نصر القفاص
هناك فرق كبير بين أن
تكون صحفيا.. وأن تكون كاتب صحفي.. وقد تكون المسافة نفسها تفصل بين الكاتب الصحفى,
وأستاذ الجامعة الأكاديمى.. ربما لأن الكاتب الصحفى تحكمه – وتصنعه – خبراته
وقراءاته طولا وعرضا وعمقا.. أما أستاذ الجامعة فهو محكوم بتخصص, ومنهج له قواعد
أكاديمية.. والمسألة يطول شرحها, وقد يأتى وقت مناسب لكى يناقشها ويستوعبها
المجتمع بعد أن ينقشع غبار "زمن الجمهورية الثانية" التى نتأهب لما
بعدها!!
لعلى اخترت هذا
التوضيح, لأؤكد على أن ما أطرحه هو رؤية "كاتب صحفى" دون ادعاء أننى "مفكر"
لأنها مكانة أكبر بكثير من مكانتى.. ودون ظن أن رؤيتى قائمة على منهج أكاديمى.. فضلا
عن أنها ليست لمؤرخ, لفهمى وإدراكى أن التاريخ علم له قواعد وأصول.. وكل هذا لا
يقلل من قيمة الكاتب الصحفى أو مكانته فى المجتمع.. فهناك المئات من الذين يقدرهم
المجتمع, لمجرد أنهم يستحقون إطلاق هذه الصفة عليهم.. ليس بداية من "سعد
زغلول" الذى كان كاتبا صحفيا اكتشفه الإمام "محمد عبده".. ومرورا
بالشيخ "على يوسف", ثم "عباس محمود العقاد".. وليس انتهاء
بزمن برز فيه عشرات الكتاب الصحفيين – قد يكونوا مئات – سواء قبل أو بعد "الجمهورية
الأولى".. وإذا جاز لى أن أذكر بعضهم سأجد "محمد التابعى" و"محمد
زكى عبد القادر" و"أحمد الصاوى محمد" و"حسين فهمى" وصولا
إلى "محمد حسنين هيكل" و"محمود عوض" وكامل زهيرى" حتى
تبقى لنا عدد قليل من أولئك الذين يستحقون أن يسبق اسمهم "كاتب صحفى" وأبرزهم
"أحمد الجمال" مع قلائل يستحقون الذكر والاحترام.. لكننى أردت الإشارة
لتوضيح معنى يحاصرنى, خلال استغراقى فى كتابة رؤيتى للجمهورية الثالثة!!
ظهرت علامات متتابعة
بسرعة رهيبة تؤكد نهاية "الجمهورية الثانية" أهمها ما يحدث فى ميدان
المعارك على أرض "أوكرانيا" والتى لم تعد بأهمية ما يدور حولها وفى
عمقها.. وداخليا لا أستطيع أن أتخلص من إلحاح عناوين أخبار مهمة وخطيرة.. بينها ما
يحدث حولنا من إعادة ترتيب أوراق نحن كان يجب أن نكون مركز دائرتها.. لكن الميزان
الذى اختل جعل "الدوحة" و"طهران" مع "الإمارات" و"اسطنبول"
يحاولون أن يكونوا مركز دائرة.. لا يمكن أن تكون دائرة على أى شكل.. ففى مصر التى
كانت مركز "دائرة" العالم العربى.. ومركز "دائرة" إفريقيا.. بل
ومركز "دائرة" العالم الثالث شرقا – روسيا والهند والصين – وغربا فى دول
أمريكا اللاتينية.. أصبحنا نعيش طفحا على جلد الوطن والمجتمع.. عناوينه.. طالب
يذبح زميلته على باب الجامعة.. قاضى بمجلس الدولة يقتل زوجته الإعلامية ويحاول
الهرب.. شيخ يخطف الأضواء حين طالب المرأة, أن تخرج إلى الشارع فى شكل "قفة"..
وسط صراخ الناس من نار الأسعار بصورة مفزعة.. ثم انقلاب الرأى العام لكى يلعن ما
يسمى "إنجازات" يتحدث عنها "أراجوزات التنوير" وسط محاولات
إحياء الميت بما يقال عنه "الحوار الوطنى" دون اكتراث بحالات انتحار
غريبة لشباب, ووصلت إلى انتحار أسرة بأكملها.. ودون انشغال "بالقاهرة 2022"
التى لا تقل وضوحا عن "القاهرة 30" كما تناولها "نجيب محفوظ" فى
روايته الشهيرة "القاهرة الجديدة", التى تحولت إلى فيلم فهم منه الشعب
ببساطة وعمق شديدين أسباب التفاف الناس حول "ثورة 23 يوليو" ثم التفافهم
حول زعيمها وقائدها – منتصرا ومهزوما – وبعد ذلك سنجد أن السينما نطقت بأسباب تصدع
"الجمهورية الثانية" عند وضع أساسها, كما أوضح فيلم "المذنبون"
وكذلك أفلام: "أهل القمة", و"سواق الأتوبيس".. حتى كانت واحدة
من مفارقات – الجمهورية الثانية – آخر هذا الزمن حين أراد استعادة شمل الأمة, فلم
تجد غير فيلم "الممر" الذى أعاد إنعاش ذاكرة الأمة تجاه بطولتها وقت
الانكسار.. إضافة إلى مسلسل "الاختيار" فى الجزء الخاص بالشهيد "أحمد
منسى" وأقرانه من أبطال "القوات المسلحة".. ثم "محمد مبروك"
كواحد من أبناء "الشرطة" الذين دفعوا حياتهم ثمنا للدفاع عن وطن ومجتمع
يقاوم دفاعا عن تاريخ.. ويدافع عن مستقبل يؤمن – ويحلم – به دائما!!
إذا كنت أتوقف فى
محطات مهمة من تاريخ مصر خلال زمنين – الجمهورية الأولى والثانية – فهذا ليست
دفاعا عن هذه ولا هجوما على تلك.. لكن مجرد محاولة لإنعاش ذاكرة, تعرضت للعبث
والتخريب وفق منهج يستحق الدراسة من جانب الأساتذة الأكاديميين.. وللحقيقة أن
بعضهم اجتهد وفعل, وتعرض اجتهادهم للتعتيم.. وبعض المجتهدين أغراهم "المزاد
العلنى" المفتوح للفوز بثروة ونفوذ.. وللحقيقة – أيضا – أن كثيرين منهم سقطوا
فى بئر "الفساد اللذيذ" دون رغبة فى ذكر أسمائهم.. لكن البارز منهم يصعب
تجاهله.. فقد كان بينهم "عبد المنعم القيسونى" و"عبد الرزاق عبد
المجيد" ثم "أحمد فتحى سرور" و"مفيد شهاب" و"أحمد
نظيف" إضافة إلى عشرات من الذين أخذهم "الفساد اللذيذ" وأقصد به
الفساد السياسى والفكرى والعلمى.. ولن يكون آخرهم "مصطفى مدبولى" رئيس
وزراء "الصحة" والهجرة" كوزارتان تمثلان الجانب الآخر من جرائم
اغتيال مفزعة وحالات انتحار تفرض الفزع!!
إعتقادى أن مرورى على
الصورة عبر لقطات متلاحقة, فيه شرح لما أردت توضيحه حول أن رؤيتى التى لا تتجاوز
كونها اجتهاد "كاتب صحفى" يضع نصب عينيه "أحمد بهاء الدين" الذى
قال كل شىء فى جملة "إنفتاح السداح مداح" لينسف "الجمهورية الثانية"
فى بدايتها.. كما فعل "طه حسين" عندما قال أن ما حدث فى "23 يوليو 1952"
ليس "حركة مباركة" بل هو "ثورة" بكل ما تحمله الكلمة من معان!!
أعترف بفشلى فى أن
أعزل نفسى عن أحداث جارية.. كما أعترف بفشلى فى أن أقفز للأمام متناسيا ما تعلمته
من التاريخ وعلم الاجتماع مع علم السياسة.. وأعتز بهذا الفشل حين وجدت نفسى مسجونا
داخل أسوار صمت حطمها العلم والتكنولوجيا.. فمن حسن حظى أننى عشت "زمن وسائل
التواصل الاجتماعى" التى يصب "أراجوزات التنوير" لعناتهم عليها, ولا
يملكون غير سبها والتحريض عليها.. كما سبق أن فعلوا تجاه "القنوات الفضائية"
التى تولت عملية هدم الرئيس الثانى فى "الجمهورية الثانية".. ثم شاركت
فى هدم حاكم كان بمثابة "جملة اعتراضية" فى تاريخنا الحديث – محمد مرسى –
لذلك لا أستغرب ما حدث مع هذه "الفضائيات" إضافة إلى الذهاب إلى تدمير
الصحافة – قومية وخاصة – بتأثير أوهام تقوم على أن "الإعلان" لا يختلف
عن الإعلام!! وهى رؤية يعلم دارسو الإعلام مدى سذاجتها وضحالتها.. ليس لأن الزمن
تجاوزها.. ولكن لأن الشعوب التى خدعتها "البروباجندا" بعيدة تماما, وتختلف
جذريا عن شعوب أصبحت تملك العالم عند أطراف أصابعها عبر "الموبايل" وجهاز
"اللاب توب" وبينهما أجيال تعلمت.. فهمت.. وإن كانت تفتقد عمق الثقافة, فهى
تملك القدرة على السباحة فى بحورها بقليل من الجهد مع رغبة حقيقية!!
أتوقف أمام ملاحظات
مهمة.. علمتنى إياها ابنتى "بسنت خورشيد"!!
قالت لى "بسنت"
وهى سينمائية واعدة.. أنها ترى مقدمى البرامج الإخبارية مجرد ممثلين فشلوا فى أخذ
مكانهم ضمن الذين يبدعون تمثيلا, وحين سألتها: لماذا؟!.. أجابتنى بأنهم فى أغلبهم
يلجأون إلى لغة الجسد – تمثيلا – عند قراءة الأخبار وتقديم البرامج.. وخلال مناقشة
مختلفة لفتت نظرى إلى ما سبق أن قاله "عبد الفتاح السيسى" فى بداية حكمه
بأن "عبد الناصر كان محظوظا بإعلامه"!! ولما قاطعتها.. عنده حق!! صدمتنى
بقولها: لو كان عنده إعلام بقوة وتأثير إعلام "عبد الناصر" لما ذهب إلى
ما نحن فيه!!.. هنا تصنعت السذاجة – عدم الفهم – لأسمع منها أكثر.. صدمتنى بسرد
أسماء عدد من "الكتاب الصحفيين" قبل أن ترد على السؤال بسؤال.. هل تعتقد
لو أن ثلاثة فقط من هؤلاء كانوا بيننا, كان سيتحملهم الرئيس؟!.. وهنا أصابنى "الخرس"
ورحت أفكر فيما قالته فتاة من جيل ننظر إليه باستخفاف.. وهنا يمكن أن ألتقط طرف
الخيط لأقرأ ثم أفكر.. وهى لعبة يمارسها كثيرا من أسميه "رفيع المقام" ونجح
ضمن عشرات فى أن يكون لهم تأثيرا مجتمعيا عبر مواقع التواصل الاجتماعى.. واسمه
يستحق أن أذكره "علاء سويلم".. كما يستحق "رافت نوار" الذى
أبكى رحيله قبل شهور!!
يجوز جدا أن تكون "جملة
اعتراضية" موضوعا لمقال يهم القارىء!!
حق "للكاتب
الصحفى" أن يفكر بصوت عال عبر قلمه!!
لا يجوز إطلاقا أن
تفرط مصر بحجمها وقدرها وتاريخها, بأن تترك "القلم" و"الشاشة"
و"الميكروفون" بيد "أراجوزات التنوير" لكى يفرغوا ما فى
بطونهم على "القارىء" و"المشاهد" و"المستمع"!! ولو
أننا وصلنا إلى تلك المرحلة يجب أن نتوقف لنصرخ فى صمت.. أى نعيد قراءة ما حدث.. ثم
نحاول أن نقرأ المستقبل.. وما بينهما أعلم أنه حاضر صعب.. خطير.. غامض..
بكل معانى الكلمات!!
أعود للماضى مستعرضا
بعض تفاصيله!!
أعتذر عن وقفتى
العابرة أمام حاضر.. تؤلمنا تفاصيله!!
الذهول بعينه يعترينا
بشأن الذين كذبوا بأن "الإصلاح الزراعى" فتت الرقعة الزراعية, قد حفروا
كذبهم على جدار الذاكرة المصرية.. والذين مارسوا "التهريج" بزعم أن "السد
العالى" كان سببا فى حرمان الشعب من "السردين النيلى" تحول عبثهم
هذا إلى منطق يردده بعضنا كالببغاوات, لكن الأخطر أن يقول الكلام نفسه وزراء ونواب
ومنتحلى صفة مثقفين.. وهؤلاء أصبحوا نجوم مجتمع وقادة أحزاب يناقشون المستقبل على
أرضية أن "القطاع العام" هو سبب الخراب وانهيار الاقتصاد.. لمجرد أنهم "رجال
مال مشبوه" نعرف حجمه دون أن نعرف مصدره.. وقد يأخذك الجنون إذا وجدت "رئيس
وزراء" يحاضر الأمة, فى أن مصر المزدهرة توقفت عندما رحل "الولد الذى
حكم مصر" بعد "ابوه" المعروف بفساده!! وهنا لا يجوز إطلاق القول
دون ذكر أن الملك "فؤاد" عقد قرآنه وأقام الأفراح فى ذروة أحداث ثورة 1919..
وبيننا كتب التاريخ.. وأحداثه الثابتة والقاطعة.. كما أن "السلطان" ثم "الملك"
فؤاد أطلق عليه فى شبابه شقيق زوجته "البرنس
سيف الدين" الرصاص لأسباب أخلاقية!! ووقتها قال.. ونشرت الصحف كلامه.. الذى
أصبح أول "سلطان" فى تاريخ مصر.. "حسين كامل" قولته الشهيرة: فى
أسرتنا السكير والمقامر.. وكان ينقصنا القاتل"!!
ما أكتبه.. ثابت كوقائع فى كتب
تاريخنا الذى لا نقرأه!!
أستطيع أن أضيف عشرات
الوقائع التى حققها مؤرخون.. وكلها حقائق نائمة فى كتب التاريخ وأمانة بين يدى
دارسيه, الذين أصبحنا نعاملهم على أنهم عبء على المجتمع.. خاصة بعد أن قال الرئيس
ما يستحيل استيعابه ويصيبك بالذهول: "دراسة التاريخ والجغرافيا والفلسفة وعلم
الاجتماع.. ليس لها فرص فى سوق العمل"!! ويمر القول الخطير, وهو ثابت ومستحيل
شطبه.. نعبر عليه بخفة من يمارسون "جمع أعقاب السجائر" أو "نشل
المحافظ" وأسميهم "أراجوزات التنوير" بعد أن أصبحوا نجوما للمجتمع
عند نهايات "الجمهورية الثانية" الفخورة بهذا "الثرثار باشا" أو
حامل الدكتوراه فى "علم السيراميك" مع علماء المرحلة الذين أصبحت تجارة "الحديد"
تكسب ببركتهم.. وتخسر لو كانت صناعة ثقيلة أسستها ووطنتها دولة اعتمدت على "القطاع
العام", لتأخذنا دولة أخرى فيها وزير يقول أمام "نواب" تحت قبة "البرلمان"
أن مصانع "الحديد والصلب" فى "حلوان" لا تساوى "عشرة
قروش"!!
لا أكتب خاتمة.. بل
تلك كانت لحظة فرضت نفسها على عقلى.. خدعنى القلم وأخذنى إلى لحظة تفكير بصوت عال,
سأعود بعدها إلى المسار الذى رسمته لكى أقول كلمتى حول "الجمهورية الثالثة"
التى ستأتى بلا ريب!!..
يتبع
0 تعليقات