آخر الأخبار

الدين العظيم

 





حمدى عبد العزيز


27
يوليو 2022

 

 

أنا مدين للمبدع الكبير والشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي بدين كبير لاعلاقة له بالشعر أو بالأدب، ولكن له علاقة كبيرة بإدراكي لتاريخ الشعب المصري وتطور أدواتي المعرفية في قراءة هذا التاريخ ومحاولة استخلاص دروسه المستفادة ..

 

كنت شاباً وكانت تربطني بالأستاذ الأبنودي علاقة التلميذ بالأستاذ

 

  ولملابسات ما - ليست هي موضوعنا الآن - كنت أحادثه تليفونياً فكان أن دعاني الشاعر الكبير في أوائل تسعينيات القرن الماضي للحضور إلي منزله بالمهندسين لأنه يريد أن يتحدث إلي في بعض الموضوعات ..

 

وبالفعل أكرمني الرجل وطلب مني أن آخذ راحتي وأن اعتبر نفسي صاحب بيت ودعي واذكر أنه دعي ابنته آية وكانت طفلة وقتها لتحيتي قائلاً


-
سلمي ياآيه علي عمك حمدي ..

 

كان اليوم يوم جمعه واستغرقت الجلسة وقتاً طويلاً تحدث الأستاذ في السياسة والشعر والحياة وسألني واستمع إلي في نفس الموضوعات ولكنه فاجئني بسؤال ساهم كثيراً فيما في أحداث نقلة كيفية كبري في طريقة تكوين آدواتي المعرفية وفتح لي آفاق معرفية واسعة أظن الآن أنني كنت قد تأخرت كثيراً في إدراك أهميتها ..

 

توقف الأستاذ عن الحديث قليلاً ثم أردف قائلاً ..

 

 قريت ابن إياس؟

 

كنت قد استمعت إلي هذا الاسم مرات عديدة اذكر منها مرة كنت البهو القديم لحزب التجمع وكان المرحوم عم عطيه الصيرفي جالساً بالقرب مني علي الفوتيه الأخضر الشهير الذي يعرفه كل أبناء جيلي الذين كانوا يترددون علي مبني حزب التجمع في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي .. سمعت عم عطيه الصيرفي يقول للجالس جواره أنه يبحث عن ابن إياس ويرجوه أن يدله علي مكتبة تحتوي نسخه ..

 

الحقيقة لم أقف كثيراً وقتها عند هذا الاسم، وبصراحة لم تكن مثل هذه الأسماء مدرجة علي جدول أولوياتي ، وسيتضح بعد أن هذا كان جهلاً عظيماً وغبياً أيضاً مني ..

 

المهم

 

أجبت الأستاذ الابنودي معتذراً عن عدم قراءة ابن إياس ..

 

فرد الأستاذ فوراً

 

 أذاي ..

 

هوه فيه حد ممكن يفهم تاريخ الشعب المصري من غير مايقري ابن إياس؟

 

لازم تدور عليه وتلاقيه بسرعه هوه موجود في مجلدات وسحب أحد المجلدات من مكتبته

هوه ده

 

طبعاً أنا ماباسلفهوش لحد

 

لازم تدور عليه وتتعب لغاية ماتلاقيه وتقراه ..

 

رسمت صورة عنوان الكتاب في رأسي

 

بدائع الزهور في وقائع الدهور


لمحمد بن إياس الحنفي

 

وبعد أن غادرت إلي مدينتي لم يهدأ لي بال حتي عثرت علي الكتاب في مكتبة أحد المدارس الثانوية لدي صديق مثقف كان يعمل أميناً للمكتبة واتفقت معه أن استعير كل مجلد من المجلدات في مدة أقصاها أسبوع بشرط اشترطه هو ووافقته عليه وهو أن اكتب ملخصاً له ليقرأه هو ويعيد تسليمه إلي كلما سلمته المجلد المستعار ،

 

وبالفعل قد كان أن ظللت لشهور أقرأ وألخص أجزاء بدائع الزهور في وقائع الدهور ..

 

كانت هذه القدرة المدهشة التي امتلكها ابن اياس علي تسجيل الحياة اليومية للمصريين وخصوصاً تلك الفترة التي تناولت الأحداث التي واكبت حكم دولة الخلافة الفاطمية والعباسية ثم حقبة هيمنة الأتراك المماليك علي مصر إلي آخره .

 

أدركت ان تاريخ الشعب المصري في هذه الحقب لم يكن تاريخ خنوع واستسلام لحكم الأجانب المستبدين .

 

علي العكس فهناك الكثير من الهبات الشعبية والانتفاضات والثورات أوردها ابن إياس في وقائعه التي دونها كيوميات شاهد علي هذه العصور ، وهو مااقترب من انتهاجه الجبرتي فيما بعد ...

 

وظلت ملخصات بدائع الزهور في وقائع الدهور في مكتبتي حتي اليوم والحمدلله أنني لم أتعرض للمداهمات الأمنية التي كانت تتطال كل اليساريين في السبعينيات والثمانينيات ، وإلا لما عاشت هذه الملخصات في احد أرفف مكتبتي حتي الآن رغم أنني كنت كتبتها بالقلم الحبر وتعرضت بعد أجزائها للبهتان ..

 

ولولا إصرار الأستاذ الأبنودي الذي وصل إلي نوع من التوبيخ الرقيق لتأخر هذ الاكتشاف المعرفي الكبير إلي وقت لم يعد لدي فيه الطاقة والمتسع لقراءة مثل هذا السفر العظيم الذي أثر في رؤيتي وجعلني أهتم أكثر بدراسة التاريخ الذي يحفل دائماً بمسالك البشر ومساعيهم نحو صنع الحياة الأفضل وبنجاحاتهم وإخفاقاتهم وتضحياتهم ومايقدمونه لنا من دروس هائلة تضئ لنا مسالكنا ..

..

إرسال تعليق

0 تعليقات