة حكمه – الفساد والإخوان – وكان طرفها الجاهز أكثر, هو تلك الجماعة – الإخوان – حين أعاد لها الحياة لحظة صراعها مع الموت!! وبعدها راح يؤسس منظومة الفساد عبر ما قال عنه "الانفتاح الاقتصادى" ليزرع فكرة "التوريث"!!

 

العودة إلى التاريخ تؤكد أن "السادات" صاحب فكرة "التوريث"!
قبل أن تنفعل.. يجب أن تسأل.. كيف؟!.. وهل هناك دليل؟!

 

هنا يمكننا أن نفكر.. فقد ذهب "أنور السادات" إلى علاقة المصاهرة مع أركان حكمه.. فعلها مع "ٍسيد مرعى" وكذلك مع "عثمان احمد عثمان" وجاهر بها عند انتخاب "جيهان السادات" رئيسا للمجلس الشعبى لمحافظة المنوفية.. مع مباركة كل علاقات المصاهرة بين رموز الفساد ورموز الإخوان!! وهى الفكرة التى استند عليها فيما بعد, باعتبارها ستكون جسرا للمستقبل!! والمذهل أن "البذرة" ثم "الفكرة" تحولتا بعد "ثورة 25 يناير" كما يسميها الدستور إلى منهج.. واعتقادى أنه أصبح واضحا, بالنظر إلى تركيبة مجلسى النواب والشيوخ الحاليين.. إضافة إلى عناوين بارزة فى السلطة التنفيذية والأجهزة!!

هنا أتوقف عن التفكير المباح, أملا فى أن أنجو من سوء العاقبة!!

 

نعود إلى "الإصلاح الزراعى" الذى لم تخترعه "الجمهورية الأولى" فى لحظة.. لكنها استجابت لإرادة مجتمع كان يبحث عن سبيل للإيمان بها وإقرارها.. ثم امتلاك القدرة على تنفيذها وتحويلها إلى فعل.. فالفكرة تم طرحها فى نهاية الثلاثينات, وعبر أحد نواب مجلس الشيوخ.. كان اسمه "محمد السعدى خطاب" الذى طالب بتحديد الملكية الزراعية بحد أقصى خمسين فدانا.. كان يرى التطبيق على مدى زمنى طويل.. ذهب إلى أن الميراث يجب أن يتوقف عند سقف خمسين فدانا, ويعطى الحق للملاك – الورثة – فى بيع ما يزيد عن خمسين فدانا.. وذلك يسمح للذين وصفتهم فيما بعد "الجمهورية الأولى" بأنهم يمثلون "الإقطاع" أن يتصرفوا بالبيع فى أملاكهم التى تتجاوز هذا الحد.. لم يطرح "محمد خطاب" الفكرة فقط.. بل راح يتحدث عنها ويشرحها لكبار الملاك الذين ثاروا عليه, وللفلاحين الذين أدهشهم ما يقول.. وكان يقول أن امتلاك مئات من المجتمع, لأكثر من 80% من الأراضى الزراعية.. يمثل خطرا عليهم أنفسهم, وعلى المجتمع الذى يغلى.. وأوضح وقتها أن الصمت لا يعنى رضا الفلاحين والفقراء!!

 

دفع "السعدى خطاب" ثمن فهمه وإدراكه لما يحدث تحت الجلد.. هاجمه زملاؤه النواب.. إنفجروا فى وجهه.. تحالفوا ضده حتى أسقطوه فى أقرب انتخابات.. الفكرة ذاتها كانت عنوان كتاب مهم وخطير فى الوقت نفسه عنوانه "الأرض والفقر فى الشرق الأوسط" صاغته خبيرة بريطانية اسمها "دورين وارنير".. زارت مصر بدعوة من "على الشمسى" رئيس مجلس إدارة البنك الأهلى, لكى تشرح رؤيتها القائمة على أسس ثلاث.. أولها تحديد أجر عمال الزراعة.. وثانيها تحديد الملكية الزراعية.. أما ثالثها فهو تحديد القيمة الإيجارية الزراعية.. وقدمت تفاصيل بالأرقام والبيانات التى يمكن أن تنقذ المجتمع من الانفجار, خاصة فى منطقة الشرق الأوسط.. وتحديدا فى مصر!!

 

المعلومات قد تكون مثيرة ومدهشة.. لكنها الحقيقة!!

 

الأخطر أن "الجمهورية الثانية" تولت عن سذاجة أو جهل, التعتيم عليها بأساليب مختلفة ومتعددة.. وكان يوازى ذلك الحملات التى تم إطلاقها على "الجمهورية الأولى" إستهدافا لزعيمها وقائدها باعتباره الخطر الداهم على "خدم الملكية والاستعمار"!!

 

كان هناك شاب فى هذا الوقت اسمه "سيد مرعى" ينتمى لطبقة الإقطاع.. لكنه كان يقرأ ويتابع ويفكر.. وبعد طرح الفكرة واستغراق المجتمع فى فهمها وهضمها, قدم نفسه مرشحا فى انتخابات مجلس النواب.. إسم مجلس الأمة الذى جعله السادات مجلس الشعب ثم عاد مجلسا للنواب.. وكان أول ما فكر فيه أن يطرح على المجلس أهمية وضرورة الذهاب إلى "الإصلاح الزراعى" أملا فى إنقاذ المجتمع والنظام من الانفجار.. فعلها "سيد مرعى" وحاول أن يطرح الفكرة ورأيه فيها على أعضاء المجلس.. صرخوا فى وجهه "إنت شيوعى" وفشل فى أن يتكلم.. ثم أسقطوه بعدها فى الانتخابات بقرار زعيم الوفد "مصطفى النحاس"!!
فى الخلفية.. كانت "ثورة 23 يوليو" جنينا.. وكان زعيمها يرصد ويتابع ويحسم خياراته!

 

إنهزم "سيد مرعى" فى معركة "الإصلاح الزراعى" لكنه انتصر بعد ذلك, فى معركة فرض إنشاء "نقابة المهن الزراعية" ضد "أحمد عبد الغفار" وزير الزراعة.. ولنا أن نعلم عن كليهما أنهما كانا من أبرز رجال "الجمهورية الثانية" وكانا مقربين من مؤسسها "أنور السادات"!!

 

حاولت تبسيط الموضوع دون ابتسار!!

 

التفاصيل كثيرة وتم دفنها فى كتب التاريخ!!

 

إنتصرت "الجمهورية الأولى" للحقيقة.. إستجابت للواقع وأصدرت قانون "الإصلاح الزراعى" بعد قيام ثورة "23 يوليو 1952" بأربعين يوما من بدايتها.. إختارت يوم 9 سبتمبر للإعلان, وانتصارا لدور أول قائد مصرى وطنى للجيش – أحمد عرابى – ولحظة أن تمكنت "الجمهورية الثانية" دارت ماكينات "الكذب وتزوير وتشويه التاريخ" لتقول أن القانون سبب تدمير الزراعة.. هكذا قالوا ومازالوا يقولون لترسيخ "الكذب" فى عقول الناس!!

 

حدث ذلك لإعادة الإقطاع!!

 

عاد الإقطاع.. زراعى.. وصناعى.. وتجارى.. ثم عقارى!!

 

هل فرضت "الثورة" التى أسست "الجمهورية الأولى" القانون؟!

 

إجابة السؤال تؤكدها الدراسات والشهادات التاريخية.. كلها أكدت أن "جمال عبد الناصر" راح يناقش "الوفد" برموزه وغيره من القوى السياسية.. كلهم رفضوا "قانون الإصلاح الزراعى" وهذا التوجه, بما فيهم أول رئيس وزراء بعد الثورة – على ماهر – وفى مذكراته قال "محمد نجيب" أنه كان رافضا لهذا القانون الذى صدر بتوقيعه كرئيس للوزراء!! وبسبب هذا القانون كتب "طه حسين" مقاله الذى أعلن فيه رفضه وصف ما حدث فى مصر بأنه "الحركة المباركة" وطالب بضرورة إطلاق "ثورة" عليه.. وشرح أسبابه فى مقال يصعب شطبه أو تحريف.. لكنه تم التعتيم عليه كما غيره من المعلومات والوثائق والشهادات, مع سبق الإصرار والترصد من مؤسس "الجمهورية الثانية" والذين حكموا بعده.. وقد فعلوا ذلك لأسباب كثيرة, كان أهمها رضا كعبتهم التى يدورون حولها فى "واشنطن" واسمها "البيت الأبيض"!

 

معلوم بالضرورة أن أهم الفاعلين فى تنفيذ إجراءات "الإصلاح الزراعى" كان هو المهندس "سيد مرعى" الذى أصبح فيما بعد وزيرا للزراعة ثم وكيلا لمجلس الأمة.. وبعدها نائب رئيس وزراء ووزير زراعة فى زمن "عبد الناصر".. وتحمل مذكراته التى نشرها عام 1977 كافة التفاصيل.. لكن المذكرات كغيرها تم التعتيم عليها.. كيف؟.. لماذا؟.. لا أملك إجابة غير أن أقول لك أن هذه المذكرات تحمل حقائق لا يرفضها من ينحاز لهذه الجمهورية أو تلك!!

 

أراضى مصر الزراعية كانت تحت يد الدولة عندما حكمها "محمد على" وبمرور الزمن كان يقطع أبناء أسرته والمقربين والذين يرضى عنهم مساحات من الأراضى.. وبعده كان كل من حكم مصر يملك الحق نفسه.. ليتكون "الإقطاع" على مدى عشرات السنوات.. ثم انقلبت الصورة ليقوم الحاكم بوضع يده على أراضى تابعة للأوقاف عندما حكم "الولد الذى حكم مصر" واسمه "فاروق" ويحمل التاريخ والوثائق وقائع كثيرة.. لا تحتمل تكذيبا.. لكن يمكن التعتيم عليها وإخفائها!!

 

نهب جلالته – فاروق – وباقى أفراد العائلة المالكة آلاف الأفدنة قبل "ثورة 23 يوليو" وكانت التفاصيل تتسرب للصحف التى تنشرها.. بينها أزمة "الملك فاروق" مع وزير الأوقاف " الشيخ على عبد الرازق" الذى اصطدم سابقا مع أبوه – الملك فؤاد – حين نسف محاولته أن يكون خليفة المسلمين بعد انهيار الدولة العثمانية.. ووقتها عزلوه من منصبه كقاض شرعى, وطردوه من الأزهر, غير التشهير به فى حملات ضارية.. ولم ينقذ الرجل من الجوع غير عائلته المعروف عنها ثرائها!

 

إنتصر الشيخ "على عبد الرازق" على المنافقين بعد رحيل "فؤاد" وأصبح وزيرا للأوقاف فى حكومة "محمود فهمى النقراشى" عام 1948.. جاءه يوما اتصالا من "نجيب سالم" ناظر الخاصة الملكية – وهو والد زوجة حسن الهضيبى مرشد الإخوان بعدها – وأبلغه بصدور ما يسمى "نطقا ساميا".. وهو ما يعنى فى زمننا تعليمات أو قرارا ملكيا شفهيا.. طلب ناظر الخاصة الملكية من وزير الأوقاف, إنهاء إجراءات ضم "وقف إسماعيل" وهو أول "خديوى" يحكم مصر.. كان طبيعيا أن يرفض الشيخ الجليل..فقد عاش الرجل منتصرا للعلم والحق والوطن.. وأبلغه أنه لا يعتمد ما يسمى "النطق السامى" ولا يعترف بغير المكتوب لكى يكون وثيقة رسمية, باعتبار أن الوقف المطلوب ضمه لأراضى جلالته – فاروق – يمثل جزء من أملاك الوزارة التى لا يملك وزير التفريط فيها.. ولما تم إبلاغ "الولد الذى حكم مصر" أشتعل غاضبا, فهو لا يعتبر نفسه حاكما.. بل مالكا للوطن بما فيه وما عليه من حجر وبشر..قرر استدعاء "النقراشى" ولم يقل له غير جملة واحدة: "وزير الأوقاف بتاعكم.. مش عارف يتعاون مع ناظر الخاصة الملكية"!!

 

كان التدليس والنهب اسمهما "تعاون"!!

 

كان المهم هو الفوز برضا "مولانا" حتى على حساب الوطن نفسه!!

 

ترتب على هذا الموقف أزمة وزارية.. انتهت إلى تمسك الشيخ "على عبد الرازق" بموقفه وأصر عليه.. وحتى يرفع الحرج عن رئيس الوزراء, قدم استقالته بعد أن عرض عليه وثائق نهب "فاروق" لآلاف الأفدنة على مدى عشر سنوات منذ أن تربع على العرش!! وتستحق باقى التفاصيل أن نخوض فيها, لأنها تكشف ما كان يحدث أيام الملكية – الحكم المدنى – ثم عاد ليحدث فى "زمن الجمهورية الثانية" ليقولوا لك بخبث, أنه نتيجة ما يسمونه "الحكم العسكرى" وكل هدفهم محاولة شطب "ثورة 23 يوليو" وقائدها وزعيمها "جمال عبد الناصر" من الذاكرة.. تنفيذا لما خططت له وتتابع تنفيذه "إدارة تزوير التاريخ" التابعة للمخابرات المركزية الأمريكية!!..

 

الجمهورية الثالثة !! أنا فلست (6)

 يتبع

 

إرسال تعليق

0 تعليقات