آخر الأخبار

الجمهورية الثالثة !! عوض ومنتصر... عنوان ( 18)

 

 


 

نصر القفاص

 

صدر عن "اتحاد الصناعات" تقريرا حول استثمارات القطاع الخاص فى مجال الصناعة.. ذكر التقرير أن إجمالي مساهمته بلغت 2,1 مليون جنيه حتى نهاية عام 1951.. بينما كان الرقم مختلفا تماما فى خطة تصنيع مصر التى تم الانتهاء منها قبل نهاية عام 1955, وشارك فى صياغتها وإقرارها 120 خبير وأستاذ جامعى ورجل أعمال.. بناء عليها كان الذهاب إلى إنشاء وزارة الصناعة.. وكان "عزيز صدقى" هو أول من تولاها فى يونيو عام 1956.. قبل تأميم قناة السويس بأيام.. وبعد رحيل آخر جندى انجليزى عن مصر – عيد الجلاء 18 يونيو – وتقرر أن تنطلق خطة بناء وتنمية الصناعة باستثمار مبدئى بلغ 120 مليون جنيه.. وشارك فى تنفيذها دول الشرق والغرب.. وإذا كان "الاتحاد السوفيتى" هو المساهم الأكبر.. فإن المانيا الغربية وفرنسا مع اليابان وغيرهم لم يغيبوا..

 

وكلهم كانوا يشاركون فى تنفيذ خطة مصرية برؤية وطنية.. ليرتفع بناء المصانع من الإسكندرية.. الترسانة البحرية والنسيج والنحاس وغيره.. إلى أسوان.. كيما إلى جانب السد العالى.. مرورا بما تم إنجازه فى السويس.. تكرير البترول والبتروكيماويات.. إضافة إلى مصانع السجاد فى دمنهور.. والصناعات الغذائية.. قها وادفنينا فى القليوبية والبحيرة.. مع عملاق صناعة الغزل والنسيج فى المحلة الكبرى وكفر الدوار وشبين الكوم.. إضافة إلى مصانع نسيج أخرى فى المنيا وسوهاج.. وصولا إلى مجمع الألمونيوم فى نجع حمادى.. وفى القلب الحديد والصلب والكوك والمراجل فى القاهرة.. والقائمة طويلة.. ولعلنا لاحظنا أن تصفية كل هذا بدأت بعد حرب اكتوبر, ومازالت مستمرة إلى جانب استمرار حملات السخرية من "القطاع العام" والحط من شأنه!! بوصولنا إلى استثمارات فى "المول" و"الكافيه" و"مطاعم البيك"!!

 

يوم 5 ديسمبر عام 1958.. تحدث "عبد الناصر" فى خطاب للشعب, شرح خلاله أن خطة التصنيع هدفها زيادة الدخل القومى بمبلغ "130 مليون جنيه" وتوظيف 350 ألف عامل وفنى.. وأن تسهم الصناعة بنسبة 22 بالمائة من الدخل القومى.. وأشار إلى أن هذا هو السبيل الوحيد, لتعويض تخلف فرضه الاستعمار وإتاحة فرص عمل تواكب الزيادة السكانية.. والأرقام قد تكون مزعجة لغير المتخصصين, لكن بعضها يأخذ أهميته من أنها تعيد تنشيط الذاكرة.. قبل أن نذهب إلى تفاصيل منهج هدم كل ذلك خلال سنوات حكم رؤساء "الجمهورية الثانية" المتعاقبين!!

 

كان أمر "القطاع العام" بيد الدولة عبر حكومات متعاقبة!!

 

تعيين قيادات "القطاع العام" كان يتم بترشيح من وزراء صناعة, تم اختيارهم بعناية من جانب القيادة السياسية – الرئيس – وكانت البرلمانات التى تشكلت فى ظل ما أسموه "الديمقراطية" تراقب وتصيغ القوانين.. كما كانت أجهزة الرقابة تمارس عملها – المحاسبة والرقابة – إضافة إلى أجهزة أمنية يفترض أن عيونها مفتوحة, لرفع أمر أى فساد أو تقصير لمستويات عليا!!

 

هذا معناه أن "القطاع العام" لم يفشل بالصدفة!!

 

هو "القطاع العام" نفسه الذى تحمل عبء سنوات ما بين هزيمة 67 وانتصار 73!!

 

كيف كان "القطاع العام" يقدر على توفير معظم احتياجات الوطن.. إن لم يكن كلها!! ثم أصبح بعد فتح الأبواب للشيطان – انفتاح السداح مداح – عبئا على الدولة, وسببا فى إفقار البلاد وتخلف اقتصادها كما زعموا فى البداية.. ثم وصلوا إلى أنه أدى إلى خراب البلاد والعباد اعتبارا من منتصف الثمانينات.. إلى مرحلة التجرؤ على القول بأن قلعة "الحديد والصلب" لا تساوى عشرة قروش, أمام "مجلس النواب" بعد إلغاء "الأمة" ثم "الشعب"!!

 

الجمهورية الثالثة !! "شخبطة" أظنها مهمة (17)


قليل من العقل والمنطق.. مع قليل من الهدوء يكشفان الحقيقة!!

 

كان لابد أن يغيب العقل وينتحر المنطق.. يحدث ذلك بنصب "موالد صراخ" لا تتوقف!!

 

لعلى أستطيع توضيح ذلك حين أذكر أن "محمود عوض" كان فى بداية مشواره الصحفى يتولى تغطية قطاع الصناعة والطاقة لجريدة "الأخبار" أما جريدة "الأهرام" فكانت تعتمد على "صلاح منتصر" لآداء الدور نفسه.. مع آخرين بالتأكيد فى صحف ومجلات أخرى.. لكن النموذجين – الأستاذين – كاشفان للحقيقة.. فقد استمر "محمود عوض" مدافعا.. بل مقاتلا.. أملا فى إيقاف عجلة تدمير "القطاع العام" المجنونة!! بينما اختار "صلاح منتصر" ارتداء "بدلة الانفتاح المستوردة" وراح يشارك مقاتلا ضد "القطاع العام" و"زمن عبد الناصر" الذى أقاموا حلقات ذكر لشيطنته لسنوات!!

 

تعرض "محمود عوض" لقصف قلمه وتم حصاره.. حتى نقله لوزارة الإسكان موظفا قبل رحيل "أنور السادات" واستمر حصاره بالقسوة ذاتها فى "زمن مبارك" دون أن يؤثر فيه ذلك, ليبدع كاتبا كبيرا ومرموقا عبر مقالاته فى صحف عربية وكتبه الأكثر مبيعا.. وترك أجيالا تعتز بأستاذيته وتنحنى له تقديرا – أزعم أننى أحدهم – بينما ترقى "صلاح منتصر" ليصبح رئيسا لمجلس إدارة مؤسسة ورئيسا للتحرير.. وجعلوه كاتبا يشار إليه بأنه كبير.. ومع أنه ترك "الأهرام" إلى "دار المعارف" لسنوات.. لكنه عاد كاتبا ظل يمارس العادة نفسها حتى النهاية.. وأضيفت إليه مكانة كبيرة من جانب رجال الدولة ورجال المال!!

 

مثير أن أذكر كثيرا كلمة "مفارقة" كلما فرضت نفسها!!

 

موقف "محمود عوض" كان على أرضية "الأخبار" حيث رايات "مصطفى وعلى أمين" عالية خفاقة.. وموقف "صلاح منتصر" كان من أرض "محمد حسنين هيكل" بعد إبعاده, ثم انتداب أبناء "على أمين" الذى تولى أمرها نكاية فى "هيكل" لفترة قصيرة.. وتولى المهمة بعده آخرون!! فكل من حاول الدفاع عن "الجمهورية الأولى" تعرض لما تعرض له "محمود عوض" الذى حاكاه عدد قليل من الصحفيين.. أما الأغلبية فقد ركبت طائرة "الجمهورية الثانية" القادرة على التحليق بالذين يبحثون عن الثروة والنفوذ!!

 

حتى وصلنا إلى مرحلة تصفية المؤسسات الصحفية القومية مع تصفية "التليفزيون العربي" بعد اغتيال "الإذاعة" بمرمطة "صوت العرب" فى البداية.. وما حدث فى الإعلام هو نفسه ما حدث مع "القطاع العام" الذى اغتالوه وسلخوه.. ولم يكتفوا بذلك.. ذهبوا إلى نصب "موالد الصراخ" ضده بصفة مستمرة ودون توقف!!

 

يقول "محمود عوض" فى أحد مقالاته المنشورة فى "أخبار اليوم" وكان عنوانه: "لكن الفقيد على قيد الحياة"!! مبشرا بالأمل وداعيا للمواجهة: "الشعوب لا تموت إلا إذا اختارت الانتحار, أو تم دفعها إليه" وينهى المقال ذاته بكلمات قالها قاض أمريكي إسمه "أوليفر هولمز" تلخص فكرته التى تناولت مسيرة "جورجى زيدان" أحد مؤسسى "دار الهلال" وفيها يحدد: "الشىء العظيم فى هذه الدنيا.. ليس هو أين تقف؟!.. بقدر ما هو فى أى اتجاه تتحرك؟!".. وفى مقال آخر كان عنوانه: "جاءنى الآن.. خبر هام" يقول – محمود عوض – أن: "الخطايا الكبيرة تبدأ دائما من الصمت على الانتهاكات الصغيرة"!! وكان موضوعه ما فعله "مكارثى" فى المجتمع الأمريكى ثم كيف لفظه هذا المجتمع, عندما اكتشف تضليله!!

 

سافر "محمود عوض" كثيرا للولايات المتحدة الأمريكية.. وكان يعود أكثر شراسة فى دفاعه عن "الجمهورية الأولى" بقلمه وفكره.. وسافر "صلاح منتصر" أكثر إلى الولايات المتحدة الأمريكية, ليعود مبشرا بأهمية وضرورة "الجمهورية الثانية" التى ستأخذنا إلى "الرخاء والرفاهية" بسرعة.. فحدث أن ذهب هو وأمثاله إلى هذا الرخاء وتلك الرفاهية.. ورحل "محمود عوض" تاركا فى ذاكرتنا "العزة والكرامة"!! ويكفينى أنه كتب تحت عنوان "أصول اللعبة" مقالا جاء فيه: "من هو رجل الأعمال؟! هل هو واحد من أولئك المحترفين الذين يتحدثون, كما لو كانوا مستشرقين.. منفصلين تماما عن الشعب الذى يعيشون بينه؟!.. إن رجل الأعمال الحقيقى هو الذى يريد مناخا آمنا لأمواله.. وهذا المناخ لا تحققه قوات الأمن المركزى.. لكن يحققه الرضا العام بقواعد اللعبة والإحساس بأنها منصفة لجميع الأطراف.. أما حينما يكتب شخص مطالبا الحكومة المصرية, بأن تبيع له القطاع العام بنصف الثمن.. وبشرط التقسيط المريح.. وبشرط فصل نصف العاملين لأنهم سيصبحون – هكذا تنبأ – مشاغبين.. وبشرط أن تدفع الحكومة لهؤلاء المفصولين إعانة بطالة.. فإن مثل هذا الشخص يعيش فى كوكب آخر وقرن آخر ومجتمع آخر غير هذا المجتمع.. هو بالكثير سمسار يريد لنفسه ثراء سريعا وغير مشروع.. حتى ولو كان الثمن خراب مالطا"!!

 

حدث مع "محمود عوض" ما حدث بالضبط مع "القطاع العام"!!

 

فاز "صلاح منتصر" بما فاز به بالضبط "القطاع الخاص"!!

 

عاش "محمود عوض" وسيعيش طويلا رغم رحيله.. ومات "أراجوزات التنوير" رغم أنهم مازالوا يتنفسون.. يتكلمون.. يضيفون ثروات لأرصدتهم, ونجومية تنتهى بمجرد قطع "تيار السلطة" عنهم وحرمانهم من رعاية "أجهزة" تولت ترشيح قيادات "القطاع العام" تضمن ما يرونه "استقرارا" بغض النظر عن "خراب مالطا" طالما أنهم يرفعون الآذان فى "مالطا"!!

 

لنا أن نتخيل أن قاض يحقق مع كاتب صحفى فى أفكاره!!

 

حدث ذلك لحظة أن اشتد عود "الجمهورية الثانية" عندما باركتها "واشنطن" ودول الغرب!!

 

يحمل كتاب "وقائع تحقيق سياسي" للأستاذ "محمد حسنين هيكل" التفاصيل التى لا تصدقها.. لكنك يجب أن تصدق أن "المدعى الاشتراكي" سأله: "هل تعتنق عقائد سياسية معينة؟!" على اعتبار أن الاعتقاد السياسى جريمة نكراء.. ثم سأله: "كيف بدأ الدور الأمريكي فى المنطقة.. وكيف تطور؟!".. وكانت الإجابة درسا فى التاريخ والجغرافيا والسياسة.. وكشف خلالها عن بعض أسرار علاقته بمؤسس "الجمهورية الثانية" فيما بدا كأنه رسالة لصاحب الشأن نفسه – أنور السادات – وتناول بعض تفاصيل علاقة "الجمهورية الأولى" مع "الاتحاد السوفيتى" ليكشف الكثير من تفاصيل تغطى عليها دائما "حفلات الزار الإعلامى" التى لا تتوقف.. حتى وصلت إلى ما يشبه ما فعلت "ريا وسكينة" مع ضحاياهما!!

 

المهم أن "محمد حسنين هيكل" أوضح أسباب عدم ثقته فى تقارير أجهزة أمنية, تمت مواجهته بها مع ذكر ما جاء فيها.. وهذه الأجهزة ذاتها, هى التى تولت ترشيح قيادات "القطاع العام" منذ تأسست "الجمهورية الثانية" ليصل إلى "الفشل رغم أنفه" ثم العجز بفعل "سحر أسود".. حتى انتهى صريعا مع حفظ التحقيق لغياب الأدلة على وقوع جريمة!! رغم أننا كلنا أصبحنا نعرف القتلة.. أسماءهم.. صفاتهم.. وبصماتهم واضحة بما لا يقبل شكا.. ليموت أهل القتيل – القطاع العام – كمدا.. وينعم القتلة وضمنهم "الثرثار باشا" وأقرانه الذين وصل بهم الأمر إلى إقامة حفلات ومهرجانات, لإعلان الانتصار على مجتمع يرفض تقبل العزاء حتى يستعيد حقه!!

 

ما تم بناؤه خلال خمسة عشر عاما فقط!!

 

استمرت عمليات هدمه لأكثر من نصف قرن!!

 

الشعب الذى يسخرون منه ويسبونه يرفض رفع "الراية البيضاء" ويتمسك بقدرته على التصدى للرمز – فضة المعداوى – والانتصار للرمز – مفيد أبو الغار – كما صاغها المبدع "أسامة أنور عكاشة" فى واحدة من روائعه الدرامية "الراية البيضاء" التى أخرجها "محمد فاضل".. وبقيت "البداية" التى كتبها "لينين الرملى" وأخرجها "صلاح أبو سيف".. كما بقى "طيور الظلام" كنبوءة للمبدع "وحيد حامد" وإخراج "شريف عرفة".. تجعلنا لا ننسى أدوار الفنانين الذين قدموها.. والتى تكشفت بما حدث فى "25 يناير 2011" ثم "30 يونيو 2013" لنعود إلى المربع "رقم صفر" لقوة الدعم الذى يلقاه المكلفين بمهمة هدم "القطاع العام" بعد تغير عناوين "الخصخصة" إلى "التخارج" وسط تهليل "أراجوزات التنوير" الذين لم يخجلوا من الاحتفاء بغلمان "بنى تميم" بعد أن سبوه ولعنوا "الفاضلة" والدته!!..

 

يتبع

 

إرسال تعليق

0 تعليقات